-A +A
بدر بن سعود
عندما تتكلم شخصية رسمية وتقول بأن الرقابة لم تمنع اسماً من الحضور في صفحات جريدة، أو أنها لا تعرف شيئاً عن ملابسات نشر خبر وحجب آخر، فالمفروض أن يصدقها الناس، لأنها ببساطة لا تكذب، وتضع الأمور في سياقها الصحيح، وقد كتب ديفيد وايت(1950) بأن هذه المسألة تحديداً تتأثر بخبرات وتوقعات ومواقف الرقيب داخل الجريدة، وقام والتر جيبر (1956) بمراقبة وتسجيل سلوك محرري وكالات الأنباء في 16جريدة أمريكية، ولاحظ أنهم لا يختلفون كثيراً في اختياراتهم لما ينشر منها، وأن الثانية تعكس بصورة أو أخرى سلم أولويات الاسوشيتدبرس، المزود الأساسي للأخبار في صحافة الستينات الأمريكية، والأمر نفسه ينسحب على وكالة الأنباء السعودية(واس)، فأخبار الوكالة ترسم خريطة الممنوع والمسموح، ولو لم تصدر به قانوناً، والمعنى بالعامية"خلك مع واس لا تحتاس"، وذكرت باميلا شومايكر وستيفن ريس(1999) عوامل ترسم مسار المادة الصحافية، وتتحكم في طريقة عرضها كالرؤية الشخصية للمحرر او الصحافي، الاعتبارات المهنية، محاذير المؤسسة الإعلامية، الضغوط الخارجية، او بعبارة أوضح المصالح والحسابات التجارية ومن دون شك الايديلوجيا.
حتى جنس الصحافي يلعب دوراً، ومن باب التدليل، اجرى ديفيد ويفر وكليفلاند ويلهوايت، مسحاً على الصحافيين الامريكيين سنة 1992، ووجدا ان الصحافيات يركزن بصورة أكبر على المصادر النسائية في أعمالهن الصحافية، ومواضيعهن غالباً ما تكون حول المشاكل الاجتماعية، ولكن النتيجة الأخيرة رفضتها دراسة قامت بها ستيفاني كرافت ووايني وانتا(2004) وقالت الدراسة بأن الاهتمامات تكاد تكون واحدة بين الصحافيين والصحافيات، والفارق أن الصحافيات في مناصب التحرير القيادية، يركزن على الجوانب الإيجابية ويستبعدن السلبيات، واعتقد هنا أن عاطفة الانثى تمارس سلطتها وامتيازها الخاص، ولا أدري هل يؤثر "الارباك الهرموني" الذي تتعرض له المرأة بصفة دورية، في قدرتها على اتخاذ قرارات صحافية متوازنة، وللأمانة لم أصادف عملاً علمياً يتعرض لهذا الموضوع الخطير، ربما لأنه قد يدخل في باب التمييز ضد المرأة.

كذلك الميول الجنسية تسجل تواجداً مهماً، في تغطية الصحافي لقضايا كالإيدز، ومثلها المواقف السياسية والدينية والعمر والتعليم والخلفية الاجتماعية والثقافية للصحافي، ووظف القس الكاثوليكي الأمريكي تشارلز كافلين(1891/1979) خلطة جمعت بين السياسة والدين، في برنامجه الإذاعي في ثلاثينات القرن العشرين، وكافلين كان معادياً للسامية، ولم يكن موقفه جريمة في ذلك الوقت، كما كتب فان ديجك في العنصرية والصحافة(1991) بأن الصحافة البريطانية تقدم البيض باستمرار على أنهم متسامحون، مسالمون، يحبون الحرية والحياة، ويحترمون القانون والنظام، وتنظر في المقابل للمهاجرين أو الاقليات غير البيضاء، باعتبارها عدوانية، مستبدة وغير متسامحة، ومصدراً لكل التجاوزات والانحرافات، بالتأكيد فكرة الخير والشر ليست خاطئة او جديدة، وأساتذة الاجتماع ومنهم كاي أريكسون(1973) رأوا بأنها مكنت المجتمعات من بناء مرجعياتها الاخلاقية، وحافظت على تماسكها وضبط السلوكيات المنحرفة فيها، الا أن السيئ، في اعتقادي، هو ربط التعريف بالهوية والأصول.
مرة أخرى، قرأت أن الصحافية او الصحافي الامريكي، عندما يفضل الفنون، التعليم، القضايا الاجتماعية والمال والأعمال، فإنه يحسب سياسياً على الخط الليبرالي، اما المهتم بالأزمات والكوارث والحياة العائلية والدين، فيميل الى الخط المحافظ، وان الصحافيات في الولايات المتحدة، مشغولات بالتعليم والمجتمع، والصحافيون البيض بالرياضة، خصوصاً الشباب منهم، اما اهل الصحافة من الأقليات العرقية، فنقطة الارتكاز والتمركز عندهم، تبدأ وتنتهي بالتعليم والمجتمع تماماً كالنساء، والقاعدة الأمريكية تفترض أنه كلما زاد تدين الصحافي، زاد ارتباطه بالواقع ومشاكله، وكلما قل التدين زاد الاهتمام بالشؤون الدولية، الفنون، المشاهير والترفيه، ايضا المواد الصحافية الخفيفة، يركز عليها في معظم الاحوال، الصحافيون الشباب، والفكرة أكدها علمياً ديفيد ميندش في كتابه عن الميول الإعلامية للشباب الامريكي(2005) والأخبار الجادة والثقيلة، محل اهتمام الكبار واصحاب الخبرة الصحافية، لأنها معقدة وعويصة، واذا رأيتم صحافياً شاباً يهتم بالأخبار الثقيلة، فالأقرب أنه يصرّح بلسان غيره، او يؤدي دوراً مسرحياً لا ينسجم مع شخصيته وميوله، أو أن عقله عجوز، بالذات اذا استخدم العبارات المعلبة في أخباره...!
كنت قد خططت لأخذ إجازة قصيرة، لولا رفض الزميل العزيز هاشم الجحدلي واتصاله، فقد قال إن الاسبوع الماضي يكفي، واكمل "لا عاد تعودها"، واقول "لاجل عين تكرم مدينة" رغم اني "مزكوم" والحالة صعبة...!
شكراً هاشم وشكراً عكاظ...
binsaudb@ yahoo.com