-A +A
سمير عابد شيخ
قبل أشهر عديدة، أعلن مسجدنا عن انعقاد اجتماع مساء الأربعاء في نادي الحي لطرح موضوع تأسيس مركز للحي أسوة بأحياء أخرى بمدينة جدة.. خلال الاجتماع تحدث الينا أخوان مسؤولان عن مراكز الأحياء، وبتوجيه منهما شكّلنا لجنة لتأسيس المركز المأمول. ولكنّها المرّة الأولى والأخيرة التي رأينا فيها المسؤولين العزيزين! وبعد طول انتظار، أنشأنا لجنة مؤقتة أسميناها (لجنة الظل)! ولقد اخترنا هذا الاسم ليس اقتداء بالتقاليد البريطانية العريقة، لكن لأننا نجتمع عادة في"ظل المسجد" بعد الصلاة.
لم تنضبط اجتماعات اللجنة كثيرا، لأنّ ظل المسجد يقع قرابة الدكان الذي تتناثر حوله علب العصيرات والحلوى الفارغة التي تشير بجوار مركز حضاري، وهي مدرسة خاصّة قبالة الدكّان. ومن لطف الله بنا أنّ زجاجات المرطّبات الفارغة، يلقيها التلاميذ النجباء بعيدا عنّا، تحت الأشجار وعلى أرصفة المدرسة. وبهذه المناسبة، أود أن أسجّل إعجابي بالمدرّسين الذين يطرقون رؤوسهم عندما يرون الزجاجات الفارغة، ليعلموا تلامذتهم دروسا عملية في غض البصر عند رؤية (القوارير)!
غريبة هذه الحارة بالفعل، فلقد تغيّرت وتبدّلت كثيرا خلال العقدين الماضيين؛ إذ كانت في الأصل مخصّصة للمساكن ذوات الطابقين، وتم شراء الأراضي على هذا الأساس، كما تم تخطيط الشوارع على أساس أن عدد السكان وبالتالي عدد السيّارات سيكون محدودا.. وبناء على ذلك التخطيط المعتمد من البلدية حينئذ، حوّلنا مدخّراتنا وثمرة أعمارنا لبناء مساكن لأسرنا. ولكن سرعان ما تبدّلت الأنظمة، وأصبح الحي غابة خرسانية للعمائر، والشوارع الضيّقة مواقف للسيارات. وهكذا أمسى الوصول الى بيوتنا وايقاف سيّاراتنا تحديا يقتضي فنون الحوار مع مستأجري الشقق أو مهارات أخرى لا يليق ذكرها بالقرّاء الكرام!
ولقد كان تغيير أنظمة البلدية ووقعها السيئ على الأحياء في مقدمّة ما سيطرح على مركز الحي لو تأسس! وممّا أضاف القذارة الى الفوضى، هو بعثرة النفايات حول الحاويات الصغيرة التي استبدلت بسابقاتها التي كانت أكبر وأوفى بالحاجة. فإذا ما اختلطت المياه الآسنة المتدفّقة من (بيّارت) العمائر بالنفايات المبعثرة، لوجدنا مناظر وروائح تنفر منها حتى قطط الحارة التي شرعت بعمل رحلات استكشافية لحارات أخرى.
وأمام هذا الوضع المتردّي، كان لا بد من تنشيط (لجنة الظل) للتباحث في هذه الأوضاع المزرية! وكان علينا أن نتساءل عمّا نريد تحقيقه في حارتنا! فتبادلنا الحكايات عن الأحياء التي زرناها داخل مملكتنا الحبيبة وخارجها. وخلصنا الى ضرورة أن ننبذ الأحلام ونكون واقعيين، وتصوّرنا أننا سنكون سعداء اذا تطوّرت حارتنا لتشبه إحدى حارات جنوب آسيا. وأصبحت كلمة السر بيننا هي (زهراء أباد) بدلا من حي الزهراء.
وأعتقد أنّ الحظّ قد أسعفنا هذه المرّة! فلقد رأينا عمائر جديدة أعلى من سابقتها تتعالى على بيوتنا القديمة. وكأنّ التنظيم قد تبدّل مرّة أخرى! ولكن لا بأس بهذا لأنه أصبح يتطابق مع خطتنا الجديدة؛ فلقد أصبحت حركة البناء الجديدة من سائقي آليات البناء الى (البنائين الأحرار) من جنوب شرق آسيا، فإذا انضم هؤلاء الى الحرّاس والسائقين والبائعين، أصبح هؤلاء هم الأغلبية في حارتنا، لهذا فلقد أمسى شغلنا الشاغل هو الحصول على ترخيص لإنشاء معهد لتدريس لغات (البنغال) و(الأوردو) واللغات التطبيقية الأخرى.
وانطلاقا من مبادئ الانفتاح والشفافية، قرّرنا أن نؤسس موقعا على (الانترنت) لنمكّن المدن الأنيقة مثل (مونتي كارلو) و(جنيف) بنقل تجربتنا الرائدة اليهم، كما تقدّمنا الى مؤسسة (جينيس) للأرقام القياسية، طالبين جائزة أوّل حي في تاريخ البشرية ينجح في إعادة ساعة الزمن الى الوراء! وبمجرّد حصولنا على الجائزة، سنعد بتجييرها الى أمانة مدينة جدة.. لا نهضم حقها في هذه الجهود غير المسبوقة دوليا!
Samirabid@Yahoo.com

للتواصل ارسل sms الى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 117 ثم الرسالة