عانت الجزيرة العربية قبل توحيد المملكة العربية السعودية على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله-، من التشتت في الوضع النقدي والاقتصادي، فكانت المنطقة تعيش في حالة من الفوضى السياسية، كونها عبارة عن أقاليم متناثرة ومتناحرة تنعدم في ما بينها الروابط واللحمة الواحدة، فكل إقليم يمثل كياناً مستقلاً في جميع شؤونه، وقد انعكس ذلك بشكل كبير على الأوضاع الاقتصادية التي كانت تعاني انهياراً في معظم مقوماتها، ما أدى إلى تحويل معظم مجتمعاتها إلى قبائل رحل.
دارة الملك عبدالعزيز نقلت الذاكرة إلى بداية تاريخ استخدام العملات في الحركة التجارية ومزاولة البيع والشراء وتبادل السلع، عادة «الطويلة» المسكوكة من النحاس أقدم عملة استخدمت على نطاق محلي في عهد الدولة السعودية الثانية، وقد عثر على إحداها في محافظة الهفوف وترجع لعام 757 ميلادية، فيما كثر استعمال عملة «ريال ماريا تريزا» ويحمل صورة الملكة تريزا وهي إمبراطورة النمسا، في كل أنحاء الجزيرة العربية وهي أكثر شعبية من غيرها كونها من الفضة الخالصة.
وعرفت الدارة بعملة «الروبية الهندية» التي كانت سائدة في سائر مناطق الخليج والأحساء وفي وسط نجد، وانتشرت هذه العملة بين التجار خاصة الذين يتعاملون مع بلدان الخليج العربية، و«الجنيه الإنجليزي الذهبي» وكان يستخدم في الأحساء بشكل كبير، متدرجة في استعراض التتابع التاريخي لوجود العملات، حيث تطور النقود والنظام النقدي في المملكة العربية السعودية، عندما اعتمدت التعاملات النقدية على خليط من العملات الأجنبية مثل «الريال الفرانسي» والريال الفضي العثماني وذلك قبل عام 1344هـ الموافق 1926م.
وبعد عام 1344هـ الموافق 1926م اعتمد سك القرش الأميري من معدني النحاس والنيكل، وصدر في عام 1346هـ الموافق 1928م أول نظام نقد سعودي واعتماد الريال العربي الفضي عملة رسمية للبلاد ووقف التعامل بالريال العثماني، ثم سك في عام 1354هـ الموافق 1935م ريال فضي جديد يحمل اسم المملكة العربية السعودية، وبعدها في عام 1372هـ الموافق 1952م أنشئت مؤسسة النقد العربي السعودي.
وعرجت الدارة على الوضع النقدي للبلاد قبل دخول الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- مدينة الرياض عام 1319هـ الموافق 1902م، حيث كانت تعيش حالة التشتت والفوضى وضياع اللحمة والترابط، إلى أن دخل الملك عبدالعزيز مدينة الرياض، ليحل الأمن وتبنى دولة مترامية الأطراف، وتوضع الأنظمة والقوانين التي تسير أمور الدولة سياسيًّا واقتصاديًّا عقب مسيرة التوحيد المظفرة لتصبح النقود أهم مظهر من مظاهر سيادة الدولة، ومن المقومات المهمة للحياة.
واستعرضت ما اشتهر من تلك النقود مثل «الريال المجيدي» نسبة إلى السلطان العثماني عبدالمجيد خان، و«البارات» وهي نقود من «الكوبر نيكل»، وتمثل في حقيقتها أجزاء للريال المجيدي، كذلك جرى تداول العديد من النقود الأخرى كالقروش المصرية ونقود بعض الدول المجاورة في الجزيرة العربية، ونقود دول شرق آسيا خصوصا نقود الهند الشرقية، أو ما يعرف حاليًّا بـ«إندونيسيا».
وعلى الرغم من تداول هذه النقود إلا أن ذلك يؤدي إلى عدم الاستقرار الاقتصادي، حيث حاجة السوق المحلية كانت تتطلب كميات أكبر من النقود، الأمر الذي دفع الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- إلى سك نقود تفي بحاجة السوق، فجرى سك كميات كبيرة من النقود النحاسية من فئة نصف القرش، وفئة ربع القرش، التي نقش على وجهها اسم الملك عبدالعزيز كاملًا «عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل السعود» على هيئة طغراء أو بالخط الطغرائي، وتاريخ سكها عام 1343هـ أما ظهر الفئتين فقد نقش عليها القيمة النقدية لكل منهما، ومكان سكها أم القرى.
وأفادت الدارة بأن هذا الإصدار النقدي بفئتيه «نصف قرش، وربع قرش» أول الإصدارات السعودية النقدية، بل إنه نقد قانوني جرى التعامل به وفقًا للأوامر الصادرة آنذاك وما نقش عليه من عبارات لا تختلف في مضمونها عن أي نقد آخر، مضيفة أنه نظرًا لحاجة السوق إلى كميات، إضافية من هذه النقود أمر الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في السنة نفسها بسك كمية أخرى جاءت على غرار طراز القطع السابقة مع بعض الاختلاف في طريقة نقش اسم الملك، حيث ورد على النحو التالي «عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل».
وبينت دارة الملك عبدالعزيز أنه مع بداية عام 1344هـ الموافق 1926م أمر الملك عبدالعزيز بسك كمية أخرى من فئة نصف القرش فقط، التي جرى سكها بشكل جميل جدًّا، خصوصًا ظهر هذه الفئة التي حملت العبارات السابقة المشتملة على مكان السك وتاريخه، وقيمة النقد، حيث وزعت على مساحة ظهر القطعة بتصميم فريد للغاية، في حين نقش على الوجه اسم الملك عبدالعزيز كاملًا بالخط الطغرائي دون إضافة أي لقب من ألقابه «عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل السعود»، ونقش أسفل الطغراء سنة «2» أي السنة الثانية من حكم الملك عبدالعزيز بعد توحيد الحجاز مع باقي مملكته، ولعل هذا الإصدار يؤيد ما نحن بصدده من أن هذه الإصدارات النحاسية هي أول النقود السعودية الرسمية.
وأكدت الدارة أن هذه النقود تعد من أهم وأندر النقود المضروبة في مكة المكرمة، لأنها حملت أحد أسماء مكة المكرمة وهو «أم القرى» وهو الاسم الذي لم يظهر على النقود بصفة عامة قبل هذا التاريخ، إلا أنه من الإصلاحات النقدية التي شرع بها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود بعد دخوله الحجاز وتوحيده مع باقي أجزاء الدولة، ما قام به في عام 1344هـ الموافق 1926م، حيث أصدر -رحمه الله- أمره بسك نقود جديدة من فئة القرش الواحد، وفئة نصف القرش وفئة ربع القرش، التي جرى سكها من معدن «الكوبر نيكل»، وقد حملت هذه النقود الجديدة اسم ولقب الملك عبدالعزيز آنذاك «عبدالعزيز آل سعود.. ملك الحجاز وسلطان نجد» نقش على وجه تلك الفئات على هيئة كتابة هامشية، في حين ورد على ظهر هذه الفئات كتابات اشتملت على قيمة القطعة النقدية بالأحرف والأرقام، وسنة السك، دون أن ينقش عليها اسم مكان سكها.
وانتقلت الدارة إلى ما شهده عام 1346هـ من التطورات النقدية، حيث قام الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- بإلغاء التعامل بجميع النقود المتداولة كالعثمانية والهاشمية وغيرها، حيث أمر بطرح النقود الجديدة التي حملت لقبه السابق، ويظهر هذا اللقب على النقود التي جرى سكها من معدن «الكوبر نيكل» من فئة القرش، ونصف القرش، وربع القرش التي جاء تصميمها مطابقًا لتصميم القرش وفئاته المضروب عام 1344هـ، باستثناء سنة السك 1346هـ التي نقشت أسفل ظهر القطعة النقدية.
وذهبت دارة الملك عبدالعزيز إلى قيام الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- في ذات العام بخطوة تعد من أهم المراحل التي مرت بها عملية الإصلاح النقدي إبان تلك المدة، بطرح أول ريال عربي سعودي خالص، الذي جرى سكه من معدن الفضة على غرار الريال المجيدي، حيث يعد النقد الفضي الرئيس المتداول آنذاك، وكأنه -رحمه الله- أراد بهذا العمل تقبل الرعية لهذا النقد الجديد إذ جرى سكه بشكل مطابق لوزن وقطر الريال المجيدي، كذلك نسبته من معدن الفضة، أما بالنسبة لتصميم هذا الريال وأجزائه من فئة نصف الريال، وفئة ربع الريال، فقد جرى سكه بشكل مميز وفريد للغاية، اشتمل على عبارات وأرقام، نقشت على هيئة كتابات مركزية وأخرى هامشية، فقد ورد على مركز الوجه داخل دائرة اسم الملك كاملًا «عبدالعزيز بن عبدالرحمن السعود» في حين تضمن الهامش لقبه «ملك الحجاز ونجد وملحقاتها» وشعار الدولة سيفان متقاطعان داخل شكل شبه مستطيل نقش بجانبه نخلتان، أما الظهر فقد نقش في مركزه مكان السك وتاريخه «ضرب في مكة المكرمة 1346هـ» بينما اشتمل الهامش على القيمة بالأحرف والأرقام.
وذكرت الدارة أن أول تنظيم للوضع النقدي في البلاد، كان بصدور أمر الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- ونشر في الجريدة الرسمية «أم القرى» بعدد 160 وتاريخ 1326/7/13هـ الموافق 1928/1/9م، حيث تضمن العديد من المواد التي رسمت السياسة النقدية للدولة، وبصدور هذا النظام النقدي الجديد أصبح لزامًا على الجميع التعامل بالريال السعودي، ونبذ ما سواه من النقود الأخرى، الأمر الذي تطلب إعادة سكه مرة أخرى سنة 1348هـ الموافق 1930م بجميع فئاته ووفق مواصفاته السابقة عدا سنة سكه 1348هـ، حيث طرح للتداول وفق معيار صرفه من القروش الحجازية النجدية، التي أعيد سكها هي الأخرى خلال تلك السنة بجميع فئاتها، وطبقًا لمواصفاتها السابقة عدا تاريخ سكها 1348هـ.
وتحدثت الدارة حول طرح أول نقد سعودي حمل الاسم الجديد للدولة بعد توحيدها، وكان ذلك على الريال الفضي الجديد وأجزائه من فئة نصف الريال، وفئة ربع الريال، وذلك بعد أن تمكن الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله-، من توحيد أجزاء البلاد المتناثرة وتحويل البلاد من مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى المملكة العربية السعودية، وتقرر استخدام لقب «ملك المملكة العربية السعودية» بدلاً من لقب «ملك الحجاز ونجد وملحقاتها»، ونظرًا لعدم وجود سلطة نقدية مركزية، تحكم وتنظم إصدارات الدولة من النقود التي كانت تسك خارج البلاد، وترد على دفعات، أو بشكل غير منتظم، فقد أدّى إلى تدني قيمة صرف الريال الفضي السعودي، كذلك أدى إلى حدوث فارق كبير لا يتمشى مع قيمة الريال كمعدن في السوق العالمية، الأمر الذي دفع بالعديد من الصيارفة إلى القيام بتهريبه خارج البلاد وبكميات كبيرة خصوصا إلى أسواق الهند التي شكلت منطقة جذب لهم، وهنا رأى الملك عبدالعزيز أن البلاد بحاجة ماسة إلى وجود جهاز مصرفي يتولى إدارة دخل الحكومة الذي يشهد تناميًا مطردًا، بفضل الدخل المتزايد من الصادرات النفطية، كما يتولى تنظيم الأوضاع النقدية التي تعاني اضطرابًا كبيرًا، بسبب التقلبات الحادة لأسعار معدني الذهب والفضة، اللذين يشكلان العمود الفقري لعملة الدولة.
ورصدت الدارة حرص الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- على إنشاء مصرف وطني يتولى إصدار النقود السعودية وكانت مؤسسة النقد العربي السعودي التي تعد ثاني أقدم بنك مركزي في العالم العربي، وباشرت عملها في 1372/1/14هـ الموافق 1952/10/4م، ومقرها الرئيسي جدة، وكان من المهمات الأولى لها طرح الجنيه الذهبي السعودي واستكمال سك الريالات الفضية، حيث قامت بسك الريال الفضي الموسوم باسم الملك عبدالعزيز عام 1373هـ الموافق 1953م، وبذلك أصبحت عملة البلاد تصدر عن مؤسسة وطنية سعودية قادت منذ بداية تأسيسها وحتى اليوم المحافظة على قيمة الريال السعودي بين عملات دول العالم، ثم جرى إصدار ما عرف آنذاك بإيصالات الحجاج التي طرحت للتداول بداية من 1372/11/14هـ الموافق 1953/7/25م من فئة 10 ريالات، للتسهيل على الحجاج لصعوبة حملهم للعملات المعدنية، التي طبع منها خمسة ملايين إيصال، كطبعة أولى، وكتب على هذا الإيصال عبارات متعددة باللغات العربية والفارسية والإنجليزية والأردية والتركية والمالاوية، ما يحفظ لحاملها قيمة هذا الإيصال من الريالات الفضية السعودية.
وأبانت الدارة أن المركز الرئيسي للمؤسسة نقل من جدة إلى الرياض في أواخر عام 1398هـ، وكان الإصدار الأول للعملات النقدية الورقية الرسمية بموجب نظام النقد الصادر في المرسوم الملكي في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله-، ثم طرح الإصدار الثاني من النقود الورقية في التداول بتاريخ 1387هـ الموافق 1968م، في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله-، فالإصدار الثالث عام 1396هـ الموافق 1976م في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله-، ثم الإصدار الرابع عام 1404هـ الموافق 1984م في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله-، وعقب ذلك طرح الإصدار الخامس في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- عام 1428هـ الموافق 2008م.
وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، أطلقت مؤسسة النقد العربي السعودي، الإصدار السادس من العملة الورقية والمعدنية «ثقة وأمان»، ويتضمن الإصدار من العملات الورقية العديد من المعالم والصور التي تعكس الثوابت الدينية والتاريخية والتطورات الاقتصادية التي تحققت في المملكة، حيث تتصدر صورة مؤسس هذا الكيان العظيم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- وجه أعلى فئات الإصدار الورقي وهي فئة 500 ريال، وكذلك على وجه أعلى فئات الإصدار المعدني وهي فئة الريالين، كما تضمن الإصدار صورة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود على وجه باقي فئات الإصدار الورقي، إضافةً إلى فئة الريال المعدني.
وتضمنت فئات الإصدار السادس من العملة الورقية عدة معالم وصور قيمة، روعي في تصميمه الجوانب الجمالية وذلك من خلال إضافةِ ألوان متناسقة وجذابة، وزخارف هندسية فريدة مستوحاة من التراث المعماري الإسلامي، أما من ناحية المواصفات الفنية ومستوى الأمان في الأوراق النقدية لهذا الإصدار، فقد حرصت مؤسسة النقد العربي السعودي على إنتاج ورق طباعة بمواصفات فنية عالية تواكب أحدث المستجدات في هذا المجال، وتساعد على إطالة عمرها الافتراضي.
ومن أبرز العلامات الأمنية التي تضمنها الإصدار الورقي، الشريط الأمني ثلاثي الأبعاد الذي يعد من أحدث العلامات الأمنية العالمية المستخدمة حالياً في عملات العديد من دول العالم، ويوفر لمستخدمي العملة الورقية علامة أمنية تُسهل على حائزها التأكد من سلامتها بنظرة سريعة، كما تم تعزيز الشريط الأمني ثلاثي الأبعاد كعلامة رئيسة داعمة بعلامتين أمنيتين، هما الشريط الفضي، وطبقة الأحبار الخاصة، التي تُظهر أشكال وزخارف ثلاثية الأبعاد تتحرك حسب زاوية إمالة الورقة النقدية، كما ضُمِّنَ الإصدارُ السادس بالعلامة المائية التقليدية، والعلامات المائية المطورة، وكذلك بالأحبار الفسفورية المرئية وغير المرئية. وقد أضيفت السمات الأمنية المقروءة آلياً، التي تساعد المختصين على الفحص الآلي للتأكد من سلامة الورقة، كما أضيفت على أطراف الأوراق النقدية طباعة بارزة تساعد المكفوفين على التعرف على فئات الإصدار.
وأولت مؤسسة النقد العربي السعودي في الإصدار السادس للعملة المعدنية اهتماماً وعناية خاصة، حيث أجرت دراسات متعمقة ومستفيضة لتداولها وآلية الحفاظ على جودتها وضمان توفرها لجميع شرائح المجتمع من أفراد وقطاع تجزئة ومصارف بالفئات المطلوبة في جميع أنحاء المملكة، وتتكون من فئات الريالين المعدنية، الريال الواحد، الـ50 هللة، الـ25 هللة، الـ10 هللات، فئة الـ5 هللات، الهللة الواحدة.
وشهدت صناعة العملة المعدنية خلال العقود الماضية تطورات عديدة تتيح إعادة تصميم فئات العملة المعدنية بألوان وأشكال أكثر جاذبية، وبأحجام أصغر وأوزان أخف تساعد على حملها وتداولها، بما يُظهر قيمة العملة وتدعو للثقة فيها واحترامها، وبما يتناسب مع مكانة الاقتصاد السعودي.
دارة الملك عبدالعزيز نقلت الذاكرة إلى بداية تاريخ استخدام العملات في الحركة التجارية ومزاولة البيع والشراء وتبادل السلع، عادة «الطويلة» المسكوكة من النحاس أقدم عملة استخدمت على نطاق محلي في عهد الدولة السعودية الثانية، وقد عثر على إحداها في محافظة الهفوف وترجع لعام 757 ميلادية، فيما كثر استعمال عملة «ريال ماريا تريزا» ويحمل صورة الملكة تريزا وهي إمبراطورة النمسا، في كل أنحاء الجزيرة العربية وهي أكثر شعبية من غيرها كونها من الفضة الخالصة.
وعرفت الدارة بعملة «الروبية الهندية» التي كانت سائدة في سائر مناطق الخليج والأحساء وفي وسط نجد، وانتشرت هذه العملة بين التجار خاصة الذين يتعاملون مع بلدان الخليج العربية، و«الجنيه الإنجليزي الذهبي» وكان يستخدم في الأحساء بشكل كبير، متدرجة في استعراض التتابع التاريخي لوجود العملات، حيث تطور النقود والنظام النقدي في المملكة العربية السعودية، عندما اعتمدت التعاملات النقدية على خليط من العملات الأجنبية مثل «الريال الفرانسي» والريال الفضي العثماني وذلك قبل عام 1344هـ الموافق 1926م.
وبعد عام 1344هـ الموافق 1926م اعتمد سك القرش الأميري من معدني النحاس والنيكل، وصدر في عام 1346هـ الموافق 1928م أول نظام نقد سعودي واعتماد الريال العربي الفضي عملة رسمية للبلاد ووقف التعامل بالريال العثماني، ثم سك في عام 1354هـ الموافق 1935م ريال فضي جديد يحمل اسم المملكة العربية السعودية، وبعدها في عام 1372هـ الموافق 1952م أنشئت مؤسسة النقد العربي السعودي.
وعرجت الدارة على الوضع النقدي للبلاد قبل دخول الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- مدينة الرياض عام 1319هـ الموافق 1902م، حيث كانت تعيش حالة التشتت والفوضى وضياع اللحمة والترابط، إلى أن دخل الملك عبدالعزيز مدينة الرياض، ليحل الأمن وتبنى دولة مترامية الأطراف، وتوضع الأنظمة والقوانين التي تسير أمور الدولة سياسيًّا واقتصاديًّا عقب مسيرة التوحيد المظفرة لتصبح النقود أهم مظهر من مظاهر سيادة الدولة، ومن المقومات المهمة للحياة.
واستعرضت ما اشتهر من تلك النقود مثل «الريال المجيدي» نسبة إلى السلطان العثماني عبدالمجيد خان، و«البارات» وهي نقود من «الكوبر نيكل»، وتمثل في حقيقتها أجزاء للريال المجيدي، كذلك جرى تداول العديد من النقود الأخرى كالقروش المصرية ونقود بعض الدول المجاورة في الجزيرة العربية، ونقود دول شرق آسيا خصوصا نقود الهند الشرقية، أو ما يعرف حاليًّا بـ«إندونيسيا».
وعلى الرغم من تداول هذه النقود إلا أن ذلك يؤدي إلى عدم الاستقرار الاقتصادي، حيث حاجة السوق المحلية كانت تتطلب كميات أكبر من النقود، الأمر الذي دفع الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- إلى سك نقود تفي بحاجة السوق، فجرى سك كميات كبيرة من النقود النحاسية من فئة نصف القرش، وفئة ربع القرش، التي نقش على وجهها اسم الملك عبدالعزيز كاملًا «عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل السعود» على هيئة طغراء أو بالخط الطغرائي، وتاريخ سكها عام 1343هـ أما ظهر الفئتين فقد نقش عليها القيمة النقدية لكل منهما، ومكان سكها أم القرى.
وأفادت الدارة بأن هذا الإصدار النقدي بفئتيه «نصف قرش، وربع قرش» أول الإصدارات السعودية النقدية، بل إنه نقد قانوني جرى التعامل به وفقًا للأوامر الصادرة آنذاك وما نقش عليه من عبارات لا تختلف في مضمونها عن أي نقد آخر، مضيفة أنه نظرًا لحاجة السوق إلى كميات، إضافية من هذه النقود أمر الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في السنة نفسها بسك كمية أخرى جاءت على غرار طراز القطع السابقة مع بعض الاختلاف في طريقة نقش اسم الملك، حيث ورد على النحو التالي «عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل».
وبينت دارة الملك عبدالعزيز أنه مع بداية عام 1344هـ الموافق 1926م أمر الملك عبدالعزيز بسك كمية أخرى من فئة نصف القرش فقط، التي جرى سكها بشكل جميل جدًّا، خصوصًا ظهر هذه الفئة التي حملت العبارات السابقة المشتملة على مكان السك وتاريخه، وقيمة النقد، حيث وزعت على مساحة ظهر القطعة بتصميم فريد للغاية، في حين نقش على الوجه اسم الملك عبدالعزيز كاملًا بالخط الطغرائي دون إضافة أي لقب من ألقابه «عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل السعود»، ونقش أسفل الطغراء سنة «2» أي السنة الثانية من حكم الملك عبدالعزيز بعد توحيد الحجاز مع باقي مملكته، ولعل هذا الإصدار يؤيد ما نحن بصدده من أن هذه الإصدارات النحاسية هي أول النقود السعودية الرسمية.
وأكدت الدارة أن هذه النقود تعد من أهم وأندر النقود المضروبة في مكة المكرمة، لأنها حملت أحد أسماء مكة المكرمة وهو «أم القرى» وهو الاسم الذي لم يظهر على النقود بصفة عامة قبل هذا التاريخ، إلا أنه من الإصلاحات النقدية التي شرع بها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود بعد دخوله الحجاز وتوحيده مع باقي أجزاء الدولة، ما قام به في عام 1344هـ الموافق 1926م، حيث أصدر -رحمه الله- أمره بسك نقود جديدة من فئة القرش الواحد، وفئة نصف القرش وفئة ربع القرش، التي جرى سكها من معدن «الكوبر نيكل»، وقد حملت هذه النقود الجديدة اسم ولقب الملك عبدالعزيز آنذاك «عبدالعزيز آل سعود.. ملك الحجاز وسلطان نجد» نقش على وجه تلك الفئات على هيئة كتابة هامشية، في حين ورد على ظهر هذه الفئات كتابات اشتملت على قيمة القطعة النقدية بالأحرف والأرقام، وسنة السك، دون أن ينقش عليها اسم مكان سكها.
وانتقلت الدارة إلى ما شهده عام 1346هـ من التطورات النقدية، حيث قام الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- بإلغاء التعامل بجميع النقود المتداولة كالعثمانية والهاشمية وغيرها، حيث أمر بطرح النقود الجديدة التي حملت لقبه السابق، ويظهر هذا اللقب على النقود التي جرى سكها من معدن «الكوبر نيكل» من فئة القرش، ونصف القرش، وربع القرش التي جاء تصميمها مطابقًا لتصميم القرش وفئاته المضروب عام 1344هـ، باستثناء سنة السك 1346هـ التي نقشت أسفل ظهر القطعة النقدية.
وذهبت دارة الملك عبدالعزيز إلى قيام الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- في ذات العام بخطوة تعد من أهم المراحل التي مرت بها عملية الإصلاح النقدي إبان تلك المدة، بطرح أول ريال عربي سعودي خالص، الذي جرى سكه من معدن الفضة على غرار الريال المجيدي، حيث يعد النقد الفضي الرئيس المتداول آنذاك، وكأنه -رحمه الله- أراد بهذا العمل تقبل الرعية لهذا النقد الجديد إذ جرى سكه بشكل مطابق لوزن وقطر الريال المجيدي، كذلك نسبته من معدن الفضة، أما بالنسبة لتصميم هذا الريال وأجزائه من فئة نصف الريال، وفئة ربع الريال، فقد جرى سكه بشكل مميز وفريد للغاية، اشتمل على عبارات وأرقام، نقشت على هيئة كتابات مركزية وأخرى هامشية، فقد ورد على مركز الوجه داخل دائرة اسم الملك كاملًا «عبدالعزيز بن عبدالرحمن السعود» في حين تضمن الهامش لقبه «ملك الحجاز ونجد وملحقاتها» وشعار الدولة سيفان متقاطعان داخل شكل شبه مستطيل نقش بجانبه نخلتان، أما الظهر فقد نقش في مركزه مكان السك وتاريخه «ضرب في مكة المكرمة 1346هـ» بينما اشتمل الهامش على القيمة بالأحرف والأرقام.
وذكرت الدارة أن أول تنظيم للوضع النقدي في البلاد، كان بصدور أمر الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- ونشر في الجريدة الرسمية «أم القرى» بعدد 160 وتاريخ 1326/7/13هـ الموافق 1928/1/9م، حيث تضمن العديد من المواد التي رسمت السياسة النقدية للدولة، وبصدور هذا النظام النقدي الجديد أصبح لزامًا على الجميع التعامل بالريال السعودي، ونبذ ما سواه من النقود الأخرى، الأمر الذي تطلب إعادة سكه مرة أخرى سنة 1348هـ الموافق 1930م بجميع فئاته ووفق مواصفاته السابقة عدا سنة سكه 1348هـ، حيث طرح للتداول وفق معيار صرفه من القروش الحجازية النجدية، التي أعيد سكها هي الأخرى خلال تلك السنة بجميع فئاتها، وطبقًا لمواصفاتها السابقة عدا تاريخ سكها 1348هـ.
وتحدثت الدارة حول طرح أول نقد سعودي حمل الاسم الجديد للدولة بعد توحيدها، وكان ذلك على الريال الفضي الجديد وأجزائه من فئة نصف الريال، وفئة ربع الريال، وذلك بعد أن تمكن الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله-، من توحيد أجزاء البلاد المتناثرة وتحويل البلاد من مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى المملكة العربية السعودية، وتقرر استخدام لقب «ملك المملكة العربية السعودية» بدلاً من لقب «ملك الحجاز ونجد وملحقاتها»، ونظرًا لعدم وجود سلطة نقدية مركزية، تحكم وتنظم إصدارات الدولة من النقود التي كانت تسك خارج البلاد، وترد على دفعات، أو بشكل غير منتظم، فقد أدّى إلى تدني قيمة صرف الريال الفضي السعودي، كذلك أدى إلى حدوث فارق كبير لا يتمشى مع قيمة الريال كمعدن في السوق العالمية، الأمر الذي دفع بالعديد من الصيارفة إلى القيام بتهريبه خارج البلاد وبكميات كبيرة خصوصا إلى أسواق الهند التي شكلت منطقة جذب لهم، وهنا رأى الملك عبدالعزيز أن البلاد بحاجة ماسة إلى وجود جهاز مصرفي يتولى إدارة دخل الحكومة الذي يشهد تناميًا مطردًا، بفضل الدخل المتزايد من الصادرات النفطية، كما يتولى تنظيم الأوضاع النقدية التي تعاني اضطرابًا كبيرًا، بسبب التقلبات الحادة لأسعار معدني الذهب والفضة، اللذين يشكلان العمود الفقري لعملة الدولة.
ورصدت الدارة حرص الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- على إنشاء مصرف وطني يتولى إصدار النقود السعودية وكانت مؤسسة النقد العربي السعودي التي تعد ثاني أقدم بنك مركزي في العالم العربي، وباشرت عملها في 1372/1/14هـ الموافق 1952/10/4م، ومقرها الرئيسي جدة، وكان من المهمات الأولى لها طرح الجنيه الذهبي السعودي واستكمال سك الريالات الفضية، حيث قامت بسك الريال الفضي الموسوم باسم الملك عبدالعزيز عام 1373هـ الموافق 1953م، وبذلك أصبحت عملة البلاد تصدر عن مؤسسة وطنية سعودية قادت منذ بداية تأسيسها وحتى اليوم المحافظة على قيمة الريال السعودي بين عملات دول العالم، ثم جرى إصدار ما عرف آنذاك بإيصالات الحجاج التي طرحت للتداول بداية من 1372/11/14هـ الموافق 1953/7/25م من فئة 10 ريالات، للتسهيل على الحجاج لصعوبة حملهم للعملات المعدنية، التي طبع منها خمسة ملايين إيصال، كطبعة أولى، وكتب على هذا الإيصال عبارات متعددة باللغات العربية والفارسية والإنجليزية والأردية والتركية والمالاوية، ما يحفظ لحاملها قيمة هذا الإيصال من الريالات الفضية السعودية.
وأبانت الدارة أن المركز الرئيسي للمؤسسة نقل من جدة إلى الرياض في أواخر عام 1398هـ، وكان الإصدار الأول للعملات النقدية الورقية الرسمية بموجب نظام النقد الصادر في المرسوم الملكي في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله-، ثم طرح الإصدار الثاني من النقود الورقية في التداول بتاريخ 1387هـ الموافق 1968م، في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله-، فالإصدار الثالث عام 1396هـ الموافق 1976م في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله-، ثم الإصدار الرابع عام 1404هـ الموافق 1984م في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله-، وعقب ذلك طرح الإصدار الخامس في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- عام 1428هـ الموافق 2008م.
وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، أطلقت مؤسسة النقد العربي السعودي، الإصدار السادس من العملة الورقية والمعدنية «ثقة وأمان»، ويتضمن الإصدار من العملات الورقية العديد من المعالم والصور التي تعكس الثوابت الدينية والتاريخية والتطورات الاقتصادية التي تحققت في المملكة، حيث تتصدر صورة مؤسس هذا الكيان العظيم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- وجه أعلى فئات الإصدار الورقي وهي فئة 500 ريال، وكذلك على وجه أعلى فئات الإصدار المعدني وهي فئة الريالين، كما تضمن الإصدار صورة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود على وجه باقي فئات الإصدار الورقي، إضافةً إلى فئة الريال المعدني.
وتضمنت فئات الإصدار السادس من العملة الورقية عدة معالم وصور قيمة، روعي في تصميمه الجوانب الجمالية وذلك من خلال إضافةِ ألوان متناسقة وجذابة، وزخارف هندسية فريدة مستوحاة من التراث المعماري الإسلامي، أما من ناحية المواصفات الفنية ومستوى الأمان في الأوراق النقدية لهذا الإصدار، فقد حرصت مؤسسة النقد العربي السعودي على إنتاج ورق طباعة بمواصفات فنية عالية تواكب أحدث المستجدات في هذا المجال، وتساعد على إطالة عمرها الافتراضي.
ومن أبرز العلامات الأمنية التي تضمنها الإصدار الورقي، الشريط الأمني ثلاثي الأبعاد الذي يعد من أحدث العلامات الأمنية العالمية المستخدمة حالياً في عملات العديد من دول العالم، ويوفر لمستخدمي العملة الورقية علامة أمنية تُسهل على حائزها التأكد من سلامتها بنظرة سريعة، كما تم تعزيز الشريط الأمني ثلاثي الأبعاد كعلامة رئيسة داعمة بعلامتين أمنيتين، هما الشريط الفضي، وطبقة الأحبار الخاصة، التي تُظهر أشكال وزخارف ثلاثية الأبعاد تتحرك حسب زاوية إمالة الورقة النقدية، كما ضُمِّنَ الإصدارُ السادس بالعلامة المائية التقليدية، والعلامات المائية المطورة، وكذلك بالأحبار الفسفورية المرئية وغير المرئية. وقد أضيفت السمات الأمنية المقروءة آلياً، التي تساعد المختصين على الفحص الآلي للتأكد من سلامة الورقة، كما أضيفت على أطراف الأوراق النقدية طباعة بارزة تساعد المكفوفين على التعرف على فئات الإصدار.
وأولت مؤسسة النقد العربي السعودي في الإصدار السادس للعملة المعدنية اهتماماً وعناية خاصة، حيث أجرت دراسات متعمقة ومستفيضة لتداولها وآلية الحفاظ على جودتها وضمان توفرها لجميع شرائح المجتمع من أفراد وقطاع تجزئة ومصارف بالفئات المطلوبة في جميع أنحاء المملكة، وتتكون من فئات الريالين المعدنية، الريال الواحد، الـ50 هللة، الـ25 هللة، الـ10 هللات، فئة الـ5 هللات، الهللة الواحدة.
وشهدت صناعة العملة المعدنية خلال العقود الماضية تطورات عديدة تتيح إعادة تصميم فئات العملة المعدنية بألوان وأشكال أكثر جاذبية، وبأحجام أصغر وأوزان أخف تساعد على حملها وتداولها، بما يُظهر قيمة العملة وتدعو للثقة فيها واحترامها، وبما يتناسب مع مكانة الاقتصاد السعودي.