لا تخلو برامج التنمية من وجود أخطاء ومشاكل تنتهي إلى نتائج سلبية مضادة لأهداف تلك البرامج، بل إنها في بعض الأحيان تؤدي إلى نشوء مشاكل جديدة أصعب من تلك التي استهدفت هذه البرامج معالجتها، من ذلك الضعف الشديد في معظم مخرجات كليات الطب، وطب الأسنان في الجامعات والكليات الأهلية، فتماشيًا مع أهداف خطة التنمية السادسة في إعطاء دور أكبر للقطاع الخاص في التنمية، صدر في العام 1421هـ، قرار مجلس الوزراء الذي يسمح للقطاع الخاص بالاستثمار في التعليم العالي، وصاحَب ذلك تقديم تسهيلات للمستثمرين في هذا المجال من ذلك تأجير الأراضي التابعة للأمانات برسوم رمزية، وتقديم قروض ميسرة من وزارة المالية، إضافة إلى مشروع المنح الدراسية المدعومة من الدولة للدارسين في هذه الكليات، هذا الدعم الحكومي أدى إلى تزايد عدد المؤسسات الخاصة التي تقدم خدمات التعليم العالي في المملكة، إلى أن وصل مع بداية هذا العام إلى (12) جامعة، و(23) كلية.
ومن بين الكليات التي تحرص هذه المؤسسات على افتتاحها الكليات الطبية، وهو ما أدى إلى افتتاح كليات طب، وطب أسنان، وعلوم طبية في جامعات وكليات أهلية، يصل عددها إلى (29) كلية، تفتقر معظمها إلى الحد الأدنى من المعايير والخبرة في التعليم الطبي العالي، صحيح أنها استكملت الشروط الإدارية والتنظيمية لافتتاح هذه الكليات لكن تنقصها الإمكانات التقنية والبشرية، ونقص الرقابة، أو أنها لا تريد زيادة التكلفة التشغيلية للحصول على مخرجات مؤهلة وجاهزة لسوق العمل، وهو ما انتهى إلى تقديم مخرجات ضعيفة وربما غير قادرة على الممارسة المهنية للوظائف الطبية، فالطب مهنة تتعلق بصحة الإنسان وسلامته، ولا تحتمل التجريب، أو المحاولة، أو التدرّب على حساب صحة المرضى، فالأخطاء فيها كارثية ومتعدية، وطويلة الأجل، فهؤلاء الخريجون سيبقون في الخدمة الطبية فترة طويلة، وبسبب تأسيسهم الضعيف فإن فرص تطورهم المهني ستظل محدودة، ما لم يخضعوا لبرامج تطوير وتدريب مكثفة تستهدف إعادة تأهيلهم. ولأن نظام الخدمة المدنية لا يفرق بين خريجي الجامعات الحكومية والخاصة، ولحصول معظمهم على معدلات مرتفعة فإنهم في الغالب يحظون بالأولوية في التوظيف الحكومي، كما أنهم يستأثرون بنصيب من وظائف القطاع الخاص.
من المهم التنبيه إلى أن الذي يتولى الإشراف على هذا العدد الكبير من الجامعات والكليات الأهلية، هي إدارة تُصنّف ضمن الإدارات الوسطى بوزارة التعليم، ما يطرح تساؤلات حول مدى قدرة هذه الإدارة على تقييم وتطوير ومراقبة مستوى التعليم في هذه العدد الكبير من الجامعات والكليات، خاصة أن هذه الإدارة تؤكد في صفحتها بالموقع الإلكتروني للوزارة أن علاقتها بهذه الجامعات يحكمها العمل المشترك، «وأن الرقابة التي تخضع لها هذه الجهات تتم بطريقتين: إحداهما الرقابة الذاتية، التي يكون مصدرها الجامعة أو الكلية الأهلية وذلك من خلال التقارير الواردة من الجامعة أو الكلية، والثانية الرقابة الميدانية التي تقوم بها لجان متخصصة تقوم بزيارات دورية متفق عليها بين الوزارة والجامعة والكلية الأهلية والهدف منها هو تقييم العلاقة بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس ومن في حكمهم والإداريين وذلك من أجل معرفة مدى الرضا الأكاديمي والرضا النفسي لجميع الأطراف».. لاحظ أن الرقابة الميدانية التي تقوم بها هذه الإدارة هي زيارات متفق عليها بين الإدارة وهذه الكليات، كما أن هذه الزيارات ليس الغرض منها التحقق من جودة العملية التعليمية، أو جودة برامج التعليم وإنما الهدف منها تقييم العلاقة بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، والتعرف على مدى الرضا الأكاديمي والنفسي!
ربما يجادل أحدهم بأن المعيار في الحُكم على مخرجات هذه الكليات هو اجتياز اختبار هيئة التخصصات الصحية، وهذا الشرط تشوبه إشكالات، فاجتياز هذا الامتحان لا يعكس بالضرورة كفاءة أو قدرة مهنية، فمثل كل الاختبارات المعيارية هناك طرق وأساليب يلجأ إليها البعض للتعرف على آلية وطريقة الامتحان والتدرب على الإجابة المفضية إلى النجاح، والكثير من كليات الطب الأهلية تلجأ إلى التعاقد مع مستشارين متخصصين في هذه الاختبارات - وبعضهم للأسف تربطه علاقة عمل استشاري مع الهيئة - لتقديم دورات تدريبية لخريجيها على امتحانات الهيئة لمساعدتهم على الاجتياز والمنافسة على الوظائف المطروحة في سوق العمل الحكومي والخاص.
أعود إلى ما بدأت به هذا المقال، وهو أن هذا النوع من المشاكل المتعلقة ببرامج التنمية يستفحل مع السنوات، وتتمدد آثاره السلبية لتصل إلى قطاعات أخرى، ولأن لائحة التعليم العالي الأهلي صادرة بقرار من مجلس الوزراء، فإن انتظار الحلول من وزارة التعليم هو بمثابة تأكيد لإطالة أمد هذه المشكلة وتمددها، والحل في نظري هو وضع هذه المشكلة على طاولة مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، والخيارات المقترحة العاجلة؛ إما أن تخضع هذه الكليات لإشراف أقرب جامعة حكومية، بحيث تملك هذه الجامعة حق إقرار البرامج التعليمية واختيار الأساتذة وطريقة التقييم والامتحانات للطلاب والطالبات الملتحقين بهذه الكليات، ومن المهم ألا تكون من الجامعات الناشئة حديثًا التي ربما تعاني من نفس المشاكل، وإنما تكون من الجامعات الحكومية العريقة وذات الخبرة في مجال التعليم الطبي، وإما أن يصدر قرار بتعليق القبول في هذه الكليات، إلى حين إجراء تقييم شامل لمستواها ودرجة الرقابة عليها، والوصول إلى حلول موضوعية تضمن جودة مخرجاتها، والنظر في أنجع وسيلة لإعادة تأهيل خريجيها، طبعًا هناك استثناءات قليلة، لا تتجاوز الثلاث أو أربع كليات تُقدم تعليما جيدا، ويمكن القول بأنها تتوافر على الحد الأدنى من الجودة المطلوبة.
* كاتب سعودي، مهتم بالشأن التنموي
ومن بين الكليات التي تحرص هذه المؤسسات على افتتاحها الكليات الطبية، وهو ما أدى إلى افتتاح كليات طب، وطب أسنان، وعلوم طبية في جامعات وكليات أهلية، يصل عددها إلى (29) كلية، تفتقر معظمها إلى الحد الأدنى من المعايير والخبرة في التعليم الطبي العالي، صحيح أنها استكملت الشروط الإدارية والتنظيمية لافتتاح هذه الكليات لكن تنقصها الإمكانات التقنية والبشرية، ونقص الرقابة، أو أنها لا تريد زيادة التكلفة التشغيلية للحصول على مخرجات مؤهلة وجاهزة لسوق العمل، وهو ما انتهى إلى تقديم مخرجات ضعيفة وربما غير قادرة على الممارسة المهنية للوظائف الطبية، فالطب مهنة تتعلق بصحة الإنسان وسلامته، ولا تحتمل التجريب، أو المحاولة، أو التدرّب على حساب صحة المرضى، فالأخطاء فيها كارثية ومتعدية، وطويلة الأجل، فهؤلاء الخريجون سيبقون في الخدمة الطبية فترة طويلة، وبسبب تأسيسهم الضعيف فإن فرص تطورهم المهني ستظل محدودة، ما لم يخضعوا لبرامج تطوير وتدريب مكثفة تستهدف إعادة تأهيلهم. ولأن نظام الخدمة المدنية لا يفرق بين خريجي الجامعات الحكومية والخاصة، ولحصول معظمهم على معدلات مرتفعة فإنهم في الغالب يحظون بالأولوية في التوظيف الحكومي، كما أنهم يستأثرون بنصيب من وظائف القطاع الخاص.
من المهم التنبيه إلى أن الذي يتولى الإشراف على هذا العدد الكبير من الجامعات والكليات الأهلية، هي إدارة تُصنّف ضمن الإدارات الوسطى بوزارة التعليم، ما يطرح تساؤلات حول مدى قدرة هذه الإدارة على تقييم وتطوير ومراقبة مستوى التعليم في هذه العدد الكبير من الجامعات والكليات، خاصة أن هذه الإدارة تؤكد في صفحتها بالموقع الإلكتروني للوزارة أن علاقتها بهذه الجامعات يحكمها العمل المشترك، «وأن الرقابة التي تخضع لها هذه الجهات تتم بطريقتين: إحداهما الرقابة الذاتية، التي يكون مصدرها الجامعة أو الكلية الأهلية وذلك من خلال التقارير الواردة من الجامعة أو الكلية، والثانية الرقابة الميدانية التي تقوم بها لجان متخصصة تقوم بزيارات دورية متفق عليها بين الوزارة والجامعة والكلية الأهلية والهدف منها هو تقييم العلاقة بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس ومن في حكمهم والإداريين وذلك من أجل معرفة مدى الرضا الأكاديمي والرضا النفسي لجميع الأطراف».. لاحظ أن الرقابة الميدانية التي تقوم بها هذه الإدارة هي زيارات متفق عليها بين الإدارة وهذه الكليات، كما أن هذه الزيارات ليس الغرض منها التحقق من جودة العملية التعليمية، أو جودة برامج التعليم وإنما الهدف منها تقييم العلاقة بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، والتعرف على مدى الرضا الأكاديمي والنفسي!
ربما يجادل أحدهم بأن المعيار في الحُكم على مخرجات هذه الكليات هو اجتياز اختبار هيئة التخصصات الصحية، وهذا الشرط تشوبه إشكالات، فاجتياز هذا الامتحان لا يعكس بالضرورة كفاءة أو قدرة مهنية، فمثل كل الاختبارات المعيارية هناك طرق وأساليب يلجأ إليها البعض للتعرف على آلية وطريقة الامتحان والتدرب على الإجابة المفضية إلى النجاح، والكثير من كليات الطب الأهلية تلجأ إلى التعاقد مع مستشارين متخصصين في هذه الاختبارات - وبعضهم للأسف تربطه علاقة عمل استشاري مع الهيئة - لتقديم دورات تدريبية لخريجيها على امتحانات الهيئة لمساعدتهم على الاجتياز والمنافسة على الوظائف المطروحة في سوق العمل الحكومي والخاص.
أعود إلى ما بدأت به هذا المقال، وهو أن هذا النوع من المشاكل المتعلقة ببرامج التنمية يستفحل مع السنوات، وتتمدد آثاره السلبية لتصل إلى قطاعات أخرى، ولأن لائحة التعليم العالي الأهلي صادرة بقرار من مجلس الوزراء، فإن انتظار الحلول من وزارة التعليم هو بمثابة تأكيد لإطالة أمد هذه المشكلة وتمددها، والحل في نظري هو وضع هذه المشكلة على طاولة مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، والخيارات المقترحة العاجلة؛ إما أن تخضع هذه الكليات لإشراف أقرب جامعة حكومية، بحيث تملك هذه الجامعة حق إقرار البرامج التعليمية واختيار الأساتذة وطريقة التقييم والامتحانات للطلاب والطالبات الملتحقين بهذه الكليات، ومن المهم ألا تكون من الجامعات الناشئة حديثًا التي ربما تعاني من نفس المشاكل، وإنما تكون من الجامعات الحكومية العريقة وذات الخبرة في مجال التعليم الطبي، وإما أن يصدر قرار بتعليق القبول في هذه الكليات، إلى حين إجراء تقييم شامل لمستواها ودرجة الرقابة عليها، والوصول إلى حلول موضوعية تضمن جودة مخرجاتها، والنظر في أنجع وسيلة لإعادة تأهيل خريجيها، طبعًا هناك استثناءات قليلة، لا تتجاوز الثلاث أو أربع كليات تُقدم تعليما جيدا، ويمكن القول بأنها تتوافر على الحد الأدنى من الجودة المطلوبة.
* كاتب سعودي، مهتم بالشأن التنموي