-A +A
علي بن محمد الرباعي
يضع البعض سُلوم القبيلة وأعراف القرية وقِيَم العائلة في مرتبة أعلى من مرتبة أحكام وتشريعات الإسلام، بذريعة أن الله جل وعلا يغفر ويرحم، ولكن الناس ما ترحم ولا تغفر، وقد لا تتورع عن الشماتة، ولذا نرفض كشف واقع الوضع الصحي لابننا المبتلى بأي بلاء أو سلوك، ومن الصعوبة أن نعترف لأهل العروس التي نتقدم لخطبتها بأن الولد يعاني من هذه العلة أو ذاك الداء.

كلنا نتغنى بالشفافية، ونمتدح الصدق، إلا أننا عند الممارسة نفشل، وننفضح ونكفر بمبدأ الوضوح والمصارحة، تحاشياً للعيب، وإعلاءً لشعار (وش يقولون عنا الناس) وبحكم أن بعضنا يتصور أنه بالفلوس يمكن أن يختار أي عروس، دون أن تعرف عنه مثلاً (إدمانه للمخدرات) حتى تقع الكارثة، المبنية على الخديعة، والغش، وتتكشف الأمور.


أحكام المعاملات في الإسلام تقوم على الصدق والصراحة والتبيين وإظهار العيب إن وجد، ولا يغيب قول النبي عليه الصلاة والسلام (فإن صدقا وبيَّنا بورك لهما، وإن كتما وكذبا محقت بركتهما). وحديث (من غشَّنا فليس منا) من أكثر الأحاديث المحفوظة في ذاكرتنا.

الأمن الأسري مطلب ضروري لحياة أي زوجين، ولا أمن مع إدمان، وعندما تناولت في مقالة السبت الماضي (الفحص النفسي قبل الزواج) عقَّب بعض القراء الكرام وطالبوا بتناول قضية تزويج بعض الآباء والأمهات أبناءهم المدمنين دون إشعار العروس ولا أهلها، وتمنوا على وزارة العدل أن تدرج فحص إدمان المخدرات ضمن متطلبات الفحص المبكر للزواج.

أعلم أن وزارة الداخلية وجهت منذ أعوام بإجراء فحص المخدرات لراغبي الزواج، ولكنها قصرته على غير السعوديين، إلا أن تعميمه على السعوديين يحقق مصالح جمة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والزواج سنة مؤكدة، وإتمام الزواج يقوم على ضوابط ومعايير تفادياً لأي فساد أو إضرار أو أحياناً ارتكاب جرائم لا ينفع معها التندم وترديد (يا ليت).

قد يقول قائل «لو عرف أهل العروس أن الخاطب مدمن فلن يزوجوه». هذا وارد، ولكن ربما تقبل فتاة بالزواج من مدمن، وتتحمل تبعات ما رضيت به، وربما تسهم في تعافيه.

الفقهاء تحدثوا عن العيوب التي تمنع إجراء العقد، والعيوب التي تجيز فسخ النكاح، إلا أن التدليس حرام، وعيب بحكم أننا نزوِّج معيباً ثم نضطر الزوجة للفسخ وحينها لا يبقى للستر موضع.