محزن بحق ما حدث في حمدانية جدة من طعن وقتل لنفس بريئة في الشارع نتيجة شجار مدفوع بالغضب والعصبية والتخلف، محزن لأن ذلك لم يكن ليحدث ويُفزع سكان هذه المدينة الجميلة المحتفلة بالحياة والعمل والسلام لولا انتشار ثقافة سوداء تتاجر بالدماء باسم القبلية رافعة شعار «ولدكم لا يقصّونه».. ثقافة ظلامية تعلي من شأن التسول الجماعي في المجالس وقاعات الاحتفالات لجمع الديّات، جاعلة من ذلك السلوك المناصر للقتلة والمجرمين بطولة تضاف لرصيد القبيلة أمام القبائل المنافسة على الصيت والشيلات.
قبل هذه الحادثة كثيرا ما حذر العقلاء من خطورة ظاهرة جمع الديات المليونية والتفاخر بها وتصوير الاحتفالات المتكررة بنجاحها لأن من شأنها بدون أدنى شك تهوين مسألة الجريمة والاعتداء على الآخرين، بل إنها في الواقع عملية تشجيع ممنهجة للمراهقين والحمقى على العنصرية وحمل السلاح والقتل بدم بارد.. لكن لا حياة لمن تنادي.
ما حدث في الحمدانية ينبغي أن يكون جرس إنذار كبيرا لنا جميعا كسعوديين، ونقطة تحول اجتماعي في التعامل مع ثقافة التفاخر بالجريمة حتى وإن تسترت بمظلة دينية باسم «السعي لعتق الرقاب»، فالدين بريء من تجمعات هدفها إطلاق القتلة في الشوارع وإنقاذهم من العقاب الذي يستحقونه، وكم أتمنى أن تبادر الجهات المختصة لتجريم مثل هذه التجمعات بالقانون وتجريم أيضا كل من يثبت أنه يدعو أو يروج لها، فبذلك نضع حدا لهذه الظاهرة المقيتة التي ليست سوى بوابة شر وفتنة على المجتمع والوطن.
الأهم من ذلك كله أن يعاد النظر في عقوبة سجن القاتل عمدا الذي تم التنازل عنه بعد دفعه مبلغا من المال لذوي المقتول، إذ ينبغي أن تكون عقوبة السجن في هذه الحالة عقوبة رادعة له ولغيره بغض النظر عن تنازل ذوي الدم كأن يُسجن 25 عاما على الأقل عن الحق العام، وهذا أمر مشروع للسلطات ومن المحبذ إقراره لما فيه من مصلحة للمجتمع.
أعرف أن طرحي هذا لن يعجب كثيرا ممن يعملون حالياً على جمع الأموال الطائلة لإطلاق سراح بعض القتلة من أقاربهم وأبناء قبائلهم، وربما يكون بعضهم من أفراد قبيلتي أو أقاربي، لكنني لا أبالي بذلك ولا أقيم له وزنا، فالحق أحق أن يتبع، ومصلحة المجتمع والوطن مقدمة لدى كل عاقل على مصالح المجرمين وذويهم، وليس من صالح أحد في هذا الوطن أن يتواصل انتشار مظاهر التخلف والعصبية، أو أن تتحول شوارعنا إلى حلبات مصارعة ومطاعنة بين المتخلفين المنتشين فخرا بتجمعات بعض أفراد قبائلهم لنصرة مجرميهم القابعين خلف القضبان.
أخيرا.. ليس لنا إلا أن نرسل تعازينا لأسرة الشاب الذي قُتل في مشاجرة الحمدانية، ونسأل الله أن يتجاوز عنه ويسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.
* كاتب سعودي
Hani_DH@
gm@mem-sa.com
قبل هذه الحادثة كثيرا ما حذر العقلاء من خطورة ظاهرة جمع الديات المليونية والتفاخر بها وتصوير الاحتفالات المتكررة بنجاحها لأن من شأنها بدون أدنى شك تهوين مسألة الجريمة والاعتداء على الآخرين، بل إنها في الواقع عملية تشجيع ممنهجة للمراهقين والحمقى على العنصرية وحمل السلاح والقتل بدم بارد.. لكن لا حياة لمن تنادي.
ما حدث في الحمدانية ينبغي أن يكون جرس إنذار كبيرا لنا جميعا كسعوديين، ونقطة تحول اجتماعي في التعامل مع ثقافة التفاخر بالجريمة حتى وإن تسترت بمظلة دينية باسم «السعي لعتق الرقاب»، فالدين بريء من تجمعات هدفها إطلاق القتلة في الشوارع وإنقاذهم من العقاب الذي يستحقونه، وكم أتمنى أن تبادر الجهات المختصة لتجريم مثل هذه التجمعات بالقانون وتجريم أيضا كل من يثبت أنه يدعو أو يروج لها، فبذلك نضع حدا لهذه الظاهرة المقيتة التي ليست سوى بوابة شر وفتنة على المجتمع والوطن.
الأهم من ذلك كله أن يعاد النظر في عقوبة سجن القاتل عمدا الذي تم التنازل عنه بعد دفعه مبلغا من المال لذوي المقتول، إذ ينبغي أن تكون عقوبة السجن في هذه الحالة عقوبة رادعة له ولغيره بغض النظر عن تنازل ذوي الدم كأن يُسجن 25 عاما على الأقل عن الحق العام، وهذا أمر مشروع للسلطات ومن المحبذ إقراره لما فيه من مصلحة للمجتمع.
أعرف أن طرحي هذا لن يعجب كثيرا ممن يعملون حالياً على جمع الأموال الطائلة لإطلاق سراح بعض القتلة من أقاربهم وأبناء قبائلهم، وربما يكون بعضهم من أفراد قبيلتي أو أقاربي، لكنني لا أبالي بذلك ولا أقيم له وزنا، فالحق أحق أن يتبع، ومصلحة المجتمع والوطن مقدمة لدى كل عاقل على مصالح المجرمين وذويهم، وليس من صالح أحد في هذا الوطن أن يتواصل انتشار مظاهر التخلف والعصبية، أو أن تتحول شوارعنا إلى حلبات مصارعة ومطاعنة بين المتخلفين المنتشين فخرا بتجمعات بعض أفراد قبائلهم لنصرة مجرميهم القابعين خلف القضبان.
أخيرا.. ليس لنا إلا أن نرسل تعازينا لأسرة الشاب الذي قُتل في مشاجرة الحمدانية، ونسأل الله أن يتجاوز عنه ويسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.
* كاتب سعودي
Hani_DH@
gm@mem-sa.com