قال العثیمین.. وأقول:
عندما قرأت مقالة للعزیز الدكتور یوسف العثیمین في هذه الجریدة «عكاظ» بتاریخ 14/5/1440هـ.. مقالة كان عنوانها یُنبئ عن اكتشاف جدید «الإعلام السعودي: نافذة جدیدة للتطویر».. تسابقت مع الزمن في القراءة.. یركض بصري على السطور وما بینها وما یمكن أن یكون خلفها.. ویستعد الذهن لاكتشاف الجدید.. قرأت المقالة مرة.. وأضفت مرة أخرى.. فالموضوع مهم جداً.. لا بل في غایة الأهمیة.. وكان ولا یزال إعلامنا حدیث الناس.. عدت بالذاكرة إلى سنوات مضت بعیدة.. أفكر متأملاً كم من المقالات لا حصر لها تسودت بها صفحات الصحف نقداً وجلداً وامتعاضاً.. وكم من البرامج الإذاعیة والتلفزیونیة صفعت المتلقین تهجو إعلامنا كلمة وصوتاً وصورة.. والغریب أو المستفز للسؤال والمثیر للعجب أن هذا النقد والجلد یكون عبر هذا المنقود والمصفوع.. ولم یكن هناك من تفسیر لهذه الظاهرة المحسوبة للإعلام ولیست علیه إلا لواحد أو أكثر من الأمور.. الأول الإیمان المطلق بحریة الرأي وأهمیة النقد للإصلاح وبالتالي یكون ترحیب وسائل إعلامنا بنقدها.. وأن أبوابها مشرعة للرأي الآخر حتى فیما یمس ذاتها.. وهذا أمر فیه أكثر من سؤال.. الثاني الاعتراف بأن موضوع إعادة البناء للإعلام أو تصحیح المسار أبعد وأكبر مما تستطیع فعله.. لیس فقط من الجانب المادي ولكن من جوانب كثیرة ومتعددة لیس أقلها اتخاذ القرار على الحركة.. الثالث هو إدراك هذه الوسائل لواقعها وما هي علیه وتود توسیع دائرة هذا الإدراك من خلال النقد لها إلى ما هو أبعد من محیطها ومساحة قرارها إلى دوائر أوسع وأكبر لتكون قضیة المرض الإعلامي قضیة وطنیة.. هذه «التفاسیر» قد تكون صحیحة ولكن بنسب تتفاوت ویختلف وزنها لا یدركه حق الإدراك إلا من عاش في ساحة إعلامنا وعایشه..
وعُدت بالذاكرة كرة أخرى إلى رسائل الدكتوراه والماجستیر التي نالها أصحابها عن دراستهم للإعلام السعودي بعد جهود علمیة مضنیة.. دراسات علمیة -في جامعات عریقة في الداخل والخارج- تناولت الواقع وانتهت إلى توصیات علمیة لما یجب أن یكون علیه هذا الإعلام لتحقیق غایات وجوده.. عشرات الدراسات والأطروحات العلمیة انتهت إلى رفوف الإهمال واسترخت في أحضان النسیان دون أن تجد من یولیها ولو قلیلا من الاهتمام.. ونَدم بعض أصحابها أشد الندم على سنوات أمضوها من أعمارهم على دراسات وأبحاث استغرقت جهودهم وأوقاتهم أملاً في أن تُسهم حصیلة دراساتهم في مسیرة إعلامهم.. وفي الختام أدركوا أن مقولة «العلم في الرأس ولیس في القرطاس» هي النظریة السائدة في ساحة الواقع.. وأن حصیلة «القراطیس» مكانها أرشیف النسیان ولا مكان لها في ساحة العمل..
وعُدت بالذاكرة مرة ثالثة بعد أن استفزها مقال العثیمین إلى «المجلس الأعلى للإعلام» وكنت أحد أعضائه وإلى لجانه ودراساته المتعددة وما انتهى إلیه من أنظمة وإستراتیجیات وسیاسات وأطر للنهوض بالإعلام السعودي وما انتهت إلیه تلك الجهود من ضیاع في مساریب البیروقراطیات ومتاهات مفاهیم العاملین في الساحة الإعلامیة من القمة إلى القاعدة.. وانتهى المجلس الأعلى للإعلام دون أن یرى نتائج أعماله حیة في ساحة الإعلام تسعى..
والسؤال الذي یبرز شامخاً كجبال «الهدا».. هل ما ینقص إعلامنا هو الدراسات أو الآراء أو المقترحات أو كلها مجتمعة؟ الإجابة قطعاً «لا».. فهذه كلها مجتمعة متوافرة على الأرفف و«الأراشیف» ومكاتب التنفیذیين.. أكوام تزاحم بعضها.. ولو خرج ما تحتویه إلى النور على أیدي إعلامیین كفاءة ومقدرة لأصبح إعلامنا متربعاً على قمة الإعلام العالمي مهنیة وعطاءً وإنجازاً.. یُثري القارئین.. ویُمتع المستمعین..ویسر الناظرین.. ویغیظ الأعداء والحاسدین.
إذن -باختصار- أین المشكلة؟!
ُ أدرك -كما یدرك معالي الدكتور یوسف صاحب «النافذة الجدیدة لتطویر إعلامنا»- كما جاء في مقالته المشار إلیها أن المشكلة تكمن في مكان آخر.. نعم مكان بعید عن «النظریة ومخرجاتها» وعن الدراسات والمقترحات ومضامینها.. إنها تكمن في المفهوم بماهیة الإعلام وماذا یجب أن یكون علیه.. أعرف أن البعض سیعتبر هذا سؤالاً ساذجاً.. ويدعي أن «الماهیة» معروفة في الساحة المباحة.. لكن الحقیقة غیر.. ثم من هو صانع الرسالة ًالإعلامیة - منشأ ومضمونا- وما هي السیاسات والأطر العلمیة التي تحكم المسار الإعلامي.. وما مدى توافر الكفاءات الإعلامیة الموهوبة والمتخصصة في وسائلنا الإعلامیة.. وما مدى ساحة الحركة العقلانیة في إعلامنا.. وما هو الواقع الوظیفي والمادي للإعلامي الكفؤ.. وذلك لكي لا تكون الساحة الإعلامیة لمن لا علاقة له بالمهنة الإعلامیة الصحیحة إلا بالصوت و«الخربشة».. أسئلة كثیرة لابد من إجابتها فعلاً على ساحة الواقع قبل أن نكتب نقداً لإعلامنا.. إعلامنا -وهذه حقیقة- قد لا تُعجب الكثیر ولكن حسبي الاجتهاد حرصاً على إعلام هذا الوطن المبارك هو بحاجة إلى إعادة بناء شامل وفق مفاهیم وأنظمة جدیدة تتوافق مع العصر ومتغیراته ومستجداته وما للمملكة من مكانة..
وأذكر أن معالي الدكتور سلیمان السلیم -رحمه الله- كتب مقالة في السبعینات من القرن المیلادي الماضي وكان حینها وزیراً للتجارة بعنوان «لكي تكون لنا صحافة تُقرأ».. نشرتها في صفحة كنت أحررها في جریدة الجزیرة آنذاك.. ولو قُدر لتلك المقالة أن تنشر كما هي مرة أخرى لقرئت على أنها مكتوبة للتو.. فلم یتغیر الكثیر من ذلك الوقت رغم كل ما كُتب وقیل إلا ما طرأ على الجانب التقني من تطور أما ما عداه فالأمر على «طمام المرحوم»..
وسامح الله الأخ الدكتور یوسف العثیمین فقد استفز ذكریات وضعتها أنا في أرشیف النسیان وعدت لبعضها هنا لعل وعسى..
*كاتب سعودي
عندما قرأت مقالة للعزیز الدكتور یوسف العثیمین في هذه الجریدة «عكاظ» بتاریخ 14/5/1440هـ.. مقالة كان عنوانها یُنبئ عن اكتشاف جدید «الإعلام السعودي: نافذة جدیدة للتطویر».. تسابقت مع الزمن في القراءة.. یركض بصري على السطور وما بینها وما یمكن أن یكون خلفها.. ویستعد الذهن لاكتشاف الجدید.. قرأت المقالة مرة.. وأضفت مرة أخرى.. فالموضوع مهم جداً.. لا بل في غایة الأهمیة.. وكان ولا یزال إعلامنا حدیث الناس.. عدت بالذاكرة إلى سنوات مضت بعیدة.. أفكر متأملاً كم من المقالات لا حصر لها تسودت بها صفحات الصحف نقداً وجلداً وامتعاضاً.. وكم من البرامج الإذاعیة والتلفزیونیة صفعت المتلقین تهجو إعلامنا كلمة وصوتاً وصورة.. والغریب أو المستفز للسؤال والمثیر للعجب أن هذا النقد والجلد یكون عبر هذا المنقود والمصفوع.. ولم یكن هناك من تفسیر لهذه الظاهرة المحسوبة للإعلام ولیست علیه إلا لواحد أو أكثر من الأمور.. الأول الإیمان المطلق بحریة الرأي وأهمیة النقد للإصلاح وبالتالي یكون ترحیب وسائل إعلامنا بنقدها.. وأن أبوابها مشرعة للرأي الآخر حتى فیما یمس ذاتها.. وهذا أمر فیه أكثر من سؤال.. الثاني الاعتراف بأن موضوع إعادة البناء للإعلام أو تصحیح المسار أبعد وأكبر مما تستطیع فعله.. لیس فقط من الجانب المادي ولكن من جوانب كثیرة ومتعددة لیس أقلها اتخاذ القرار على الحركة.. الثالث هو إدراك هذه الوسائل لواقعها وما هي علیه وتود توسیع دائرة هذا الإدراك من خلال النقد لها إلى ما هو أبعد من محیطها ومساحة قرارها إلى دوائر أوسع وأكبر لتكون قضیة المرض الإعلامي قضیة وطنیة.. هذه «التفاسیر» قد تكون صحیحة ولكن بنسب تتفاوت ویختلف وزنها لا یدركه حق الإدراك إلا من عاش في ساحة إعلامنا وعایشه..
وعُدت بالذاكرة كرة أخرى إلى رسائل الدكتوراه والماجستیر التي نالها أصحابها عن دراستهم للإعلام السعودي بعد جهود علمیة مضنیة.. دراسات علمیة -في جامعات عریقة في الداخل والخارج- تناولت الواقع وانتهت إلى توصیات علمیة لما یجب أن یكون علیه هذا الإعلام لتحقیق غایات وجوده.. عشرات الدراسات والأطروحات العلمیة انتهت إلى رفوف الإهمال واسترخت في أحضان النسیان دون أن تجد من یولیها ولو قلیلا من الاهتمام.. ونَدم بعض أصحابها أشد الندم على سنوات أمضوها من أعمارهم على دراسات وأبحاث استغرقت جهودهم وأوقاتهم أملاً في أن تُسهم حصیلة دراساتهم في مسیرة إعلامهم.. وفي الختام أدركوا أن مقولة «العلم في الرأس ولیس في القرطاس» هي النظریة السائدة في ساحة الواقع.. وأن حصیلة «القراطیس» مكانها أرشیف النسیان ولا مكان لها في ساحة العمل..
وعُدت بالذاكرة مرة ثالثة بعد أن استفزها مقال العثیمین إلى «المجلس الأعلى للإعلام» وكنت أحد أعضائه وإلى لجانه ودراساته المتعددة وما انتهى إلیه من أنظمة وإستراتیجیات وسیاسات وأطر للنهوض بالإعلام السعودي وما انتهت إلیه تلك الجهود من ضیاع في مساریب البیروقراطیات ومتاهات مفاهیم العاملین في الساحة الإعلامیة من القمة إلى القاعدة.. وانتهى المجلس الأعلى للإعلام دون أن یرى نتائج أعماله حیة في ساحة الإعلام تسعى..
والسؤال الذي یبرز شامخاً كجبال «الهدا».. هل ما ینقص إعلامنا هو الدراسات أو الآراء أو المقترحات أو كلها مجتمعة؟ الإجابة قطعاً «لا».. فهذه كلها مجتمعة متوافرة على الأرفف و«الأراشیف» ومكاتب التنفیذیين.. أكوام تزاحم بعضها.. ولو خرج ما تحتویه إلى النور على أیدي إعلامیین كفاءة ومقدرة لأصبح إعلامنا متربعاً على قمة الإعلام العالمي مهنیة وعطاءً وإنجازاً.. یُثري القارئین.. ویُمتع المستمعین..ویسر الناظرین.. ویغیظ الأعداء والحاسدین.
إذن -باختصار- أین المشكلة؟!
ُ أدرك -كما یدرك معالي الدكتور یوسف صاحب «النافذة الجدیدة لتطویر إعلامنا»- كما جاء في مقالته المشار إلیها أن المشكلة تكمن في مكان آخر.. نعم مكان بعید عن «النظریة ومخرجاتها» وعن الدراسات والمقترحات ومضامینها.. إنها تكمن في المفهوم بماهیة الإعلام وماذا یجب أن یكون علیه.. أعرف أن البعض سیعتبر هذا سؤالاً ساذجاً.. ويدعي أن «الماهیة» معروفة في الساحة المباحة.. لكن الحقیقة غیر.. ثم من هو صانع الرسالة ًالإعلامیة - منشأ ومضمونا- وما هي السیاسات والأطر العلمیة التي تحكم المسار الإعلامي.. وما مدى توافر الكفاءات الإعلامیة الموهوبة والمتخصصة في وسائلنا الإعلامیة.. وما مدى ساحة الحركة العقلانیة في إعلامنا.. وما هو الواقع الوظیفي والمادي للإعلامي الكفؤ.. وذلك لكي لا تكون الساحة الإعلامیة لمن لا علاقة له بالمهنة الإعلامیة الصحیحة إلا بالصوت و«الخربشة».. أسئلة كثیرة لابد من إجابتها فعلاً على ساحة الواقع قبل أن نكتب نقداً لإعلامنا.. إعلامنا -وهذه حقیقة- قد لا تُعجب الكثیر ولكن حسبي الاجتهاد حرصاً على إعلام هذا الوطن المبارك هو بحاجة إلى إعادة بناء شامل وفق مفاهیم وأنظمة جدیدة تتوافق مع العصر ومتغیراته ومستجداته وما للمملكة من مكانة..
وأذكر أن معالي الدكتور سلیمان السلیم -رحمه الله- كتب مقالة في السبعینات من القرن المیلادي الماضي وكان حینها وزیراً للتجارة بعنوان «لكي تكون لنا صحافة تُقرأ».. نشرتها في صفحة كنت أحررها في جریدة الجزیرة آنذاك.. ولو قُدر لتلك المقالة أن تنشر كما هي مرة أخرى لقرئت على أنها مكتوبة للتو.. فلم یتغیر الكثیر من ذلك الوقت رغم كل ما كُتب وقیل إلا ما طرأ على الجانب التقني من تطور أما ما عداه فالأمر على «طمام المرحوم»..
وسامح الله الأخ الدكتور یوسف العثیمین فقد استفز ذكریات وضعتها أنا في أرشیف النسیان وعدت لبعضها هنا لعل وعسى..
*كاتب سعودي