نعم قد نكون خرجنا من زمن الصحوة، ومن سطوتها على حياتنا، وخرجنا من عالم الخوف الذي كانوا يمارسونه في الأسواق والمناسبات، ولكن ما نعيشه اليوم من بهجة وفعاليات ومناسبات أعادت المجتمع للحياة لا يعني بالضرورة خلاصنا بالكامل من مُخلفات الصحوة، ولا يعني انعتاق الرقاب من ذلك القيد الذي يُعيق العقل والفكر والنفس، ويَصبغ الحياة بلون أسود لنصف المجتمع وأبيض لنصفه الآخر.
انتهت سطوة الصحوة ولكن لم ينته أثرها؛ فلا تزال تطل علينا من خلال مفاهيم كرستها في ثقافتنا وبها أصبحت المرأة عورة وليست إنسانة، والموسيقى حرام وليس فنا وتهذيبا ونغما جميلا، والغناء حرام، ونسوا أن الشعر موسيقى ونغم.
ولهذا أصبح البعض نتيجة تلك الثقافة والمفاهيم الصحوية يرفضون الفن والموسيقى، ويخافون من مشاركة المرأة بعد أن سلبوها حقوقها، وانتقصوا أهليتها، وارتضوا أن تبقى في البيت عديمة الأهلية، وقالوا بشعار: من البيت إلى القبر.
لا يزال يطل علينا فكر الصحوة حتى في عمل الخير؛ فقد اقتصر عمل الخير لديهم تقريباً على بناء المساجد، أو شربة ماء أو المساعدة في الزواج، في حين أن عمل الخير هو مسؤولية مجتمعية وإنسانية تتعلق بتوفير الحياة الكريمة للإنسان.
عمل الخير قد يتمثل في إنشاء حديقة تتعدى فوائدها الإنسان، لأنها عمل صالح للبيئة والمجتمع والإنسان. التبرع بالوقت عمل خير. إدخال الفرحة والسرور على قلوب الناس عمل خير. وبهذا فإن عمل الخير يتعدى إعطاء المال أو طباعة كتب لا تُضيف للإنسانية شيئاً.
يظهر فكرة الصحوة في مجتمعاتنا من خلال مفاهيم صاغوها ورسخوها عن المرأة والإنفاق والأهلية وعمل الخير والأخلاق واللبس والشراب والأكل والتداوي والرزق والعيب، وغير ذلك من قيم وأخلاق وعادات أصبغتها الصحوة بصبغة دينية، فاختلطت المفاهيم بما هو ديني وإيماني يتعلق بعلاقة الإنسان بربه، وما هو معيشي وحياتي تختلف فيه الأذواق والمشارب.
لقد أحدثت سياسة القطيع التي كرستها الصحوة أثراً خطيراً على الفكر الجمعي؛ فقد أدت هذه السياسات الرافضة للتباين والتفاوت والتقاطع إلى تأصيل كراهية الغير وتكريس المذهبية والطائفية والعنصرية والقبلية وقهر المُخالف وازدرائه وتفسيقه، والحكم على الشكل وليس المضمون والموضوع.
هذه المفاهيم هي التي أسست للقاعدة وداعش وغيرهما. وهي التي أفقدت الفرد عقله وفكره وربطته بقادة الصحوة ومشاهيرها، حتى أصبح الإنسان يطلب حكم النوم والشرب واللعب، وحكم تفاصيل الحياة في مجملها من هؤلاء.
إن الضرر الذي لحق الفكر الجمعي من جراء الصحوة كبير وخطير، ولا يجوز الاستهانة به؛ فلا يزال كثيرون يعيشون في داخلهم مفاهيم الصحوة وثقافتها. هذه الثقافة التي اعتادت تحريم الفرح والترويج للحزن وتأنيب الضمير على كل متعة.
وهو ضرر جم لحق بالفكر يجعل صاحبه في دوامة منظومة الحلال والحرام التي نسجوها وأحكموا شباكها، وهي في حقيقتها صناعة بشرية صنعها الإنسان لحكم الإنسان الآخر، وهي بعيدة عن الإيمان والعلاقة الروحية بين الإنسان والخالق.
نحتاج إلى إعادة تثقيف وتنوير مجتمعنا، لأن هذه الثقافة الصحوية والمفاهيم التي غرستها لا تُفرق بين متعلم وغير متعلم، ولا بين من يحمل شهادات علمية أو أكاديمية وغيرهم، وقد نجد أناسا بسطاء لم يتلوث فكرهم بفيروس الصحوة.
إن الجهات المسؤولة عن الثقافة والتعليم والإعلام وغيرها من الجهات المعنية بالوعي والثقافة والتعليم مطلوب منها وضع خطة واضحة وشاملة لإعادة الوعي وتصحيح المفاهيم ومعالجة الضرر الجسيم الذي خلفه فكر الصحوة ومفاهيم الصحوة.
* كاتب سعودي
@osamayamani
yamani.osama@gmail.com
انتهت سطوة الصحوة ولكن لم ينته أثرها؛ فلا تزال تطل علينا من خلال مفاهيم كرستها في ثقافتنا وبها أصبحت المرأة عورة وليست إنسانة، والموسيقى حرام وليس فنا وتهذيبا ونغما جميلا، والغناء حرام، ونسوا أن الشعر موسيقى ونغم.
ولهذا أصبح البعض نتيجة تلك الثقافة والمفاهيم الصحوية يرفضون الفن والموسيقى، ويخافون من مشاركة المرأة بعد أن سلبوها حقوقها، وانتقصوا أهليتها، وارتضوا أن تبقى في البيت عديمة الأهلية، وقالوا بشعار: من البيت إلى القبر.
لا يزال يطل علينا فكر الصحوة حتى في عمل الخير؛ فقد اقتصر عمل الخير لديهم تقريباً على بناء المساجد، أو شربة ماء أو المساعدة في الزواج، في حين أن عمل الخير هو مسؤولية مجتمعية وإنسانية تتعلق بتوفير الحياة الكريمة للإنسان.
عمل الخير قد يتمثل في إنشاء حديقة تتعدى فوائدها الإنسان، لأنها عمل صالح للبيئة والمجتمع والإنسان. التبرع بالوقت عمل خير. إدخال الفرحة والسرور على قلوب الناس عمل خير. وبهذا فإن عمل الخير يتعدى إعطاء المال أو طباعة كتب لا تُضيف للإنسانية شيئاً.
يظهر فكرة الصحوة في مجتمعاتنا من خلال مفاهيم صاغوها ورسخوها عن المرأة والإنفاق والأهلية وعمل الخير والأخلاق واللبس والشراب والأكل والتداوي والرزق والعيب، وغير ذلك من قيم وأخلاق وعادات أصبغتها الصحوة بصبغة دينية، فاختلطت المفاهيم بما هو ديني وإيماني يتعلق بعلاقة الإنسان بربه، وما هو معيشي وحياتي تختلف فيه الأذواق والمشارب.
لقد أحدثت سياسة القطيع التي كرستها الصحوة أثراً خطيراً على الفكر الجمعي؛ فقد أدت هذه السياسات الرافضة للتباين والتفاوت والتقاطع إلى تأصيل كراهية الغير وتكريس المذهبية والطائفية والعنصرية والقبلية وقهر المُخالف وازدرائه وتفسيقه، والحكم على الشكل وليس المضمون والموضوع.
هذه المفاهيم هي التي أسست للقاعدة وداعش وغيرهما. وهي التي أفقدت الفرد عقله وفكره وربطته بقادة الصحوة ومشاهيرها، حتى أصبح الإنسان يطلب حكم النوم والشرب واللعب، وحكم تفاصيل الحياة في مجملها من هؤلاء.
إن الضرر الذي لحق الفكر الجمعي من جراء الصحوة كبير وخطير، ولا يجوز الاستهانة به؛ فلا يزال كثيرون يعيشون في داخلهم مفاهيم الصحوة وثقافتها. هذه الثقافة التي اعتادت تحريم الفرح والترويج للحزن وتأنيب الضمير على كل متعة.
وهو ضرر جم لحق بالفكر يجعل صاحبه في دوامة منظومة الحلال والحرام التي نسجوها وأحكموا شباكها، وهي في حقيقتها صناعة بشرية صنعها الإنسان لحكم الإنسان الآخر، وهي بعيدة عن الإيمان والعلاقة الروحية بين الإنسان والخالق.
نحتاج إلى إعادة تثقيف وتنوير مجتمعنا، لأن هذه الثقافة الصحوية والمفاهيم التي غرستها لا تُفرق بين متعلم وغير متعلم، ولا بين من يحمل شهادات علمية أو أكاديمية وغيرهم، وقد نجد أناسا بسطاء لم يتلوث فكرهم بفيروس الصحوة.
إن الجهات المسؤولة عن الثقافة والتعليم والإعلام وغيرها من الجهات المعنية بالوعي والثقافة والتعليم مطلوب منها وضع خطة واضحة وشاملة لإعادة الوعي وتصحيح المفاهيم ومعالجة الضرر الجسيم الذي خلفه فكر الصحوة ومفاهيم الصحوة.
* كاتب سعودي
@osamayamani
yamani.osama@gmail.com