-A +A
عكاظ - واس الدوحة
أكد سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام أن العلاقات السعودية-القطرية علاقات تاريخية وتحكمها أواصر القربى والمصير المشترك، وقال سموه في حوار لرئيس تحرير صحيفة “الشرق” القطرية إن القواسم المشتركة بين بلدينا وشعبينا أقوى من أي مؤثرات خارجية وعلاقاتنا لم تنقطع مطلقا، وأضاف سموه ان ما يربط المملكة وقطر ليس وليد اليوم، ولا نتاج ظروف طارئة وإنما هو تعبير حقيقي صادق يعكس عمق العلاقات بين البلدين والشعبين الشقيقين في مختلف المجالات والعمل على إزالة كل ما قد يشوب العلاقات بينهما. وتابع قائلا: عندما أكون في قطر، فإنني أشعر بأنني بين أهلي واخواني وأن أسس الإخاء والمحبة والتعاون التي تربط بين دول التعاون قد عبر عنها قادتها من خلال إقامة التعاون بين الدول الخليجية وأن شعوبنا تتطلع إلى مزيد من الإنجازات التي يرغب المواطن أن يلمسها على أرض الواقع. وأشاد بجهود قادة المجلس في تحقيق المواطنة الاقتصادية الخليجية التي تحولت إلى واقع معاش وأصبح من حق المواطن الخليجي التملك والاستثمار والعمل في أية دولة من دول المجلس وهي خطوات ملموسة على أرض الواقع. وأكد سموه حق دول المجلس في امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية لأغراض التنمية كإنتاج المياه والكهرباء. واعرب سمو ولي العهد عن امله ان تكون الظروف مهيأة لنجاح القمة العربية المزمع عقدها في دمشق وان يتم الاعداد الجيد لها. واكد ان سوريا بلد عربي شقيق وغال علينا وتربطنا به اواصر الاخوة والدم والمصير، كما اعرب عن اسفه ان الانقسام الفلسطيني اعطى الفرصة لاسرائيل في ان تحقق بعضا من اهدافها، وشدد على ان وحدة الفلسطينيين هي الخطوة الأولى والاساس في مسيرة استعادة الحقوق وتغيير الواقع المؤلم.وفي ما يلي نص الحوار:



مشروع الانجازات

* كيف يقيم سموكم الكريم العلاقات الخليجية في ظل التحديات الراهنة التي تمر بها المنطقة ؟

إن أسس الإخاء والمحبة والتعاون التي تربط بين دول الخليج قد عبّر عنها قادتها من خلال إقامة مجلس التعاون الذي هو امتداد وتطور طبيعي لعلاقات أزلية بين أبناء هذه المنطقة. ويجسد المجلس روح التعاون والتكاتف سعياً وراء خير ورفاهية وأمن واستقرار المواطن في دولنا، كما أنه أداة فاعلة لدعم جميع قضايا الأمة العربية والإسلامية. ولا شك أن العمل الخليجي المشترك في إطار مجلس التعاون قد واجه مصاعب ومعوقات وتحديات أمنية واقتصادية، ولكن لدينا بالمقابل حصيلة من الإنجازات التي حققناها في كافة المجالات، وثقة ترسخت لدينا بسلامة النهج المتميز لهذه المسيرة الخيرة. ومع أن هذا الكيان الخليجي قد أظهر المرة تلو الأخرى بالتكاتف والإرادة الموحدة قدرة فائقة على التعامل مع الأحداث والتحديات فإن المستجدات في بيئة إقليمية مضطربة تفرض علينا الاستمرار في تطوير أداء المجلس وتنسيق السياسات والمواقف. واضاف سموه ان مسيرة دول المجلس قطعت شوطاً طويلاً منذ تأسيسه، ووقع أعضاء المجلس العديد من الاتفاقيات المشتركة بين دوله، مما زاد أواصر الترابط والتكامل في ما بينها، كما استطاع المجلس أن يبني علاقات دولية مهمة مع مجموعات ومؤسسات دولية عالمية. إننا ندرك أن تطلعات قادتنا كبيرة وطموحاتهم واسعة، كما أن شعوبنا تتطلع إلى المزيد من الإنجازات التي يرغب المواطن أن يلمسها على أرض الواقع مباشرة وفي جميع المجالات. ولقد سعت المملكة إلى تطوير التعاون مع جميع الأشقاء في دول المجلس لتعزيز وتنمية العلاقات معها في مختلف المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية في ما يعود بالنفع والخير على بلداننا وشعوبها،



خطوات بطيئة مثمرة

* لايزال المواطن الخليجي يشكو من عدم اكتمال الوحدة الخليجية كالاتفاق على العملة الموحدة أو التنقل بالبطاقات الشخصية والاستفادة من حقوق المواطنة بين كل الدول.. فمتى تتحقق هذه المشروعات الطموحة على أرض الواقع ؟

من المعلوم أن الاتفاقية الاقتصادية الموحدة أٌقرت بعد أشهر قليلة على إنشاء مجلس التعاون عام 1981م ومثلث منهاجاً شاملاً ومرناً للعمل الاقتصادي الخليجي وتهدف في نهاية المطاف إلى إقامة وحدة اقتصادية خليجية. وهناك الكثير من خطوات التكامل والتعاون التي تحققت في مسيرة الوحدة الخليجية التي اعتمدت أسلوب التدرج والتأني وتكوين القناعات واتخاذ خطوات، قد تبدو بطيئة ولكنها فعالة ومثمرة، فالتنقل بالبطاقة الشخصية يتم تحت مظلة المجلس بين عدد من الدول، والبقية تنتظر استكمال الإجراءات الفنية اللازمة للتطبيق. والعملة الخليجية قرر لها أن تنطلق العام 2010م ولكن كما تعلمون بعض القرارات لها متطلبات فنية تحتاج إلى بعض الوقت لتطبيقها. والنوايا الإيجابية والصادقة التي تنطلق من توجهات قادة المجلس قد تحولت إلى قرارات وبرامج عمل، واتخذ مجلس التعاون سلسلة من القرارات المتعلقة بتحقيق المواطنة الاقتصادية الخليجية التي تحولت إلى واقع معاش. وأصبح الآن من حق المواطن في دول المجلس الاستثمار والتملك والعمل في أية دولة من دوله وهذه خطوات ملموسة على أرض الواقع استفادت منها شرائح عديدة في المجتمع الخليجي.

* كيف ينظر سموكم الى قيام السوق الخليجية المشتركة؟

لقد ادرك قادة دول مجلس التعاون قبل إنشائه الحاجة إلى صياغة واقع خليجي جديد، جوهره الترابط القوي للمصالح الاقتصادية والقناعة الراسخة بأن المجلس هو جسرها لعبور طريق وعرة وسط عالم التجمعات الاقتصادية العملاقة.. والتكامل الاقتصادي مطلب تفرضه الاعتبارات الدولية المعاصرة، ومن ثم أراد القادة أن يعملوا على تحقيقه، وكان من الأهداف التي سعى إليها مجلس التعاون منذ تأسيسه إقامة سوق خليجية مشتركة، وتم هذا العمل من خلال إجراءات تدريجية، إذ بدأ عام 1983م بإقامة منطقة التجارة الحرة في ما بينها، ثم إقامة الاتحاد الجمركي عام 2003م إلى أن وصلنا إلى إعلان سوق مشتركة في قمة الدوحة عام 2007م وتهدف هذه السوق إلى المساواة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في ممارسة الأنشطة الاقتصادية، وتيسير انتقال الأفراد ورؤوس الأموال، وتشجيع الاستثمار، والاستفادة من الخدمات الصحية والتعليمية في دول المجلس. إن قيام هذه السوق يؤكد أننا نسير بعون الله قدماً إلى تحقيق الأهداف بعزيمة صادقة وخطى ثابتة.

علاقات تاريخية لم تنقطع

* مرت العلاقات السعودية - القطرية بفترة توتر ادت الى استدعاء السفير السعودي الى الرياض. متى سنرى عودة هذه العلاقات إلى مستواها المعتاد؟

المملكة وقطر دولتان شقيقتان جارتان، والعلاقات بينهما تاريخية وتحكمها أواصر القربى والمصير المشترك، شأنها في ذلك شأن العلاقات مع باقي دول مجلس التعاون. ولذا فإن ما يربطنا بالشقيقة دولة قطر ليس وليد اليوم، ولانتاج ظروف طارئة، وإنما هو تعبير حقيقي صادق يعكس عمق العلاقات بين البلدين والشعبين الشقيقين على مدى عقود طويلة، وقد أسهمت حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وأخيه سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر في تعزيز التعاون بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات والعمل على إزالة كل ما قد يشوب العلاقات بينهما، وذلك خلال اتفاقهما في العاشر من شهر رمضان الماضي الموافق 2007/9/22م وحضور الملك عبدالله بن عبدالعزيز قمة الدوحة الأخيرة وحضور الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى الرياض هو دليل على متانة العلاقات بين البلدين، وعندما أكون شخصياً في الدوحة، فأنا أشعر بأنني بين أهلي وإخواني، فالقواسم المشتركة بين بلدينا وشعبينا هي أقوى من أي مؤثرات خارجية. وعلاقتنا لم تنقطع مطلقاً. أما بخصوص السفير السعودي لدى دولة قطر فقد تم اختيار السفير، وقد وصل إلى الدوحة وباشر عمله فيها.



النهج التنموي

* تشهد المملكة حراكًا ثقافيا وسياسيا واجتماعيا نشطا.. كيف تنظرون سموكم الى ما سينتج عن ذلك من تغيرات وما تؤدي اليه من اوضاع ؟

ان مسيرة التحديث والتطوير في المملكة لم تتوقف منذ تأسيسها على يد الملك المؤسس عبدالعزيز (رحمه الله) ولقد شملت هذه المسيرة جميع المجالات، سواء في الاقتصاد والتنظيم والإدارة والتنمية البشرية والتعليم، بالإضافة إلى تحديث مختلف أنظمة الدولة ورفع كفاءة الأجهزة الحكومية، كما أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أولى اهتماماً كبيراً بترسيخ مبدأ الحوار الوطني وحقوق الإنسان، وإننا في المملكة ندرك الحاجة لمواكبة التطورات في العالم والانفتاح على الجديد النافع بما لايتعارض مع الشرع المطهر، وبالتالي فلا حدود للتطوير مادام يتفق مع الشرع الحنيف، وما نشهده اليوم في المملكة هو عملية تطوير مستمرة واستجابة لما تسير عليه سياسة خادم الحرمين الشريفين في التطوير في مختلف المجالات التي تهدف إلى الاستمرار في رفع المستوى المعيشي للمواطنين وإيجاد المزيد من فرص العمل وفتح المزيد من الجامعات والمؤسسات التعليمية والثقافية، وتوفير كافة القطاعات الخدمية وتنويع قطاعات الإنتاج وتشجيع فرص الاستثمار. وكل ذلك سيعود بحول الله على شعب المملكة بمزيد من النماء والرخاء. كما لا يفوتني أن أنوه بأن الازدهار الاقتصادي في المملكة له انعكاسات إيجابية كبيرة على اقتصاديات دول مجلس التعاون بشكل عام، وإننا إذ نشعر بأن بلادنا تسارع اليوم أكثر من أي وقت مضى في النشاط الإنساني والانفتاح الاقتصادي بكافة أنواعه لما تملكه من قدرات بشرية، وإمكانات مادية هي نتاج لبرامج التنمية الوطنية التي بدأت منذ عقود. لعلى ثقة بأننا سنستمر في هذا النهج التنموي الشمولي المتوازن الذي يهدف إلى إعداد أجيال متسلحة بسلاح العلم والمعرفة وقادرة على المنافسة في عصر لا مكان فيه للضعيف.

محاربة الارهاب

* تعرضت المملكة قبل عدة سنوات لموجات ارهابية وبفضل الله ثم القيادة الحكيمة استطاعت إحباط هذه الهجمات وتحقيق ضربات استباقية للقضاء على محاولات الارهابيين الخارجين على القانون.. في حين أن دولاً كبرى فشلت في تحقيق ذلك. . ما تعليق سموكم؟

على المستوى الدولي بادرت المملكة بالسعي الى محاربة هذه الآفة الدولية بعقد المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب في الرياض عام 1426هـ بمشاركة أكثر من ستين دولة ومنظمة إقليمية ودولية، وخرج المؤتمر بالعديد من التوصيات العملية بما في ذلك تبنيه مقترح الملك عبدالله بن عبدالعزيز بإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب تحت إشراف الأمم المتحدة، وعلى المستوى الداخلي فقد كانت الجهات الأمنية سباقة إلى القيام بواجبها الوطني بتتبع خيوط هذه الفئة المنحرفة وملاحقتها، وبفضل الله ثم بفضل الدعم المستمر من خادم الحرمين الشريفين والجهود الكبيرة لأخي سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية والمتابعة الفعالة لرجال الأمن البواسل، فقد تمكنت المملكة من إنجاز العديد من العمليات الأمنية الاستباقية لخلايا الإرهاب، وقد أثمرت هذه الجهود بفضل الله في استتباب أمن وأمان وطمأنينة المواطنين والمقيمين وهذه الإنجازات لم تكن لتتحقق دون توفيق الله ثم تعاون المواطنين، حيث يعدون هم السياج الأول في أمن وسلامة هذه البلاد.

* الغاز القطري وصل الى امريكا واوربا الا انه لم يصل الى الدول الخليجية بسبب عوائق سياسية اكثر منها اقتصادية .. هل يمكن ان نرى واقعا جديدا للتعاون الخليجي في مجال الطاقة النظيفة؟

إن وصول الثروات الطبيعية لدولنا سواء كانت بترولا أو غازا، إلى الأسواق العالمية في مختلف أرجاء المعمورة هو أمر مطلوب، ولكل دولة من دول مجلس التعاون المصدرة للبترول أو الغاز دراساتها وخططها الاقتصادية الهادفة إلى تحديد الأسواق المجدية لصادراتها في الدول المستهلكة، سواء كانت في الغرب أو في الشرق، وبالنسبة للتجارة البينية والصادرات بين دول مجلس التعاون فإنها تخضع كذلك للدراسات الاقتصادية والفنية التي توليها اللجان المتخصصة داخل مجلس التعاون الكثير من الاهتمام، والمملكة العربية السعودية تبارك وتشجع التعاون التجاري والاقتصادي بين دول مجلس التعاون، وتبادل المصالح المشتركة في ما يعود بالنفع والخير على بلداننا، ويدعم التعاون المشترك بين شعوبها، وبما يحفظ حقوق ومصالح دولها.

*تشهد المنطقة توترات على خلفية الملف النووي الإيراني، وفي ظل تصاعد المواجهة الأمريكية الإيرانية.وكيف يرى سموكم انعكاس هذه التوترات على دول مجلس التعاون؟

شهدت منطقة الشرق الأوسط سنوات طويلة من الحروب والنزاعات التي لم تقتصر آثارها التدميرية على المنطقة، وإنما امتدت لتلقي بظلالها على مناطق أخرى من العالم. وعلى الرغم مما شهدته منطقة الخليج العربي من حروب خلال العقود الثلاثة الماضية، فإن مجلس التعاون أثبت تماسكه وقوته في ظل هذه الظروف غير المستقرة، و كانت مواقف دول المجلس واضحة في ضرورة العمل على نزع فتيل الأزمات وبذل كافة الجهود للمحافظة على السلم والأمن في هذه المنطقة البالغة الأهمية للعالم، كما أن موقف دول المجلس واضح كذلك فيما يتعلق بضرورة خلو منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل ووجوب الالتزام الكامل والدقيق بالقرارات الدولية والضوابط التي وضعتها الاتفاقيات الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية، وقد وضع المجتمع الدولي ممثلاً في الوكالة الدولية للطاقة الذرية معايير واضحة تفرق بين السعي للحصول على التقنية المطلوبة للاستخدامات السلمية، واقتناء الطاقة النووية لأهداف أخرى. وقد عبر مجلس التعاون عن أمله في أن تحل الأزمة النووية الإيرانية بالطرق السلمية.



الطاقة النووية

* كشفت دول مجلس التعاون عن رغبتها في امتلاك الطاقة النووية السلمية هل يرى سموكم انها قادرة على ذلك في ظل الإخفاق الذي لازم عدداً من المشاريع الخليجية المشتركة؟

ان قرار قادة دول المجلس في امتلاك التقنية النووية السلمية طبقاً للمعايير والأنظمة الدولية هو حق مشروع لدول المجلس من أجل توظيف هذه الطاقة في دعم مسيرة التقدم، والنهضة، والنماء في دولنا، حاضراً، ومستقبلاً، والاستفادة منها في مشاريعنا التنموية، وفي استخداماتنا المدنية، ودول مجلس التعاون لا تسعى من خلال امتلاك هذه التقنية للهيمنة والتهديد، بل لخدمة التنمية، لذلك فقد طلبت الأمانة العامة لمجلس التعاون من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إعداد دراسة جدوى أولية لاستخدامات الطاقة النووية وفق المعايير الدولية، وهذا يعكس حرص دول المجلس على الاستفادة من الطاقة النووية في الأغراض السلمية كإنتاج الكهرباء وتحلية المياه.

* الملف اللبناني ما يزال مفتوحا و الصراع السياسي مايزال دائرا.كيف يرى سموكم حل هذا الملف؟

وقفت المملكة ولا تزال مع لبنان منذ استقلاله في كل الظروف وقفة أخوة ومحبة وصداقة، فكانت مؤازرة المملكة له خلال فترة الحرب الأهلية واضحة وتوجت جهودها في وقف نزيف الدم آنذاك في نتائج اجتماع الطائف، الذي يشكل مرجعية مهمة لكل اللبنانيين وكانت هي المخرج من الأزمة والحرب الطاحنة التي قضت على الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي والتعايش الاجتماعي بين كافة الأطراف اللبنانية، ومن هنا فنحن في المملكة نعمل على دعم وتأييد التصالح والاتفاق بين الأطراف اللبنانية من أجل تفادي العودة إلى أجواء الحرب الأهلية مرة أخرى، ونقف من جميع الأطراف على مسافة واحدة، ولا نتدخل في الشأن الداخلي، وإنما نقوم بما يمليه علينا واجبنا تجاه الأشقاء هناك بمتابعة الجهود في سبيل تجاوز أزمة الرئاسة اللبنانية، وقد وضعت الجامعة العربية ثقلها ممثلة عن الدول العربية للإسهام في حل هذه الأزمة قبل انعقاد مؤتمر القمة العربي القادم، وندعو الاخوة اللبنانيين إلى تجاوز الأزمة والمحافظة على وحدة لبنان واستقراره وتماسكه وتغليب جانب الحوار والابتعاد عن كل ما من شأنه بث الفرقة والانقسام.



مرجعية للسلام

* في قمة بيروت تبنت الدول العربية مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز للسلام لكن الطرف الاخر “اسرائيل”رفضها فعليا . هل نتوقع مواقف عربية جديدة تواكب رد الفعل الإسرائيلي ؟

لقد اطلق خادم الحرمين الشريفين مبادرته التاريخية للسلام في الشرق الأوسط التي تبنتها قمة بيروت عام 2002م، حرصاً منه (حفظه الله) على أن يدفع بالمنطقة إلى آفاق جديدة من التعايش السلمي المبني على استعادة الحقوق العربية التاريخية، وإنهاء النزاع العربي - الإسرائيلي وتحقيق العدالة في المنطقة، وقد تميزت هذه المبادرة بشموليتها لكافة القضايا، وأصبحت هذه المبادرة هي العنوان الرئيس لكل الجهود التي تبذل في تحقيق السلام في المنطقة وقد خطت الدول العربية خطوة مهمة وتاريخية في بناء أجندتها السياسية وفق هذه المبادرة التي نقلت المطالب الفلسطينية والعربية من أصوات متعددة وجهود مبعثرة إلى صوت واحد، وموقف مشترك يعبر عن مواقف جميع الدول العربية. وعلى الرغم من المماطلة الإسرائيلية في تقديم استحقاقات السلام في المنطقة وفق هذه المبادرة، فإننا على قناعة بأن المبادرة العربية ستظل هي المرجعية السياسية التي تبدأ منها، وتنتهي عندها أي مفاوضات بين الأطراف العربية والإسرائيلية.

*دعا رئيس الوزراء العراقي قبل فترة طويلة الدول العربية لإعادة سفرائها إلى بلاده.. فهل نتوقع عودة السفير السعودي إلى بغداد قريباً؟.

- نحن في المملكة ومعنا الأشقاء في دول مجلس التعاون من أكثر الدول حرصاً علـى استتباب الأمن في العراق، وعودة الحياة الطبيعية للمواطنين العراقيين، وقد أعلنت المملكة عن رغبتها في فتح سفارتها في بغداد، وأرسلت وفداً لتقييم إمكانية فتح السفارة والإعداد لذلك، وسيتم إن شاء الله افتتاح السفارة حال الانتهاء من استكمال الإجراءات التنظيمية الخاصة بذلك، وندعو الله أن يوفق كل الأطراف العراقية إلى أن يلتئم شملهم وتتوحد كلمتهم حتى يخرجوا من هذه الأزمة، ويستعيد العراق الشقيق مكانته اللائقة في المنطقة والمجتمع الدولي.



قمة دمشق

* الخلاف السعودي - السوري يتصاعد في وقت القمة العربية المزمع عقدها في دمشق، فهل يتوقع سموكم مشاركة سعودية على مستوى القيادة في هذه القمة.. وما تطلعات سموكم لنجاحها.. وما أبرز ملامح الملفات التي يتوقع بحثها في هذه القمة؟

- سوريا بلد عربي شقيق وغالٍ علينا، وتربطنا به أواصر الأخوة والدم والمصير، ونحن حريصون على لم الشمل ووحدة الصف وتقوية التضامن العربي، ومن هذا المنطلق فإننا نأمل أن تكون الظروف مهيأة لنجاح القمة العربية القادمة، وأن يتم الإعداد لها بشكل جيد، فهي قمة تأتي في ظروف حرجة بالنسبة للوضع في فلسطين ولبنان، ومن مصلحة الأمة العربية أن تحقق هذه القمة النجاح المطلوب منها، وأود أن أؤكد أن سياسة المملكة هي سياسة الإخاء والتسامي وبذل كافة الجهود لاحتواء أي اختلاف وعدم الانجرار وراء أية سياسة قد تؤدي إلى إضعاف الصف العربي، وسياسة المملكة ثابتة ولم ولن تتغير بحول الله، وهي تؤمن بأن مصدر قوة الأمة العربية يكمن في الاحترام المتبادل بين جميع دولها دون استثناء، وبالالتزام بالشرعية العربية والدولية المتمثلة في احترام سيادة كل دولة من الدول العربية الأخرى وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.



التصعيد الاسرائيلي

*يتعرض الفلسطينيون لحصار إسرائيلي وحملات عسكرية مستمرة.. كيف ينظر سموكم إلى المخرج من هذه الأزمة، لا سيما في ظل ظروف الانقسام الداخلي الفلسطيني؟.

- إن استمرار إسرائيل في التصعيد العسكري واعتداءاتها على الشعب الفلسطيني الأعزل وقتل أبنائه ستؤدي إلى تفويت وتقويض أي فرصة للسلام، وما تقوم به إسرائيل حالياً من تدمير وحصار اقتصادي وممارسات قمع يومية واجتياحات عسكرية متكررة، هو خرق واضح للمبادئ والقيم والأعراف الدولية، وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وهذا ليس بمستغرب من إسرائيل، التي انتهجت الاعتداءات المتكررة على الشعب الفلسطيني الصامد منذ أكثر من ستين عاماً، لتعزيز بقائها دولة محتلة ومغتصبة للحقوق الفلسطينية والعربية، وقد أعطى الانقسام داخل الصف الفلسطيني للأسف الشديد الفرصة لإسرائيل وهيأ المناخ المناسب لها في أن تحقق بعضاً من أهدافها، التي تسعى من خلالها إلى تدمير كل الجهود السلمية في المنطقة ولتتملص من الوفاء باستحقاقات السلام مع الفلسطينيين، إن وحدة الصف الفلسطيني هي الخطوة الأولى والأساس في مسيرة استعادة الحقوق الفلسطينية المشروعة والانتقال إلى مرحلة جديدة لتغيير الواقع المؤلم الذي يعيشه هذا الشعب داخل الحصار الإسرائيلي، ولهذا فعلى الجميع أن يبدأوا بتجاوز خلافاتهم وتوحيد صفوفهم، كما أننا نطالب المجتمع الدولي - وعلى وجه الخصوص الدول الكبرى في مجلس الأمن - بتحمل المسؤولية والعمل على وقف هذه الاعتداءات الإسرائيلية، وعدم إعطاء إسرائيل أية ذريعة لمواصلة عدوانها.

* خلال الأيام القليلة المقبلة سينعقد مؤتمر القمة الإسلامية في داكار.. ماذا تتطلع إليه المملكة من نتائج في هذه القمة في ظل التحديات التي تشهدها الأوضاع الدولية الراهنة؟

- إن جدول هذه القمة حافل بالموضوعات المهمة، وعلى رأسها موضوعات الساعة من العدوان الإسرائيلي المستمر على الشعب الفلسطيني، والوضع في العراق وأفغانستان، والمناطق الساخنة الأخرى في العالم الإسلامي، كما أن القمة ستعمل على المصادقة على الميثاق الجديد لمنظمة المؤتمر الإسلامي وتعزيز التعاون وتنسيق العمل بين الدول الإسلامية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية والإعلامية، ولا شك أن الشعوب الإسلامية تتطلع إلى إنجازات مهمة على المدى القريب والبعيد على حد سواء.. إننا في المملكة نثق في أن الجهود المبذولة في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي ستحقق المزيد من التنسيق بين مواقف الدول الإسلامية ووحدة الصف الإسلامي.