-A +A
سمير عابد شيخ
لأشهر عديدة نشرت لي عكاظ مشكورة سلسة من المقالات بحـثـت فيها ظاهرة الغلاء وانتشارها عالميا. فلقد أدّت هذه الأزمة لقيام تركيا ومنغوليا وأندونيسيا والمغرب لتخفيض الرسوم الجمركية على المواد الغذائية لتخفيض أسعارها على مواطنيها. كما قامت تايلاند والاكوادور والسنغال ومصر والأرجنتين وفنزويلا بتجميد وتثبيت أسعار المواد الغذائية. كما تقوم الأردن وماليزيا والباكستان بتخزين الأغذية تحسبا لتصاعد الأزمة مستقبلا. كما أدّت هذه الأزمة للمظاهرات في كل من اليمن والمكسيك والهند ومصر. وحتى روسيا تأثّرت بهذه الأزمة حيث أصدر"الكرملين"أوامره بمنع ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية خصوصا الحليب والخبز. وحتى ظاهرة الغلاء الفاحش للدقيق الناتج عن تبديل سياسة الدعم لشح المياه، لم تكن بهذه الحدّة لو تمكنت الأسواق العالمية بتوفير العجز المحلّي ! فالغلاء لدينا اذن هو"عطاس" لزكام يجتاج العالم!
ولكن برغم أنّ هذا الغلاء يصيب المواطنين كافّة بدون استثناء، الاّ أنّ نسب تأثّرهم تتفاوت حسب ظروفهم الاقتصادية ومداخيلهم. فدعونا نفترض أنّ العائلة السعودية تتكون في المعدل من خمسة أفراد (زوجين وثلاثة أطفال)، وأنّ استهلاك العائلة من المواد الغذائية يكلّف نحو ألفين وخمسمئة ريال شهريا. ولنأخذ معدلات معاشات شريحتين من المواطنين. فلنفترض أنّ أحدهم يتقاضى خمسة آلاف ريال شهريا، بينما يتقاضى آخر مبلغ خمسة وعشرين ألف ريال. سنجد أن الأول ينفق نصف دخله الشهري على غذائه، بينما سينفق الآخر 10% فقط من راتبه على اطعام أسرته. وهكذا سيكون تأثر الأول بالغلاء خمسة أضعاف الآخر.

فعندما تقوم الدولة مشكورة باعطاء علاوة غلاء تبلغ 5% على الراتب الشهري، سيحصل الموظف الأول على 250 ريالا وهذا يمثل عشر فاتورة غذائه، بينما سيحصل الآخر على 1250 ريالا أي نصف فاتورة غذائه. وبهذا سنجد أن المواطن الأقل دخلا سيظل في حالة معاناة كبيرة حتى بعد صرف ال 5% له. وكأنّ هذا الدعم يقول له : ان كنت تحتاج عشر برتقالات شهريا فسوف نشتري لك برتقالة واحدة، وعليك أنت بشراء التسع برتقالات الباقية. وكأنّنا نقول للآخر : ان كنت تحتاج عشر برتقالات فسنشتري لك خمس برتقالات وما عليك الاّ أن تشتري الخمس الباقية. وهكذا سنجد أنّ نظام الدعم هذا يصب في مصلحة المواطن الأكبر دخلا، الذي هو في الأصل أقل حاجة لهذا الدعم، بينما سيظلم المواطن الضعيف الذي هو في أشد حالة لهذا الدعم.
وهكذا يظهر لنا أنّ نظام الدعم يستحسن أن يتناسب مع دخول المواطنين لا أن يكون ثابتا. ذلك أنّه لو كانت دخول المواطنين متساوية لجاز لنا أن يكون الدعم متساويا، وبما أن الدخول متفاوتة يستحسن أن يكون الدعم متفاوتا كذلك. فكلّما أنخفض دخل المواطن يستحسن أن ترتفع نسبة دعمه لأنّه سيكون في حاجة أكثر للمواد الغذائية، والعكس صحيح. فلماذا لا نستحدث معادلة جديدة لدعم أسعار المواد الغذائية تأخذ هذا التفاوت بعين الاعتيار. ولا أظن انّ هذا التفاوت المقترح سيكون صعب التطبيق، لأنّ الدولة يحفظها الله تدفع مرتبات المواطنين وهي متفاوتة وليست متساوية أصلا ،وكذلك القطاع الخاص لا يساوي بين مرتبات موظفيه.
فاذا أفترضنا مثلا أنّ تكلفة المواد الغذائية أرتفعت بمعدّل 30% تقريبا، يمكننا أن نضيف هذه النسبة الى الموظفين ذوي المرتبات التي تصل الى خمسة آلاف ريال. بعدها نخفّض الدعم الى نسبة 25% مثلا للموظفين ذوي المرتبات المتراوحة بين خمسة الى عشرة آلاف. ثم نخفضه ليصبح 20% لأصحاب المرتبات المتراوحة بين عشرة الى خمسة عشر ألفا. ثم ليقف عند دخول ذوي الدخول العشرين ألف مثلاً. والحكمة ضالّة المؤمن أنّى وجدها أخذ بها.. وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
Samirabid@Yahoo.com