لعلنا نذكر العديد من القصص التي أثيرت عن التوظيف العائلي في بعض المؤسسات الحكومية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وما صاحبها من عواصف أساءت للبعض ممن حامت حوله الشكوك وبعضهم فقد وظيفته. كل تلك القصص وقبلها الكثير وبعدها أكثر وأكثر، قصص التوظيف العائلي والعشائري الموسع واللا محدود، ما الذي تغير؟ فهل أصبح التوظيف العائلي وتوظيف أبناء العشيرة والقبيلة فسادا؟ وهل هو فساد إداري أم فساد مالي أم الاثنان معا؟ ومن المسؤول عن مكافحة وضبط فساد تلك المحسوبيات؟ هل هي مسؤولية وزارة الخدمة المدنية، أم هي هيئة الفساد «نزاهة»، أم المباحث الإدارية، أم هي مؤسسات أخرى مع كل هذه المؤسسات؟ وهل يجب على مؤسسات مكافحة وضبط الفساد أن تبادر بضبطه ومكافحته أم أنها تنتظر حتى يتم الإبلاغ عنه؟ وهل يعد الفساد ليس فسادا، إذا لم يتم الإبلاغ عنه؟
لا أعرف كم من المؤسسات الحكومية ستصمد، ولا أعرف كم من الموظفين سيجتاز، لو طبقت الحوكمة على الجهاز الحكومي، فتضارب المصالح وغياب أو شبه غياب الشفافية وفقر المعلومات، والتداخل بين الصلاحيات، ناهيك عن ظاهرة المحسوبيات التي تعيق العمل في التوظيف العائلي والعشائري والقبائلي وغيرها من التحديات الماثلة والتي تعيق أي تقدم في تحسين ثقافة العمل ورفع الإنتاجية، فضلا عما تتسبب به من عراقيل في تحقيق العدالة بين الموظفين وبين المستهدفين وتحقيق رضا الجمهور. فبعض الموظفين لا يعرفون ماذا يفعلون، وبعضهم يعرفون لكنهم في المكان الخطأ، ليس بالضرورة بسبب القيمة الإنتاجية والمهنية والانضباطية، إنما بسبب المصالح الاقتصادية والاجتماعية في تحالفاتها العشائرية.
بدأنا نلحظ في الفترة الأخيرة حضور عشيرة بعينها في كل جهاز حكومي على حدة بأعداد ربما لا تعكس عدد سكان هذه العشيرة مقارنة بغيرها ولا حتى بتعداد الموظفين في ذلك الجهاز ونسبة إلى العشائر والقبائل الأخرى في ذات النطاق الجغرافي، وتتكرر ذات الملاحظة في أكثر من جهاز حكومي، خاصة في بعض محافظات ومناطق المملكة. فهل السكوت عن التوظيف العائلي والعشائري ناتج عن غياب القوانين التي تمنعه ولا تعده فساداً؟ أم بسبب التردد والحذر من مواجهة ثقافة وقيم المجتمع الجارفة خاصة ما يسمى منها بقانون «الفزعة»؟ أم لعدم وجود أدلة كافية ضد محترفيها؟
لكي لا يفهمني أحد خطأ، أنا لا أنادي بمحاصصة عشائرية في الوظيفة الحكومية، طالما توفرت الكفاءة، لكنني أنادي بتجريم اللوبيات في بعض المحافظات التي تحترف العنصرية العشائرية وتحول بطريقة غير عادلة دون إتاحة الفرصة لبقية المواطنين على قدم المساواة.
فالذين يعملون في بعض المؤسسات الحكومية وينتمون لعائلة واحدة أو عشيرة واحدة لم يتوظفوا بسبب عبقريتهم أو بسبب إجراء اختبار ومقابلة وظيفية عادلة، إنما جاء الغالبية منهم بسبب «كبيرهم» الذي عشش وفرخ في الجهاز الحكومي، عبر سنوات نتيجة أنه لم تتم مساءلته لا من نزاهة ولا من غيرها، وربما لن يساءل ما لم يصدر تشريع واضح وصريح بذلك يمنع هذه الأورام العشائرية العنصرية. وبعد تلك الإمبراطوريات العشائرية مع الوقت تكون عابرة للأجهزة الحكومية في المنطقة بل وعابرة للمناطق.
سيناكف أحدهم بالتساؤل: أليس أبناء تلك العشيرة مواطنين، أنت إذا ضد السعودة! أبدا أنا لست ضد السعودة ولكني ضد الظلم وعدم توسيع رقعة العدالة، فليس من العدالة أبدا أن يستحوذ أحدهم على الفرص الوظيفية في المؤسسة الحكومية لأقاربه ثم بعد ذلك ومع تضخم نفوذه، تمتد إلى بقية المؤسسات الحكومية الأخرى، في داخل المنطقة من فرص التوظيف، ويحرم بقية المواطنين من تلك الفرص رغم كفاءاتهم وقدراتهم التي تفوق أبناء عائلته وأبناء عشيرته لكنهم بلا «لوبيات»، هذه عنصرية أكثر من أنها فساد.
لقد حان الوقت لوضع حد لهذه الظواهر الورمية في مجتمعاتنا، كما أن الأمر لا ينفي الحاجة لإجراء دراسات عن حجم وأسباب ومؤثرات ظاهرة التوظيف العائلي والمحسوبيات العشائرية والقبائلية، والوقوف بدقة على حجم الفساد الذي تتسبب به هذه الظاهرة، مثلما هي دراسة الآثار السلبية المباشرة وغير المباشرة والمترتبة على هذه الظاهرة نفسية واجتماعية واقتصادية وتنموية، فضلا عما تتسبب به من أمراض عنصرية وإحساس بالظلم وغياب العدالة الاجتماعية والاقتصادية بين أبناء المجتمع الواحد. فهذه يا سادتي عنصرية، والعنصرية مثل كرة اللهب، إضافة إلى كونها فسادا وما يترتب عليها من هدر للحقوق والواجبات..
إن الإحساس بالظلم أشد قسوة من الظلم نفسه.
* كاتب سعودي
Dwaihi@agfund.org
لا أعرف كم من المؤسسات الحكومية ستصمد، ولا أعرف كم من الموظفين سيجتاز، لو طبقت الحوكمة على الجهاز الحكومي، فتضارب المصالح وغياب أو شبه غياب الشفافية وفقر المعلومات، والتداخل بين الصلاحيات، ناهيك عن ظاهرة المحسوبيات التي تعيق العمل في التوظيف العائلي والعشائري والقبائلي وغيرها من التحديات الماثلة والتي تعيق أي تقدم في تحسين ثقافة العمل ورفع الإنتاجية، فضلا عما تتسبب به من عراقيل في تحقيق العدالة بين الموظفين وبين المستهدفين وتحقيق رضا الجمهور. فبعض الموظفين لا يعرفون ماذا يفعلون، وبعضهم يعرفون لكنهم في المكان الخطأ، ليس بالضرورة بسبب القيمة الإنتاجية والمهنية والانضباطية، إنما بسبب المصالح الاقتصادية والاجتماعية في تحالفاتها العشائرية.
بدأنا نلحظ في الفترة الأخيرة حضور عشيرة بعينها في كل جهاز حكومي على حدة بأعداد ربما لا تعكس عدد سكان هذه العشيرة مقارنة بغيرها ولا حتى بتعداد الموظفين في ذلك الجهاز ونسبة إلى العشائر والقبائل الأخرى في ذات النطاق الجغرافي، وتتكرر ذات الملاحظة في أكثر من جهاز حكومي، خاصة في بعض محافظات ومناطق المملكة. فهل السكوت عن التوظيف العائلي والعشائري ناتج عن غياب القوانين التي تمنعه ولا تعده فساداً؟ أم بسبب التردد والحذر من مواجهة ثقافة وقيم المجتمع الجارفة خاصة ما يسمى منها بقانون «الفزعة»؟ أم لعدم وجود أدلة كافية ضد محترفيها؟
لكي لا يفهمني أحد خطأ، أنا لا أنادي بمحاصصة عشائرية في الوظيفة الحكومية، طالما توفرت الكفاءة، لكنني أنادي بتجريم اللوبيات في بعض المحافظات التي تحترف العنصرية العشائرية وتحول بطريقة غير عادلة دون إتاحة الفرصة لبقية المواطنين على قدم المساواة.
فالذين يعملون في بعض المؤسسات الحكومية وينتمون لعائلة واحدة أو عشيرة واحدة لم يتوظفوا بسبب عبقريتهم أو بسبب إجراء اختبار ومقابلة وظيفية عادلة، إنما جاء الغالبية منهم بسبب «كبيرهم» الذي عشش وفرخ في الجهاز الحكومي، عبر سنوات نتيجة أنه لم تتم مساءلته لا من نزاهة ولا من غيرها، وربما لن يساءل ما لم يصدر تشريع واضح وصريح بذلك يمنع هذه الأورام العشائرية العنصرية. وبعد تلك الإمبراطوريات العشائرية مع الوقت تكون عابرة للأجهزة الحكومية في المنطقة بل وعابرة للمناطق.
سيناكف أحدهم بالتساؤل: أليس أبناء تلك العشيرة مواطنين، أنت إذا ضد السعودة! أبدا أنا لست ضد السعودة ولكني ضد الظلم وعدم توسيع رقعة العدالة، فليس من العدالة أبدا أن يستحوذ أحدهم على الفرص الوظيفية في المؤسسة الحكومية لأقاربه ثم بعد ذلك ومع تضخم نفوذه، تمتد إلى بقية المؤسسات الحكومية الأخرى، في داخل المنطقة من فرص التوظيف، ويحرم بقية المواطنين من تلك الفرص رغم كفاءاتهم وقدراتهم التي تفوق أبناء عائلته وأبناء عشيرته لكنهم بلا «لوبيات»، هذه عنصرية أكثر من أنها فساد.
لقد حان الوقت لوضع حد لهذه الظواهر الورمية في مجتمعاتنا، كما أن الأمر لا ينفي الحاجة لإجراء دراسات عن حجم وأسباب ومؤثرات ظاهرة التوظيف العائلي والمحسوبيات العشائرية والقبائلية، والوقوف بدقة على حجم الفساد الذي تتسبب به هذه الظاهرة، مثلما هي دراسة الآثار السلبية المباشرة وغير المباشرة والمترتبة على هذه الظاهرة نفسية واجتماعية واقتصادية وتنموية، فضلا عما تتسبب به من أمراض عنصرية وإحساس بالظلم وغياب العدالة الاجتماعية والاقتصادية بين أبناء المجتمع الواحد. فهذه يا سادتي عنصرية، والعنصرية مثل كرة اللهب، إضافة إلى كونها فسادا وما يترتب عليها من هدر للحقوق والواجبات..
إن الإحساس بالظلم أشد قسوة من الظلم نفسه.
* كاتب سعودي
Dwaihi@agfund.org