-A +A
ابتهاج عدنان منياوي- جدة
الطلاق في سني الزواج الأولى أمر عادي يحدث كل يوم في المجتمع ولكن الطلاق الذي يقع في خريف العمر بين الزوجين بعد عشرة 30 أو 40 سنة هو الذي يستحق وقفة متأنية لبحث اسبابه ودوافعه وما يترتب عليه من آثار سالبة. «قضايا حواء» تفتح هنا ملف «طلاق خريف العمر» الذي يعتبره المتخصصون خللا في النسيج الاجتماعي تجب مواجهته بشتى وسائل التوعية. في الاستبيان الذي أجرته «عكـاظ» على موقعها الالكتروني حول هذا النوع من الطلاق كشف ان 71.4% يحملون الرجل مسؤولية انهاء هذه العلاقة بعد كل هذه السنين في حين يرى 28.6% من أفراد العينة ان المرأة تتحمل مسؤولية هذا الطلاق.وبداية.. هذه قصص واقعية لنساء تم طلاقهن بعد عشرة زوجية دامت عشرات السنين:
انتهى عمرها الافتراضي
فضيلة عبد الحميد (أم وجدة تزوجت منذ 31 سنة) تحكي قصتها: تقول تزوجت رجلا يكبرني بقليل وأنجبت له خمسة أبناء وبنتا وعشت معه بما يرضى الله وقمت بواجبي على أكمل وجه، كبر الأبناء وربيتهم تربية صالحة إلى أن أصبح ابني الكبير طبيبا يحضر الزمالة في ألمانيا والبقية في الجامعات حتى البنت قمت بتزويجها العام الماضي وأنجبت لي حفيدة هي كل حياتي، وتضيف أم سامر -كما تحب أن ينادوها- بدأت مشاكلي مع زوجي في السنوات العشر الأخيرة اذ لم يعد ذلك الزوج الذي عرفته وعاشرته، أصبح يتذمر من كل شيء مني ومن الأولاد ودائما ما ينعتني بأنه قد انتهى عمري الافتراضي، لا اخفي أنني تغيرت من حيث الشكل والحالة الصحية لكن هذه سنة الحياة وازداد الفتور والتوتر إلى انتهينا من زواج ابنتنا ليفاجأ ابني الأكبر باتصال من والده في ألمانيا يخبره برغبته في الانفصال عني وانه سيتزوج من فتاة من جنسية عربية مقيمة في البلد طبعا صعق ابني وحاول معه لكن دون فائدة والمحزن انني معه في نفس البيت ولم يكلف نفسه أن يخبرني بهذه الرغبة بعدها اخبر بقية ابنائي وطلبهم بإخراجي من البيت والبحث لي عن بيت آخر وحدث الطلاق بعد 31 سنة ساءت حالتي النفسية وبدأت أخجل من المجتمع كوني جدة ومطلقة، لم يتذكر زوجي السابق «أب ابنائي» أي محطة من محطات هذه الرحلة الطويلة واستطاع أن ينهيها بسهولة!
نصف قرن
«مريم» لها أربعة أبناء أكبرهم عمره 44 سنة تحكي قصتها مع الطلاق وتقول: كنت اعتقد أن الطلاق هو مشكلة الشباب لكن فوجئت بعد 48 سنة بطلاقي من زوجي الذي برر هذا الانفصال بقوله انه مريض ولا يرغب في أن يعيش حياة صاخبة مع الأبناء والأحفاد ومشاكلهم وقضاياهم وقد بدأ في الانعزال من 15 سنة فهو يعيش في غرفة وأنا في غرفة لكننا في نفس البيت ومع ذلك طلب منى مغادرة البيت وان انتقل للعيش مع ابني الأكبر وأن مصروفي سيصلني شهريا لكنني صدمت عندما أبلغني أولادي بأنه طلقني في المحكمة انتقلت بعدها للعيش مع ابني وبصراحة لم ارتح معه ففضلت أن أعيش مع ابنتي في منزلها ولكن لا ازال أتجرع في كل لحظة الألم من موقف زوجي الذي تزوجني وعمري 15 سنة وعشت معه أكثر مما عشت مع أهلي لكن الزمن الذي نعيشه اختلفت فيه القيم وأصبح كل شخص يبحث عن نفسه بغض النظر عن الآخرين!
خيانة زوجية
حليمة (لها ثلاثة أبناء طلقت بعد عشرة دامت 38 سنة) تقول: أنا التي طلبت الطلاق بعد هذه السنين والحمد لله إنني صبرت على سوء زوجي هذه الفترة الطويلة فلم أكن أريد أن أشتت ابنائي وأدخلهم متاهات هم في غنى عنها لذلك اخترت أن أتحمل سوء عشرته وخيانته المتكرره وأشياء أخرى إلى أن انتهى آخر ابنائي من مرحلة الثانوية والتحق بالجامعة بعدها طلبت منه الانفصال لأعيش بهدوء بقية حياتي دون أن اشعر أن كرامتي تهدر وأنا في هذه السن المتأخرة من العمر!
الى ذلك تعلق د.عفاف زقزوق (صاحبة مركز للاستشارات الاجتماعية والعلاقات الزوجية والأسرية) معتبرة الطلاق من الظواهر التي يعاني منها المجتمع ولم يستطع الحد منها حتى الآن وأما قضية الطلاق في خريف العمر فقد سجلت المحاكم حتى الآن ارتفاعا في حالات الطلاق للزواجات التي استمرت أكثر من 30 سنة وأسبابها متعددة منها الخلافات الحادة بين الرجل والمرأة واستحالة التفاهم بينهما وهي ظاهرة منتشرة في كل المجتمعات وليست محصورة في طبقة بعينها تبعا للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي ساهمت في زيادة معدلاته إلى جانب الاختلاط وسيطرة المادة وتراجع القيم الاجتماعية والتقليدية، وتضيف د.عفاف لقد أصبح الزواج مجرد عملية اقتصادية أكثر منه عملية اجتماعية فهذه التغيرات الاجتماعية تمثلت في زيادة فرص عمل المرأة وظهور دعاوى المساواة بين الرجل والمرأة والمطالبة بما يسمى حقوق المرأة ماجعل العلاقة المستقره تعاني من الاضطراب والخلل، فالدعاوى البراقة كثيرا ما تخدع المرأة فتجعلها تتنازل في مقابل حقوقها المزعومة عن أسرتها واستقرارها أو ما يحدث من تغيير الادوار داخل الأسرة فحتى الـ30 عاما الماضية كان الزوج يقود الأسرة بسلام وهدوء هذا من جهة ومن جهة أخرى كان الرجل هو القائد وما على المرأة إلا الانصياع له كما ساهمت المتغيرات الثقافية في زيادة معدلات الطلاق في المجتمع..
مسؤولية الثقافة النسائية
إحسان طيب الناشط الاجتماعي يرى أن الثقافة النسائية في المجتمع دائما ما تكرس لمفهوم أن المرأة بعد سن الستين تقل أواصر الترابط بينها وبين زوجها وتنشغل بالأبناء والأحفاد وكأنها تحدد استمرارية علاقتها بزوجها باستمرارية الخصوبة وبالتالي فهي تشعر أنها في مسؤولية جديدة تتطلب منها الانغماس فيها والاهتمام بها وهي الأبناء والأحفاد ومشاكلهم وهمومهم وهذه الجزئية يمكن أن توّلد مشاكل أو تنافرا بين الزوجين وتسبب طلاقا لكن الأسر المتماسكة لا تنتهي أو تفتر علاقتها بانتهاء مرحلة الشباب ذلك أن التجانس الروحي مطلوب بين الأزواج وهو ما يساهم في استمرار الحياة وهذه الجزئية تظل مفقودة في ثقافتنا.. أيضا الرجل لا يدرك أن المرأة تمر بمراحل وتختلف مسؤوليتها فهو يريدها أن تستمر في نضارتها والحصول على وقتها الكلي وهذا لايمكن لأنه يجب أن يتنازل عن بعض الوقت لتعتني زوجته بمن يحبهم وهنا لابد أن نؤكد على استمرارية العلاقة الروحية والحوار بين الزوجين في كافة مراحل العمر كي لاتتعثر في مرحلة وتنتهي ذلك أن بداية الفتور يمكن أن يسبب تنافرا وتبعيات تؤدي للطلاق الذي يقسم الأسرة وفي هذه المرحلة يكون التنازع في قضية الأبناء ليس على الولاية وإنما على الولاء فالكل يريد أن يكسب ولاء أبنائه ويشعرهم بأنه على حق وهذا يؤدي إلى خلق أحزاب بين الإخوة داخل العائلة الواحدة إلى جانب تدهور الحالة النفسية والاقتصادية والاجتماعية للمرأة فنحن لا نزال مجتمعا يعتمد على الرجل.
كسر نفسية المرأة
الإعلامية والناشطة الاجتماعية هيفاء خالد صاحبة مبادرة الطلاق السعودي التي خصصت له موقعا الكترونيا وأطلقتها تزامناً مع اليوم العالمي للمرأة، ترى أن الطلاق بحد ذاته يكسر نفس المرأة، وقد جبر الإسلام هذا الكسر، كما ورد في السنة، بنفقة المتعة، غير أننا نجد نساء يفاجأن به بعد مرور فترة حياة زوجية قد تصل إلى ثلاثين سنة، وفجأة وبدون مقدمات خارج إطار العلاقة الزوجية.. دون أن يتم تأمين مكان إقامتها ونفقاتها وكيف ستعيش.. ماتبقى لها من عمر، اعتقد أنه لابد من وقفة حقيقية لإنصاف النساء وإعادة النظر في آلية الطلاق بما يكفل حقوقهن الشرعية التي أوجب الله كفالتها لهن.
ونحن للأسف نجد أن هناك رجالا استغلوا حق الطلاق باستخدامه بطريقة ظالمة للمرأة والأبناء، بعضهم بقصد وبعضهم بجهل، فنجد الرجل متى ما أراد أن يتخلص من هذه المرأة ذهب للمحكمة وطلب إصدار صك طلاق واستعان برجلين شاهدين، لا يعلمان حقيقة ما سيشهدان عليه.
والسؤال هنا.. أين هذه المرأة، وأين حقها بالعلم بالطلاق وحقها بسؤالها عن حالها فيما يتعلق بالطهر والحمل وغيره، وأين حقها في تأمين حياتها فيما بعد الطلاق.. كل هذه الأسئلة تعود بنا لضرورة إصدار نظام يكفل للمرأة حقوقها.فهناك نساء اكتشفن فجأة صكوك طلاق لهن من أزواجهن صدرت دون علمهن في حين أن العلاقة الزوجية بين المرأة وبين زوجها لا تزال قائمة لأشهر أو ربما سنوات من تاريخ هذه الصكوك! وهناك نساء صدرت بحقوقهن صكوك طلاق وأسقطن من بطاقة الأحوال رغم أنهن حوامل ولا يخفيكم أن المستشفيات لا تتعامل إلا مع الأب أو إن تساهلت فمع دفتر العائلة لتسهيل إجراءات الولادة ولا يمكن إقناعها بأن الولد للفراش وبالتالي لا تقبل التوليد بالاستناد على صك الطلاق!
إضافة إلى من تتعرض للابتزاز من قبل الأزواج فيما يتعلق بالنفقات ويتم تخييرها بين الحصول على النفقة وبين حضانة الأبناء، في حين أن الشرع كفل لها النفقة والحضانة مالم تتزوج.
وهناك نساء مطلقات شرعياً لكنهن رسمياً زوجات، فنجدها أما تضطر لمعاشرة الزوج للحصول على النفقة الشهرية أو نجدها معلقة لا تجد من يشعر بحاجتها للخلاص من هذه المعاناة!
أسباب الطلاق
د. محمد السليماني بقسم علم النفس بجامعة أم القرى علق على القضية بقوله: الزواج عقد مبني على اتفاق يمكن العدول عنه، حيث لا يأخذ صورة العقد المطلق الذي لا رجعة فيه. والطلاق هو وليد ظاهرة الزواج، حيث يعد مظهراً للحياة الزوجية التي ينعدم فيها التكيف بأي شكل من الأشكال. وهو ظاهرة اجتماعية عرفتها المجتمعات القديمة منها والحديثة. وهو نتيجة تفاقم الخلافات بين الزوجين بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى الحد الذي يتوقف فيه كل توافق، ولا تكون ثمة سبيل إلى التراضي أو العيش معاً، أو الصورة إلى الحياة الهادئة، وعندما تصل أسباب القناعة إلى الحد الذي يشعر فيه أحد الطرفين أو كلاهما معاً بأنه لا مكان للإبقاء على رابطة لا تجلب إلا الهم والشقاء، فإنه تظهر فكرة الطلاق في ذهن أحد الطرفين أو كلاهما باعتباره الحل الأول والأخير لفصل هذه العلاقة. ونود أن نشير هنا إلى أن هناك مجموعة من العوامل والأسباب الظاهرة والكامنة وحتى تؤدي إلى زيارة أو نقصان احتمال حدوث الطلاق ومن الصعوبة بمكان تناول جميع هذه العوامل، ولكن يمكن أن نعرض بعض هذه العوامل من حيث أهميتها الاجتماعية أو النفسية ضمن عوامل معينة تتلخص في ضعف الوازع الديني أو تجاهله: حيث ينظر إلى الزواج بأنه عقد تتحكم فيه العاطفة الشخصية، حيث يمكن فضه متى شاء الإنسان أو إذا انتفت أسبابه، كما أن التغيرات الاجتماعية التي تعرض لها المجتمع مثل ارتفاع مستوى تعليم المرأة، فالمرأة المتعلمة نادراً ما تقبل ارتباط زوجها بأخرى. كما أن عمل المرأة واستقلالها اقتصاديا قد يدفع بها إلى نشوات التحرر من قيود الزوجية والاعتماد على الذات. إضافة إلى المتغيرات التي طرأت على القيم فيما يتعلق بالزواج والطلاق حيث أصبحت المفاهيم السائدة في أن الارتباط أو الانفصال هو أمر خاص بالطرفين وحدهما، وعزز ذلك اجتماعياً وقلت نظرة الازدراء نحوه، وأصبح سلطان كبار السن من الأقارب وفاعلو الخير ضعيفاً إن لم يكن معدوماً. كما أصبحت كلمة مطلقة/مطلق لا تثير النفور أو العار الاجتماعي كما كان سابقاً ولا يقلل هذا المفهوم من مكانتهما اجتماعياً، فكلما كان الفرد متمسكاً بالقيم الإسلامية والاجتماعية السليمة كان أكثر انضباطاً في إصدار حكم الطلاق.

غياب المسؤولية


سهام بخاري باحثة اجتماعية تعلق على القضية متطرقة للأسباب التي ساهمت في ظهور حالات للطلاق بعد سنوات زواج تتعدى 30 سنة بقولها أهم الأسباب هي تخلي الرجل عن بعض مسؤولياته وتحمل المرأة كامل المسؤولية في تربية الأولاد ومسؤولية البيت ومطالبته لها بالإضافة لمسؤولياتها بكامل حقوقه وعدم تقدير وضعها واتهامها بأنها غير زوجة صالحة في حالة حدوث أي تقصير وهذا يمكن أن يحدث تراكمات يمكن أن تجعل الحياة تنتهي بعد انتهاء مسؤولية وتحملهم مسؤولية أنفسهم أيضا هناك بعض الرجال الذين لاتتوفر فيه القناعة بالزوجة فيما يخص التغيرات التي يمكن أن تطرأ مع مرور الزمن خاصة بعد تخطي سن الأربعين فينظر الرجل الى من هي أصغر من الزوجة وكأنه شاب في العشرين وينسي انه هو في خريف العمر أيضا! وهذا قد يعود الى الانفتاح الزائد عن حده ولا ننسى دور القنوات الفضائية وتأثيرها على قناعة الرجل وتوليد مقارنة بين الزوجة وما تبثه هذه القنوات.وتشير سهام انه بالنظر في السابق نجد أن الطلاق كان شبحا مخيفا للمرأة في سن الأربعين بخلاف الوقت الحالي فقد أصبحت ظاهرة أن تتزوج المرأة عدة مرات أمر عادي ولا يهمها عمر من ستتزوجه لو كان من سن أولادها وأيضا زواج المسيار سهل للمرأة موضوع الطلاق وعدم الخوف من عدم وجود رجل في حياتها وحصول الطلاق أمر خطير على الأسرة وعلى المجتمع حيث ينشأ جيل مستهتر لا يتحمل المسؤولية لا يدرك معنى التكاتف والألفة والمودة.

آثار الطلاق


• الشعور بالفشل في الحياة الزوجية وما يلحق بها من ضياع عاطفي واجتماعي وما قد يلحق بالمجتمع من ضرر عيني أو معنوي.
• الشعور بالوحدة يصعد الشعور بالخوف وعدم الأمان.
• تذبذب وخلل الحياة الزوجية يربك الأبناء في حالة غياب القدوة التي تشكل عاملا هاما في النسيج العائلي.
• الحرمان من التمتع بإيجابيات المرحلة العمرية وما يصاحبها من الانفصال من الأحقاد والتواصل.
• تراكم الاضطرابات من الضغوط النفسية بين الزوجين تؤثر على الحالة النفسية وتؤدي إلى الإصابة بالقلق والاكتئاب والتشاؤم.