-A +A
طارق على فدعق
كان طولها يعادل ثلثي طول "اللاندكروزر"...ووزنها يعادل حوالى ضعف "الهايلكس"...ولونها أسود يشع بالشر...ولكنها اشتهرت باسم "الورع الصغير"...قنبلة واحدة في طائرة واحدة...صنعت تاريخ الغارات البشرية...فى صباح السادس من أغسطس 1945 هوت لمسافة حوالي عشرة كيلومترات نحو هدفها المدني...واستغرق سقوطها حوالى أربعين ثانية...فترة أداء التشهد تقريبا...ثم انفجرت على ارتفاع خمسمئة متر فوق هيروشيما للتسبب في قتل حوالى مئة وأربعين ألف إنسان ...وبعدها بثلاثة أيام، وفي غارة مماثلة من نفس طراز الطائرات ألقيت قنبلة مختلفة في تركيبتها وشكلها، واسمها "الرجل البدين" وكانت مماثلة للأولى في قوتها، فبمجرد انفجارها فوق مدينة ناجازاكي قتلت أكثر من تسعين ألف إنسان... هاتان الغارتان أقفلتا الملف العسكري لعمليات الحرب العالمية الثانية...ولكن أكثر الغارات تعقيدا كانت غارة إنجلترا على قاعدة "ستانلي" في مطلع حرب الفولكلاند في جنوب المحيط الأطلسي عام 1982 بعدما احتلتها القوات الأرجنتينية ...موقعها في آخر الدنيا إن صح التعبير...أنزل إلى أقصى أمريكا الجنوبية ثم لف يسار...وفى تلك الجزيرتين (الفولكلاندز الشرقية والغربية) أرادت حكومة مارجريت ثاتشر الإنجليزية أن تثبت لحكومة جالتييري الأرجنتينية أن لديها القدرة على الوصول إلى الجزر المعنية لاستردادها بالقوة، وأرادت أيضا أن تحجب استعمال المطار في الجزيرة من قبل القوات الأرجنتينية المحتلة...المشكلة أن الفولكلاند كانت تبعد عن أقرب قاعدة إنجليزية بحوالي 13000كيلومتر...المسافة من جدة إلى سان فرانسيسكو تقريبا... فأصبح التحدي هو كالتالي: كيف ترسل قاذفات قنابل لضرب المدرج اليتيم في مطار جزيرة ستانلي في الفولكلاند والعودة بسلام وبدون استخدام قواعد أمريكية؟...وهناك المزيد... فكانت القوات الجوية البريطانية قد أحالت معظم قاذفاتها الثقيلة على التقاعد نظرا لتقادم عمرها وارتفاع تكلفة صيانتها...ولم تكن القوات البحرية الملكية البريطانية قد تحركت بعد من قواعدها باتجاه الفولكلاند لبداية الحرب...وهنا بدأ التخطيط لإحدى أصعب الغارات في تاريخ البشرية...طائرة واحدة من طراز "أفرو فولكان" العتيقة...عشرة أطنان من القنابل...وخمس عشرة طائرة للتموين بالوقود في الذهاب والإياب...تسعون ملاحا...أربعون طلعة طيران...حوالى سبعمئة ألف كيلوجرام من الوقود...وسبع عشرة عملية تموين بالوقود جوا من مجموعة طائرات تموين إلى مجموعة أخرى إلى مجموعة أخرى...كلهن يزودن بعضهن بالوقود بهدف تمديد مدى القاذفة الوحيدة في المجموعة لتضرب هدفها ثم تعود... وتمون بالوقود أثناء عودتها ...وفى العودة تقابلها اخواتها لتمونها بالوقود جوا كما جاءت...ولكن لكي تصلها طائرات التموين فلابد أن تقابلها طائرات تموين ضمن المجموعة لتمونها...حوالي ست عشرة ساعة طيران من الحسابات المعقدة جدا...وبالرغم من هذه التعقيدات، فهناك غارات من نوع آخر تحتوي على الإبداع في الهجوم والفعالية، وتدور حولنا يوميا في عالم الحشرات، ففي مجتمعات النمل مثلا تشن مجموعات كبيرة غارات مدروسة على مجموعات أخرى للخطف والاستعباد...وبعضها للقتل والإبادة... وبعضها للاستيلاء على الأرض...وفى الواقع فلو كان للنمل تقنيات الحرب النووية فمن الصعب أن نتخيل أن يبقى مخلوق حي على الأرض... والحمد لله على ألطافه التي لا تعد ولا تحصى.
* أمنيــــة :

هناك غارات من نوع آخر يحتاجها العالم اليوم...غارات تهاجم مشاكل إنسانية نتمنى معالجتها وتمثل تحديات تحتاج إلى وقفات جادة، ومجابهات صريحة، ولكنها تحتاج إلى متابعة كالغارات المذكورة أعلاه...لنتذكر زيارة خادم الحرمين الشريفين لمنطقة الفقراء في الرياض في رمضان 1423 التي أعلن من خلالها موقفا تاريخيا مشرفا في الحرب على الفقر في وطننا...أتمنى أن نرى غارات مشابهة في الحرب على التلوث البيئي، والفساد بجميع أشكاله وأنواعه.
والله من وراء القصد.