-A +A
علي آل بخيتان - بيشة
رغم توقفه عن الدراسة والتحاقه بالوظيفة بشهادة الكفاءة المتوسطة إلا أن الدكتور محمد بن عبدالله آل عمرو عميد كلية المعلمين بمحافظة بيشة كان عازماً على إكمال دراسته والحصول على شهادة الدكتوراه. حلم يراوده ويدفعه لإتمام الدراسة ورغم الوظيفة وارتباطاته الأسرية إلا أن كل هذه الظروف لم تمنعه من تحقيق حلمه. هنا يروي الدكتور آل عمرو قصته مع الدكتوراه بكل ما فيها من صعوبة ومشقة وجهد واغتراب ومعاناة أحبطتها قوة الإرادة. انتظمت في دراسة برنامج الدكتوراه في الفصل الجامعي الثاني عام 1414هـ وكانت الخطة الدراسية تقضي بدراسة عدد من المقررات الدراسية خلال أربعة فصول دراسية ثم إعداد الرسالة بعد اجتياز الاختبار الشامل. وأذكر أن متطلبات دراسة المقررات الدراسية الكثيرة كانت تضطرني لقضاء ما يقارب العشر ساعات يومياً من المذاكرة والتحضير والقراءة ما بين مكتبة الجامعة والمنزل , وعلى الرغم من الاجتهاد والمثابرة في تلبية متطلبات المقررات الدراسية فقد اعترضت في الطريق بعض المواقف الطريفة والمؤلمة في ذات الوقت.
فقد كان أحد الأساتذة من إحدى الدول العربية الشقيقة يدرسنا مقرر الإحصاء التربوي وعلى الرغم من كون المادة علمية تعتمد على علم الرياضيات فقد بذلت فيها وزميلي وكيل كلية المعلمين في مكة المكرمة حالياً الدكتور عبدالحميد بن عبدالمجيد جهداً كبيراً وكنا نتسابق لحل المسائل الإحصائية على السبورة أمام زملائنا الطلاب وقد بذلنا في المقرر جهداً غير طبيعي وتقدمنا إلى الاختبار النهائي برصيد كامل غير منقوص من درجات أعمال الفصل, فقدمنا اختباراً تأكدنا بعده من الحصول على الدرجة الكاملة فيه, وكانت الصدمة لي ولزميلي الدكتور عبدالحميد كبيرة جداً حينما أعلنت النتيجة بحصولنا على درجة (86) وحصول بعض زملائنا الذين لا يقل مستوانا عن مستواهم بأي حال من الأحوال على (96) درجة فتوجهنا على الفور إلى أستاذ المقرر لمراجعته في النتيجة فسألنا عن أعمالنا الوظيفية فذكرنا له إننا محاضرون في كليات المعلمين فعاب علينا أننا لم نخبره بذلك قبل الاختبار كما فعل بعض زملائنا !!!

كتاب يوسف القاضي
في الاختبار الشامل كان هناك موقف طريف آخر لكنه جميل بالنسبة لي فقد رشحت لجنة الاختبارات قائمة طويلة من الكتب التربوية التي تشمل محاور الاختبار الثلاثة وكان من بينها كتاب سياسة التعليم والتنمية في المملكة للدكتور يوسف القاضي, وقد كان الكتاب لدي في مكتبتي الخاصة ولكنني بحثت عنه كثيراً فلم أجده فاتجهت إلى مكتبة الجامعة لاستعارة الكتاب منها فلم أجده متوفراً للإعارة آنذاك وبحثت عنه لدى زملائي الطلاب فلم أجد إلا نسخة مع أحدهم ولكنه يسكن في المدينة المنورة ونسخة أخرى مع زميل في مكة خشيت أن أسأله عنها فيؤثرني على نفسه بها. ففكرت كثيراً في كيفية الإحاطة بموضوع الاختبار فقمت بجمع الكتب الخاصة بتغطية محور التعليم والتنمية ثم وزعتها إلى مجموعات بحسب مواضيعها الفرعية فوجدت أن هناك موضوعاً لم تتم تغطيته بشكل واف وهو يقع ضمن اهتمامات أحد أعضاء لجنة الاختبار وهو موضوع « التربية المقارنة» كان ذلك قبل موعد الاختبار بيومين فقط قرأت خلالهما عدداً من الكتب في التربية المقارنة وعلاقتها بالتنمية في البلدان المختلفة .فلما جاء موعد الاختبار وكنت وجلاً جداً من عدم قراءتي لكتاب يوسف القاضي سألت زملائي ما إذا كان أحد منهم قرأ شيئاً في موضوع التربية المقارنة فوجدت أن أحداً منهم لم يتعرض لهذا الموضوع وأنهم ركزوا على التعليم في المملكة في عدة مراجع ما زادني هماً وخوفاً شديداً من نتيجة الاختبار وبدأ الاختبار وسلمت لنا أسئلة ذلك الجزء من الاختبار الشامل فكان اختباراً شاملاً بحد ذاته وبدأت عيناي تتسابقان في قراءة أسئلة الاختبار وما إن انتهيت حتى شعرت بارتياح نفسي كبير حيث كان أحد الأسئلة الرئيسية الثلاثة منصباً على التربية المقارنة بينما السؤالان الآخران كانا مفتوحين وإجابتهما في إطار ما قرأته من قائمة الكتب المرشحة وغيرها.
وانتهى الاختبار والتقى الزملاء بعده وفي أنفسهم شيء من سؤال التربية المقارنة, وانتظرنا النتيجة نحو شهر تقريباً ثم أعلنت باجتيازي فقط من بين الطلاب والطالبات الذين دخلوا الاختبار وعددهم (7) .
والعجيب أنني حينما أخذت أرتب مكتبتي الخاصة وأعيد الكتب في أماكنها فإذا ببصري يقع على كتاب / يوسف القاضي في مكان بارز بين الكتب !!!
وقد سهل اجتيازي الاختبار الشامل منفرداً اختيار الأستاذ المشرف على رسالة الدكتوراه من بين أساتذتي أعضاء هيئة التدريس في القسم وكلهم أخيار فاخترت أستاذاً لم أدرس عنده أي مقرر سابق بهدف الاستفادة من عموم أعضاء هيئة التدريس في القسم وهو الأستاذ الدكتور.السعيد محمود عثمان أستاذ أصول التربية الإسلامية في كلية التربية بجامعة الأزهر وأحسب أنني وإياه وفقنا في اختيار موضوع الرسالة وكان بعنوان «التعليم في الحجاز في العصر المملوكي» وأتاحت لي دراسة هذا الموضوع التعرف عن قرب على تاريخ الحجاز بعد سقوط الخلافة الإسلامية في بغداد لمدة ثلاثة قرون حتى قيام الدولة العثمانية سنة 923 هـ.
تعرفت خلالها على تأثر التعليم بالعوامل السياسية والثقافية والاقتصادية السائدة في العالم الإسلامي آنذاك وكذلك تأثير الموقف في نشاط التعليم وانتشاره , وخطورة بعض أساليب التعليم مثل التركيز على التلقين ومجرد الحفظ دون التطبيقات العملية للمفاهيم العلمية في حياة المجتمع حيث انتشر الاعتماد على السحر والشعوذة في التطبب في حين بقي اهتمام مؤسسات التعليم منصباً على حفظ المتون وعدد مرات الحفظ وعدد أسماء من تكررت عملية تسميع المحفوظات عليهم من العلماء حتى إن أحد الطلاب ليسافر إلى مصر أو إلى فلسطين والشام ليسمع حديثا على أحد العلماء هناك سبق له حفظه في مكة أو المدينة على أحد العلماء فيها لمجرد أن يسجل ذلك في سيرة حياته العلمية.
وكانت مرحلة كتابة رسالة الدكتوراه ممتعة على الرغم من حجم الجهد المبذول فأذكر أنني كنت أستمر جالساً على القراءة والكتابة في مكتبتي الخاصة ست عشرة ساعة متوالية لا أغادرها إلا إلى الصلاة أو تناول الطعام وبالمناسبة فإنني هنا أشيد بدور الزوجة الصالحة في مساعدة زوجها ومساندته على العمل والإنتاج فقد كان لأم عبد المجيد إسهام كبير في توفير البيئة المنزلية المناسبة للقراءة والبحث.
وقد تحدد موعد مناقشة الرسالة في يوم الأربعاء الرابع عشر من شهر شوال عام 1418هـ , وكنت وقتها قد باشرت عملي محاضراً في كلية المعلمين في بيشة.
وقد توجهت من بيشة إلى مكة المكرمة عن طريق الباحة في يوم الاثنين السابق للمناقشة لترتيب بعض الإجراءات المتعلقة بالمناقشة , وفي الباحة تعرضت للفحة برد شديدة أحسست معها ببوادر التهاب في الحلق وبدأ ذلك الالتهاب يتمكن من الحبال الصوتية متحدياً المضادات الحيوية والمهدئات والمشروبات الساخنة وفي مغرب يوم الثلاثاء فقدت القدرة تماماً على الكلام, وبدأت أقلق على إمكانية إجراء المناقشة غداً قي موعدها فلم أذق للنوم طعماً تلك الليلة وفي الصباح الباكر سبقت أطباء مركز الجامعة الصحي على عياداتهم وطلبت منهم عمل ما يمكن لإنقاذ الموقف فأفهموني أن الدورة الطبيعية لهذا الالتهاب ستستمر لمدة خمسة أيام تقريباً مهما استخدمت من الأدوية ولكنهم نصحوني بتناول مشروب ساخن, والغرغرة بالماء الدافئ والليمون إن أمكن.
واتخذت في فناء الجامعة مكاناً مناسباً عملت فيه بنصيحة الأطباء وكنت بين فترة وأخرى أحاول الكلام وإظهار الكلمات دون جدوى.
وكنت أرقب قاعة المناقشة من بعيد انتظاراً لموعد المناقشة المحدد عند الساعة التاسعة صباحاً, وقبل الموعد بنصف ساعة رأيت أحدهم يعلق أوراقاً على قاعة المناقشة فاقتربت منها لأستطلع فحواها فوجدتها إعلاناً عن تأجيل موعد المناقشة حتى الساعة العاشرة صباحاً فكان ذلك التأجيل فرجاً من الله أكثرت خلاله من استخدام الماء الدافئ وبدأت أشعر بقدر بسيط من إظهار الكلمات وكنت حريصاً أن لا ألتقي المشرف أو أحداً من المناقشين حتى لا ينكشف أمري قبل بدء المناقشة وأملاً في تحسن الحالة وحان الوقت المحدد واجتمعت اللجنة على خشبة القاعة وأخذ الحضور أماكنهم وبدأت إجراءات المناقشة بمنحي الفرصة لإلقاء كلمتي وبدأت الكلام تحت تأثير الالتهاب وعلى الرغم من شعوري بعدم ظهور بعض الأحرف إلا أن سياق الكلام كان مفهوماً للجنة والحضور ما أضفى على نفسي شيئاً من الهدوء والراحة ثم بدأت المناقشة واستمرت لمدة ثلاث ساعات نسيت خلالها حالتي الصحية مدعوماً نفسياً بموقفي وموقف المشرف أثناء المناقشة.
فحمدت الله كثيراً على إجرائها في وقتها وعلى ما آلت إليه من نتيجة مشرفة وشكرت للمشرف ولكل من أسهم بتعاونه ومساندته ما بذل فيها من جهد وعمل.