-A +A
سمير عابد شيخ
في سباق بحري من مدينة "لوس انجيلوس" (على الساحل الغربي للولايات المتّحدة) الى ولاية "هاواي" الأمريكية (في المحيط الهادئ) قرّر أحد المتسابقين أن يسلك طريقا آخر خلال الدائرة الشمالية للمحيط. تشتهر تلك الدائرة (North Pacific gyre) بالدوران الحلزوني المستديم لتيّارات المحيط ممّا يجعل البحّارين يتجنبونها.
فوجئ ذلك المتسابق الثري واسمه " تشارلز موور" باحاطة قاربه بكميات من الزبائل والنفايات استمرّت تحيطه وهو يقطع المحيط لمدّة أسبوع كامل. كان لتلك المناظر المقزّزة أكبر الأثر على السيّد "موور", ممّا دفعه لتوجيه ثروته لانشاء معهد أبحاث لعلوم البحار لدراسة تلك الظاهرة وأسبابها.

ولقد نقلت جريدة "الانـدبـندنـت" (The Independent) بعدد الأحد 5\2\2008م، أنّ أبحاث ذلك المعهد خـلصت الى أنّ ما مجموعه مئة مليون طن من الزبائل والنفايات تدور باستدامة في شكل أصبح يسمونه "دوّامـة النفايات " (trash vortex). وممّا يرشّح هذه الظاهرة أن تضاف الى غرائب الدنيا هي مساحة هذه الدائرة "الزبالية" التي تبلغ ضعف مساحة أمريكا الشمالية ! والذي يزيد الطين بلّة هو ليس كميات النفايات أو المساحة التي تغطيها فحسب، بل مكوناتها. فلقد أصبح جليا لدى مركز الأبحاث وزّوار ذلك الموقع أن المكون الرئيس لتلك النفيات هو مادّة البلاستيك.
ولقد نظّمت جامعة "هاواي" الأمريكية رحلة استكشافية لهذه القّارة الجديدة. ويقول البروفيسور "ديفيد كارل"، أستاذ علوم المحيطات بالجامعة، إن النفايات التي كانت تتجمّع في الدوّامات المائية بالمحيطات، عادّة ما تتحلل بمرور الزمن، الاّ انّ البلاستيك لا يخضع لهذه القاعدة الطبيعية. ويعقّب بأن كل قطعة بلاستيك تمت صناعتها قبل خمسين عاما وتم القاؤها في البحر للتخلّص منها، ستجدها ما تزال كما هي ! وخطورة نفايات البلاستيك هذه استرعت اهتمام المؤسسات الدولية حتى الأمم المتحدة.
فلقد قدّرت الأمم المتّحدة أنّ كل ميل مربّع واحد من مياه المحيطات يوجد به لا أقل من ستة وأربعين ألف قطعة من نفايات البلاستيك. كما أصدر برنامج الأمم المتّحدة لشؤون البيئة بيانا مفاده أنّ نفايات البلاستيك الملقاة في البحار تتسبب في موت أكثر من مليون طائر بحري ومئة ألف من الكائنات البحرية الأخرى. ويبدو أن خطورة هذه النفايات ستتجاوز الكائنات البحرية الى البشر. فلقد صرّح أحد خبراء المحيطات الذي يقوم بدراسة هذه الظاهرة أنّ ملايين الكرات الصغيرة المكونة للبلاستيك واسمها "بيليتس" (pellets) تنتشر في المحيطات وتعمل بمثابة مادة "الاسفنج" فتمتص الملوثات الخطيرة مثل ال "دي.دي.تي." (DDT) ومن ثم تقوم بعض الأسماك بالتهامها, فنقوم نحن بالتهام تلك الأسماك!
ولقد أمست مخاطر مادّة البلاستيك واضحة كالشمس في ضحاها. ولكنّ انتشار استعمالها في كل شيء تقريبا ابتداء من "حفّاظات" الأطفال الى مراكب الفضاء، أجبر العلماء على البحث عن بدائل عضوية لها. ولقد آتت الأبحاث العلمية أكلها وثمارها، حيث تم اكتشاف مواد بلاستيكية طبيعية غير "مسرطنة" كهذه التي نستخدمها الآن. ولقد أصبح في علم اليقين أنّ الشعوب المتقدّمة تخشى البلاستيك وتخطط للخلاص منه.
ولكن مربط الفرس ليس في شمال الحيط الهادئ, بل هنا في جزيرة العرب ! ففي حين تهرب أو تخفض الدول المتّقدمة من الاستثمار في البلاستيك، نسمع أنّا بصدد انشاء معهد لتعليم صناعة البلاستيك لأولادنا ! وفي حين تتجنّب الدول هذه الصناعة المسرطنة، نسمع أننا بصدد انشاء "وادي لصناعة البلاستيك" ! وفي حين تتوجه الاستثمارات الغربية للبحث عن بدائل البلاستيك، تتوجه نحو مائة وخمسين مليار ريال سعودي من أموال المساهمين في البورصة السعودية لشراء شركة بلاستيك أمريكية ! ولقد أمسينا في حيرة من أمرنا ! أقارّة البلاستيك هي الاضافة لعجائب الدنيا ام تصرّفاتنا نحن!؟