-A +A
سمير عابد شيخ
يقولون إنّ الاقتصادي الذكي هو الذي يستطيع أن يبرر خطأه المرّة تلو الأخرى! وهذا ما تم بالفعل بعد انهيار سوق الأسهم في فبراير2006م! وأخشى أن يكون هذا النّمط من الذّكاء ما زال مسيطرا على ساحة الأسهم اليوم. فبعد كل انخفاض جديد غير مبرر في سوق الأسهم، يطلع منجمو الأسهم على الشّاشات الفضّية ليصرفوا شيكات جديدة من المبرّرات التي ليس لها رصيد! ولكنّ الانسان ذاكرته قصيرة، فسرعان ما نلهث إلى بوّابات البنوك الأنيقة لنكتتب من جديد متذرعين بحرفي التمنّي "عسى ولعلّ"!
فلقد برر منجمو الأسهم الانهيار الكبير بعدد من الأسباب منها عدم وجود عمق للسوق. والمقصود بذلك هو أنّ محدودية عدد الشركات المتداولة، تجعل السوق لقمة سائغة في بطون "الهوامير". فإذا قمنا بتكبير السوق أو تعميقه، يصبح التهامه أصعب من ذي قبل. وهذا الكلام صحيح ولكن في الجامعات واستوديوهات الفضائيات فحسب! والسبب في ذلك انّ الهوامير أصبحوا لا ينتظرون طرح الأسهم في السوق، ولكّنهم أمسوا هم "الدّايات" الذين يساعدون على ولادتها وتسعيرها بما يعمّق جيوبهم وليس البورصة المظلومة!

ولأجل توضيح الأمر، دعونا نستعرض أسماء الشركات المسجّلة في سوق الأسهم دون تحديد شركة بعينها. سنجد أنّها إمّا شركات تم تأسيسها وطرحها مباشرة في السوق دون وجود كيان أو وجود سابق لها! أو أنّها شركات كانت موجودة (في صورة شركات ذات مسؤولية محدودة أو مساهمة مغلقة من قبل) ثم قامت بعد استيفاء بعض الشروط التنظيمية بطرح أسهم للمواطنين! فالنمط الأول الذي لا سابقة لوجوده يبني مستقبله على دراسات جدوى قد تكون ممتازة ولكنّها في نهاية المطاف لا تعدو أن تكون دراسات وليست وقائع أو تقارير أداء حقيقي. وباعتراف مكاتب الخبرة المصدرة لهذه الدراسات، ستبقي هناك عناصر مخاطرة تفرضها عليهم طبيعة السوق المحلي ومتغيرات الأسواق العالمية.
فلو افترضنا أنّ شركة جديدة توجهت الى بنك ليموّل رأس مالها، لطلب البنك أن يضع الشركاء من جيوبهم نسبة معتبرة من رأس مال الشركة ليطمئن إلى جديتهم وحسن إدارتهم. عندها سيتم التمويل ولكن بثمن! فلو احتاجت الشركة ألف مليون ريال مثلا، سيطلب منها البنك دفع نحو خمسين مليون أخرى تكلفة للتمويل. وعندها ستكون الشركة في منتهى الجدية والحذر، لأنها ستدفع تلك الملايين في التاريخ المحدد. وللخروج من هذه الضغوط المالية والتبعات القانونية، تطرح الشركة أسهمها للاكتتاب فتحصل على ما تريد من الأموال دون التزام بحسن أداء أو مردود محدد للمساهمين المساكين.
أمّا اذا تناولنا النمط الآخر وهو الشركات التي تمارس أنشطتها منذ سنوات وتطرح أسهمها للجمهور، فلنتساءل اولا عن أسباب طرح أسهمها للجمهور! هل الحافز الأكبر مثلا أن أصحاب هذه الشركات يشعرون بالعطف والرحمة على ضعوف المواطنين، ويريدون اشراكهم في ثرواتهم! وللإجابة على هذا السؤال، أحيلكم الى أرصدة هذه الشركات وأصحابها في البنوك ومدخرات ضعاف المواطنين في علب الحليب! فإذا كانت تلك الشركات الناجحة تطرح أسهما للحصول على المال لتوسيع رقعة نشاطها، فهلاّ طلبت التمويل من البنوك لتعلم كم ستكون تكلفة تلك التوسعة عليها! والإجابة بالنفي طبعا، لأنّ أصحاب معظم الشركات ورؤساءها يعلمون يقينا أنّ المكان الأسهل للحصول على المال هو جيوب المساهمين لأنه سيكون تمويلا ذا تكلفة "صفرية"، أي دون تكلفة عليهم. ولنسأل أنفسنا إذن من هو المستفيد من هذه الاكتتبات المتتالية.. صغار المواطنين أم الشركات المساهمة والسماسرة الجدد الذين يأكلون في الصعود ويأكلون في النزول ويبقى معظم المواطنين ضيوفا على مأدبة جحا يتعشون على رائحة الشواء ويتخللون بأشواك الندم!
Samirabid@Yahoo.com