كان يوم الإثنين الماضي 28 يناير 2019 يوماً مشهوداً في تاريخ التنمية الاقتصادية السعودية حيث دشن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز بشكل عملي دخول المملكة الرسمي لعصر «الثورة الصناعية الثالثة» بإطلاق «برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية» الذي يعتبر أهم برامج رؤية 2030 الاثني عشر التي تم اعتمادها عبر المجلس الاقتصادي لتحقيق الرؤية التنموية السعودية والتي دخل بعضها حيز التنفيذ فعلاً بنسب ومستويات مختلفة.
وبحسب خبير الاقتصاد والطاقة الاقتصادي العالمي جيريمي ريفكين صاحب كتاب الثورة الصناعية الثالثة: كيف ستحول القوى الجانبية الطاقة، والاقتصاد، والعالم (سبتمبر 2011)، فإن «الثورات الاقتصادية الكبرى» تحدث عندما تقترن ظاهرتان: ثورة في أنظمة الطاقة، تنتج علاقات اقتصادية أكثر تعقيداً، فتتسبب في ثورات في الاتصالات تتسم بالمرونة الكافية لإدارة تلك الأنظمة.
ويلاحظ الخبير الذي يترأس هيئة الاتجاهات الاقتصادية في واشنطن، ومؤلف لـ 19 كتاباً متخصصاً، ومستشاراً للاتحاد الأوروبي ولعدد من رؤساء الدول، أن هذا (الاقتران بين التغير في أنظمة الطاقة وما تطلبه من تغير في الاتصالات) أدى لقدح زناد الثورة الصناعية الأولى في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في أوروبا وأمريكا. وتمثل التغير في الطاقة، باختراع محرك البخار، لتصبح تكنولوجيا الطباعة، على سبيل المثال، رخيصة للغاية عندما أدخلت الطاقة البخارية في الطباعة، ما أدى إلى خفض التكلفة وزيادة سرعة وكفاءة وتوافر المواد المطبوعة الذي تزامن مع إنشاء المدارس العامة في أوروبا وأمريكا. وكان لا بد من أنشاء قوة عاملة تعتمد على المواد المطبوعة ومزودة بمهارات الاتصال لتنظيم أول ثورة صناعية مدفوعة بـ(الفحم والطاقة البخارية).
ولمزيد من التأكيد لهذا الاقتران فقد حدثت «الثورة الصناعية الثانية» فيما بين عامي (1870- 1914) أي قبيل الحرب العالمية الأولى نتيجة لاقتران (الاتصالات بالطاقة) مرة أخرى. ليتم التمكن من تحقيق مركزية إنتاج الكهرباء، ويظهر الاتصال الهاتفي، وفيما بعد، يظهر الراديو والتلفزيون لتصبح هذه الوسائل عربة الاتصال التي تستخدم في إدارة ثورة صناعية أكثر انتشاراً تم تنظيمها حول (النفط ومحرك الاحتراق الداخلي). وكان أحد أهم انعكاسات هذا الاقتران التوسع في بناء الضواحي وظهور المجتمعات ذات الاستهلاك الكبير.
أما الثورة الصناعية الثالثة فيرى البعض ومنهم المشرفون على «برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية» السعودي أنها بدأت بالثورة الرقمية التي قادت تقدم التكنولوجيا من الأجهزة الإلكترونية والميكانيكية التناظرية إلى التكنولوجيا الرقمية المتاحة اليوم. ويرون أنها بدأت في الثمانينات وما زالت مستمرة، وأن أهم التطورات التي حدثت خلالها اختراع الكمبيوتر الشخصي والإنترنت وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ولذلك هم يبشرون بـ«ثورة صناعية رابعة ترتكز على الثورة الرقمية» التي تمثل طرقاً تكنولوجية جديدة تصبح تتميز بظهور الروبوتات، والذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا النانو، والحوسبة الكمومية، والتكنولوجيا الحيوية، وإنترنت الأشياء (IoT)، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والمركبات المستقلة.
ولكن رفكين يرى وأشاركه الرأي فيما يرى أننا «ما زلنا في عصر الثورة الصناعية الثانية» ولم ندخل في عصر «الثورة الصناعية الثالثة» وأن الاقتران بين الشكل الجديد للطاقة وعربة الاتصالات اللازمة لإدارتها لم يكتمل بعد وأن النظر لتطور إحدى الظاهرتين وإهمال الأخرى لا يفي بمتطلبات الثورة الصناعية الثالثة والسبب في مثل هذا الخلط يعود إلى أن مؤرخي الطاقة يتعاملون مع الطاقة فقط، ولا يتعامل مؤرخو الاتصالات إلا مع الاتصالات. وبحسب التجارب التاريخية، لا يمكن حدوث أي شيء دون اقتران بالآخر. فالإنترنت وسيلة اتصال منتشرة، وتعاونية، وتتحرك باتجاهات جانبية، وليست كالكهرباء المركزية التي تتحرك بشكل رأسي. ولذلك نحن في المراحل المبكرة من اقتران (تكنولوجيا الاتصالات عبر الإنترنت مع شكل جديد من أشكال الطاقة) التي تتميز بالانتشار وتتطلب بطبيعتها إدارة تعاونية. يتم قياسها أيضاً باتجاهاتها الجانبية لا الرأسية. فنحن ننتقل بشكل كبير إلى (مصادر الطاقة المتجددة) التي تنتشر بنسب مختلفة في كل شبر على الكرة الأرضية كالشمس، والرياح، والحرارة الأرضية، والنفايات الحيوية، والمخلفات الزراعية ومخلفات الغابات. والهيدروليك، وحركة المد والجزر والأمواج في المحيطات. وتتميز هذه الطاقات المتجددة عن الطاقات المستمدة من مصادر أحفورية كالفحم والنفط والغاز والنفط الصخري والرملي، والتي لا توجد إلا في أماكن قليلة وتتطلب استثمارات عسكرية وجيوسياسية كبيرة ورؤوس أموال ضخمة للتوسع ما يرفع من تكلفتها ويزيد في أسعارها. ولذلك فإن هذه الطاقات تتضاءل بمرور الزمن وتدخلنا في حقبة انتقالية طويلة نودع بانتهائها الثورة الصناعية الثانية باقتران (الطاقات المتجددة بوسائل الاتصال المناسبة لإدارتها وفي مقدمتها الإنرنت).
والتساؤل الذي يطرح الآن هو عن موقعنا كعرب من هذه التطورات التي تغير وجه التاريخ وأشكال الحياة على الأرض من حين لآخر؟ صحيح، فقد فاتت علينا الريادة كأمة عربية سواء في الثورات الصناعية لنصبح تابعين ومستهلكين، وذلك لأسباب متعددة بعضها خارج عن الإرادة كما في الثورة الأولى أو انعدام (الرؤية المستقبلية) كما في الثورة الثانية رغم أن تأثيرهما علينا كان كبيراً بل مدمراً في بعض الأحيان.
ولكن الإسهام بل وحتى الريادة في (الثورة الصناعية الثالثة) يبقى في المتناول طالما أن فترة الاقتران بين الطاقات المتجددة ووسائل الاتصال الجديدة ستطول لفترة تكفي لمواكبة التحول وطالما كانت الأوضاع السياسية والأمنية مستقرة والالتزام برؤية واضحة تترجم إلى برامج وخطط تنفيذية متجددة.
ورغم التمنيات والأماني الطيبة إلا أن فشل مؤتمرات القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية المتتالية وآخرها التي عقدت في العاصمة اللبنانية في يناير الحالي قد يقود للإحباط لولا الأمل في أن صلاح الجزء قد ينعكس إيجاباً على باقي الجسد، وهذا ما نرى ملامحه وتوافر اشتراطاته في رؤى بعض دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وفي مقدمتها السعودية والإمارات اللتان قطعتا شوطاً كبيراً بشكل فردي وتكاملي على طريق المساهمة الفعالة في «الثورة الصناعية الثالثة».
فعلى المستوى الوطني السعودي، تضمنت الوعود والمحفزات التي صادق عليها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في إطار برنامج التطوير، وعداً صريحاً واضحاً بإطلاق «برنامج شامل لتسريع تبني الثورة الصناعية الرابعة - بحسب تصنيف البرنامج لتسلسل الثورات - برأسمال قدره 5.3 مليار ريال». ووعد بإطلاق منصة إلكترونية موحدة «صناعي» لتسهيل الإجراءات الحكومية للمستثمرين الصناعيين، وإطلاق مركز المعلومات الصناعية لتوفير معلومات متكاملة.
ووجدنا ضمن الأهداف الـ (11) المباشرة للبرنامج أنه بالرغم من أن تطوير الصناعات المرتبطة بالنفط والغاز مازال هدفاً حيوياً بصفة المملكة من أكبر دول العالم إنتاجاً للنفط، ولتوافر ما لا يقل عن 22% من احتياطياته العالمية في مخازنها الجوفية، إلا أن زيادة مساهمة (مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة) و(رفع تنافسية قطاع الطاقة) هي أيضاً أهداف واضحة ومنصوص عليها بشكل يؤكد بأن الدخول في عصر (الثورة الصناعية الثالثة) بالتحول التدريجي لأشكالها الجديدة من الطاقة ووسائل الاتصال المناسبة لإدارتها والاقتران بها هو هدف أصيل في البرنامج تم التعبير العملي عنه أيضاً بعدد من مذكرات التفاهم والاتفاقات الموقعة يوم الإثنين الماضي، ومنها: مذكرة تفاهم لبناء شراكة إستراتيجية مع شركة آي بي إم العالمية، للتعاون في مجالات الذكاء الصناعي والحوسبة السحابية والأمن السيبراني، واتفاقية لتحفيز نشر البنية التحتية الرقمية في المدن الصناعية، واتفاقية لآلية تمويل «المصانع النموذجية للثورة الصناعية الرابعة». واتفاقية أكاديمية مع (جامعة ستانفورد) لتطوير الكوادر الوطنية، ومذكرة تفاهم مع مؤسسة التدريب التقني والمهني لتأهيل الكوادر الوطنية لسد احتياجات القطاع الصناعي.
وبهذا يتضح لنا بأن برنامج (تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية) ليس تقليدياً بمفاهيم الحقبة الحالية التي نعيشها، بل حديث وطموح ومتجدد يضع التطورات التنموية المستقبلية في بؤرة اهتمامه لتدور حولها اتفاقاته وتفاهماته للتأكد من الوصول للطليعة والتمسك بها حتى لا يفوتنا ركب التغيير الذي يلوح في الأفق لتكون بلادنا بإذن الله من أوائل الواصلين.
* اقتصادي وباحث إستراتيجي سعودي
alitawati@
وبحسب خبير الاقتصاد والطاقة الاقتصادي العالمي جيريمي ريفكين صاحب كتاب الثورة الصناعية الثالثة: كيف ستحول القوى الجانبية الطاقة، والاقتصاد، والعالم (سبتمبر 2011)، فإن «الثورات الاقتصادية الكبرى» تحدث عندما تقترن ظاهرتان: ثورة في أنظمة الطاقة، تنتج علاقات اقتصادية أكثر تعقيداً، فتتسبب في ثورات في الاتصالات تتسم بالمرونة الكافية لإدارة تلك الأنظمة.
ويلاحظ الخبير الذي يترأس هيئة الاتجاهات الاقتصادية في واشنطن، ومؤلف لـ 19 كتاباً متخصصاً، ومستشاراً للاتحاد الأوروبي ولعدد من رؤساء الدول، أن هذا (الاقتران بين التغير في أنظمة الطاقة وما تطلبه من تغير في الاتصالات) أدى لقدح زناد الثورة الصناعية الأولى في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في أوروبا وأمريكا. وتمثل التغير في الطاقة، باختراع محرك البخار، لتصبح تكنولوجيا الطباعة، على سبيل المثال، رخيصة للغاية عندما أدخلت الطاقة البخارية في الطباعة، ما أدى إلى خفض التكلفة وزيادة سرعة وكفاءة وتوافر المواد المطبوعة الذي تزامن مع إنشاء المدارس العامة في أوروبا وأمريكا. وكان لا بد من أنشاء قوة عاملة تعتمد على المواد المطبوعة ومزودة بمهارات الاتصال لتنظيم أول ثورة صناعية مدفوعة بـ(الفحم والطاقة البخارية).
ولمزيد من التأكيد لهذا الاقتران فقد حدثت «الثورة الصناعية الثانية» فيما بين عامي (1870- 1914) أي قبيل الحرب العالمية الأولى نتيجة لاقتران (الاتصالات بالطاقة) مرة أخرى. ليتم التمكن من تحقيق مركزية إنتاج الكهرباء، ويظهر الاتصال الهاتفي، وفيما بعد، يظهر الراديو والتلفزيون لتصبح هذه الوسائل عربة الاتصال التي تستخدم في إدارة ثورة صناعية أكثر انتشاراً تم تنظيمها حول (النفط ومحرك الاحتراق الداخلي). وكان أحد أهم انعكاسات هذا الاقتران التوسع في بناء الضواحي وظهور المجتمعات ذات الاستهلاك الكبير.
أما الثورة الصناعية الثالثة فيرى البعض ومنهم المشرفون على «برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية» السعودي أنها بدأت بالثورة الرقمية التي قادت تقدم التكنولوجيا من الأجهزة الإلكترونية والميكانيكية التناظرية إلى التكنولوجيا الرقمية المتاحة اليوم. ويرون أنها بدأت في الثمانينات وما زالت مستمرة، وأن أهم التطورات التي حدثت خلالها اختراع الكمبيوتر الشخصي والإنترنت وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ولذلك هم يبشرون بـ«ثورة صناعية رابعة ترتكز على الثورة الرقمية» التي تمثل طرقاً تكنولوجية جديدة تصبح تتميز بظهور الروبوتات، والذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا النانو، والحوسبة الكمومية، والتكنولوجيا الحيوية، وإنترنت الأشياء (IoT)، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والمركبات المستقلة.
ولكن رفكين يرى وأشاركه الرأي فيما يرى أننا «ما زلنا في عصر الثورة الصناعية الثانية» ولم ندخل في عصر «الثورة الصناعية الثالثة» وأن الاقتران بين الشكل الجديد للطاقة وعربة الاتصالات اللازمة لإدارتها لم يكتمل بعد وأن النظر لتطور إحدى الظاهرتين وإهمال الأخرى لا يفي بمتطلبات الثورة الصناعية الثالثة والسبب في مثل هذا الخلط يعود إلى أن مؤرخي الطاقة يتعاملون مع الطاقة فقط، ولا يتعامل مؤرخو الاتصالات إلا مع الاتصالات. وبحسب التجارب التاريخية، لا يمكن حدوث أي شيء دون اقتران بالآخر. فالإنترنت وسيلة اتصال منتشرة، وتعاونية، وتتحرك باتجاهات جانبية، وليست كالكهرباء المركزية التي تتحرك بشكل رأسي. ولذلك نحن في المراحل المبكرة من اقتران (تكنولوجيا الاتصالات عبر الإنترنت مع شكل جديد من أشكال الطاقة) التي تتميز بالانتشار وتتطلب بطبيعتها إدارة تعاونية. يتم قياسها أيضاً باتجاهاتها الجانبية لا الرأسية. فنحن ننتقل بشكل كبير إلى (مصادر الطاقة المتجددة) التي تنتشر بنسب مختلفة في كل شبر على الكرة الأرضية كالشمس، والرياح، والحرارة الأرضية، والنفايات الحيوية، والمخلفات الزراعية ومخلفات الغابات. والهيدروليك، وحركة المد والجزر والأمواج في المحيطات. وتتميز هذه الطاقات المتجددة عن الطاقات المستمدة من مصادر أحفورية كالفحم والنفط والغاز والنفط الصخري والرملي، والتي لا توجد إلا في أماكن قليلة وتتطلب استثمارات عسكرية وجيوسياسية كبيرة ورؤوس أموال ضخمة للتوسع ما يرفع من تكلفتها ويزيد في أسعارها. ولذلك فإن هذه الطاقات تتضاءل بمرور الزمن وتدخلنا في حقبة انتقالية طويلة نودع بانتهائها الثورة الصناعية الثانية باقتران (الطاقات المتجددة بوسائل الاتصال المناسبة لإدارتها وفي مقدمتها الإنرنت).
والتساؤل الذي يطرح الآن هو عن موقعنا كعرب من هذه التطورات التي تغير وجه التاريخ وأشكال الحياة على الأرض من حين لآخر؟ صحيح، فقد فاتت علينا الريادة كأمة عربية سواء في الثورات الصناعية لنصبح تابعين ومستهلكين، وذلك لأسباب متعددة بعضها خارج عن الإرادة كما في الثورة الأولى أو انعدام (الرؤية المستقبلية) كما في الثورة الثانية رغم أن تأثيرهما علينا كان كبيراً بل مدمراً في بعض الأحيان.
ولكن الإسهام بل وحتى الريادة في (الثورة الصناعية الثالثة) يبقى في المتناول طالما أن فترة الاقتران بين الطاقات المتجددة ووسائل الاتصال الجديدة ستطول لفترة تكفي لمواكبة التحول وطالما كانت الأوضاع السياسية والأمنية مستقرة والالتزام برؤية واضحة تترجم إلى برامج وخطط تنفيذية متجددة.
ورغم التمنيات والأماني الطيبة إلا أن فشل مؤتمرات القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية المتتالية وآخرها التي عقدت في العاصمة اللبنانية في يناير الحالي قد يقود للإحباط لولا الأمل في أن صلاح الجزء قد ينعكس إيجاباً على باقي الجسد، وهذا ما نرى ملامحه وتوافر اشتراطاته في رؤى بعض دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وفي مقدمتها السعودية والإمارات اللتان قطعتا شوطاً كبيراً بشكل فردي وتكاملي على طريق المساهمة الفعالة في «الثورة الصناعية الثالثة».
فعلى المستوى الوطني السعودي، تضمنت الوعود والمحفزات التي صادق عليها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في إطار برنامج التطوير، وعداً صريحاً واضحاً بإطلاق «برنامج شامل لتسريع تبني الثورة الصناعية الرابعة - بحسب تصنيف البرنامج لتسلسل الثورات - برأسمال قدره 5.3 مليار ريال». ووعد بإطلاق منصة إلكترونية موحدة «صناعي» لتسهيل الإجراءات الحكومية للمستثمرين الصناعيين، وإطلاق مركز المعلومات الصناعية لتوفير معلومات متكاملة.
ووجدنا ضمن الأهداف الـ (11) المباشرة للبرنامج أنه بالرغم من أن تطوير الصناعات المرتبطة بالنفط والغاز مازال هدفاً حيوياً بصفة المملكة من أكبر دول العالم إنتاجاً للنفط، ولتوافر ما لا يقل عن 22% من احتياطياته العالمية في مخازنها الجوفية، إلا أن زيادة مساهمة (مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة) و(رفع تنافسية قطاع الطاقة) هي أيضاً أهداف واضحة ومنصوص عليها بشكل يؤكد بأن الدخول في عصر (الثورة الصناعية الثالثة) بالتحول التدريجي لأشكالها الجديدة من الطاقة ووسائل الاتصال المناسبة لإدارتها والاقتران بها هو هدف أصيل في البرنامج تم التعبير العملي عنه أيضاً بعدد من مذكرات التفاهم والاتفاقات الموقعة يوم الإثنين الماضي، ومنها: مذكرة تفاهم لبناء شراكة إستراتيجية مع شركة آي بي إم العالمية، للتعاون في مجالات الذكاء الصناعي والحوسبة السحابية والأمن السيبراني، واتفاقية لتحفيز نشر البنية التحتية الرقمية في المدن الصناعية، واتفاقية لآلية تمويل «المصانع النموذجية للثورة الصناعية الرابعة». واتفاقية أكاديمية مع (جامعة ستانفورد) لتطوير الكوادر الوطنية، ومذكرة تفاهم مع مؤسسة التدريب التقني والمهني لتأهيل الكوادر الوطنية لسد احتياجات القطاع الصناعي.
وبهذا يتضح لنا بأن برنامج (تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية) ليس تقليدياً بمفاهيم الحقبة الحالية التي نعيشها، بل حديث وطموح ومتجدد يضع التطورات التنموية المستقبلية في بؤرة اهتمامه لتدور حولها اتفاقاته وتفاهماته للتأكد من الوصول للطليعة والتمسك بها حتى لا يفوتنا ركب التغيير الذي يلوح في الأفق لتكون بلادنا بإذن الله من أوائل الواصلين.
* اقتصادي وباحث إستراتيجي سعودي
alitawati@