-A +A
سمير عابد شيخ
يتعرّض سوق العمل لدينا لضغوط متنامية جرّاء تخرّج أعداد متزايدة من الشباب وبحثهم عن وظائف في القطاعين العام والخاص. تتزامن هذه الضغوط مع انفتاح اقتصادنا وتعرّضه لمنافسات دولية شديدة تقتضي تخفيض تكلفة الانتاج لدينا لنكون أكثر تنافسا مع الآخرين. وتخفيض التكلفة قد يعني تخفيض مرتّبات الموظّفين أو استقدام أيدٍ عاملة من الخارج. وهذان أمران أحلاهما مر، لأنّهما سيضرّان بدخل الشباب في المستقبل! فاذا أضفنا الى هذه الخلطة، اشتعال أسعار المواد الغذائية التي سيتبعها ارتفاع أسعار معظم السلع، سيجد شبابنا أنفسهم أمام تحدّيات شديدة التعقيد مستقبلا.
فعندما يتخرّج الشاب من الجامعة، سيكون محظوظا اذا وجد وظيفة في احد القطاعين العام والخاص.

وسيتفاوت حظّه بميزات الوظيفة التي سيحصل عليها. فإمّا أن يعمل في البنوك التي ما زالت ترقص على أشلاء ضحايا البورصة، أو في الشركات المساهمة التي تنام على مستودعات من أموال المواطنين. وفي كلتا الحالتين ستكون المرتبات أعلى في هذين القطاعين. ولكن هذان القطاعان لن يستوعبا كافّة الشباب وسيكون هناك من يعمل في وظائف بسيطة برواتب قد تنخفض حتى ألف وخمسمائة ريال. ولنبسّط الأمر فنقول إنّ معدّل مرتبات الشباب السعوديين ستكون في حدود الخمسة آلاف ريال تقريبا.
ولنفترض أنه بمرور عامين أو ثلاثة سيتزوج ذلك الشاب وسيبلغ راتبه ستة آلاف ريال عندما يكون لديه طفلان مثلا. فكيف سيتعامل رب الأسرة الصغيرة هذه مع متطلّبات الحياة وكيف يكون مستقبله؟!
دعونا الآن ننظر في المتطلّبات الأساسية لهذه الأسرة، فإذا كان إيجار الشقّة نحو عشرين ألف ريال، سيدفع الشاب نحو 1700 ريال ايجارا شهريا يضاف اليها 300 ريال فاتورة كهرباء وهاتف. ونظرا لارتفاع أسعار المواد الغذائية سيدفع 2000 ريال أخرى. وسيدفع نحو 750 ريالا قسط سيّارة. وسيدفع 2000 ريال قسط مدارس. وحوالي 500 ريال ملابس ونثريات و500 ريال أخرى للعلاج.. المجموع 7750 ريالا. وبهذا يكون الشاب مدينا بمبلغ 1750 ريالا شهريا أي نحو واحد وعشرين ألف ريال في السنة. وإذا ما افترضنا أنّ هذه الأسرة ستأخذ اجازة شهرا واحدا في السنة حتى ان كان "في ربوع بلادي" سيكلّف هذا عشرة آلاف ريال أخرى. وبذلك ستنهي هذه الأسرة تلك السنة بديون تتجاوز الثلاثين ألف ريال.
وبما أنّ ارتفاع الأسعار يتجاوز بمراحل ارتفاع المرتّبات، فإن مصاريف هذه الأسرة لا بد أن ترتفع بنسبة لا تقل عن 10% سنويا مما سيؤدي حتما لزيادة الديون والعبء المالي على هذه الأسرة وأمثالها. فلنتخيل سويا الحالة النفسية لتلك الأسرة ومعنويات أفرادها.
ولنضع أنفسنا برهة في مكان رب الأسرة ذاك، فإمّا أن يبحث عـن عمل آخر، وهذا أمر قد يطول او يصعب في ظروف سوق العمل. أو أن تتزايد ديونه ويسعى للاقتراض من البنوك عندما يوصد معارفه أبوابهم دونه. أو أن يشتبك مع زوجته ويلحقها بمنزل أبيها لأنّه لا يتحمّل مصاريفها وأولادها. وهذا أمر نراه يحصل كثيرا لأن الضغوط المادية تفتك بكثير من الأسر. أو يسلك طريقا للكسب الحرام لا سمح الله!
وهذا أمر فيه تفصيل كما يقول علماؤنا الأفاضل.
فهناك نوعان من الفساد: فساد نابع من الحاجة أو الاطرار وآخر مبعثه الطمع والجشع والبطر. ومن المؤسف حقيقة أنّ الفساد الأول الذي قد يكون محتملا نسبيا قد يقود الى الفساد الثاني..
ذلك لأنّ التعود على الحرام واكتساب مهارته تيسّر سبله والعياذ بالله.
وعليه فإن هذا المجتمع الذي نعيش فيه، وهو بفضل الله أفضل من مجتمعات أخرى، لا بد له أن يواجه هذه التحديات ويطرح حلولا عملية قبل وقوع ما لا يحمد عقباه لا سمح الله.
Samirabid@Yahoo.com