معظم الصحافة المطبوعة في القرن الواحد والعشرين، تحاول إعادة تعريف نفسها ورسم هويات جديدة لها، ويكون ذلك بالتركيز على مسألة اختلافها عن غيرها، في حروف الطباعة والألوان والإخراج، وهذه الممارسات لا تتم لأسباب صحافية أو جمالية، إنما تأتي استجابة لثقافة الاستهلاك والتسويق المسيطرة على أخبار الإعلام، والثانية أصبحت تنظر للقارئ باعتباره زبوناً او مستهلكاً محتملاً وتتعامل معه بمعايير تجارية بحتة، قد لا تدخل فيها الأخلاق أو الأيديولوجيا السياسية أو الاجتماعية، وأكدت أبحاث التسويق الصحافي أن التجديدات في شكل ومضمون الجريدة، لا تحركها رغبات مهنية في أحوال كثيرة، وأنها محكومة بمبدأ العرض والطلب، وإقبال الجمهور وزيادة الإعلان، وطريقة إخراج الجريدة والعلاقة البصرية بينها وبين القارئ، لم تفرد لها مساحات تذكر في اهتمامات المجتمع الأكاديمي المعني بدراسة الصحافة، رغم أنها ناقل أمين ومؤثر للأفكار والانطباعات، ولها دور مركزي في استقبال القارئ للجريدة وإقباله عليها، والحرف المستخدم في الصحافة المطبوعة ـ كما تقول أبحاث التسويق ـ يجب أن يعطي شخصية طباعية جذابة وفريدة للجريدة، ومعه الألوان المختارة في عنونة المواد، وبما يعبر عن محتواها، والدليل الغربي أن الحرف المستخدم في كتابة عناوين الأكشن، يختلف عن أفلام الكوميديا أو الرعب، والثابت أنه يلعب دوراً في تسويقها أو على الاقل تحديد هويتها وتكوين انطباعات أولية عنها، ولا أعرف لماذا لا تفكر صحف البلاد والمدينة والندوة واليوم، في ترميم هوياتها غير المشجعة أبداً، من باب التغيير، ولاستمالة قراء جدد، وفتح سوق إعلاني يعالج تراجعها المستمر والمؤلم تحريراً وإعلاناً.
الصحافة تغيرت تماماً عما كانت عليه أيام الأبيض والأسود، وكتب دانيال هالين (1996) في قراءته لواقع الإعلام الأمريكي المعاصر، أن تخلص هذا الإعلام من القوانين المنظمة لأعماله، تسبب في دخول الاعتبارات التجارية إلى أخبار الصحافة. والمراقبون للوضع ومنهم جون ماكماينس في كتابه: صحافة السوق(1994) يفترض أن الضغوط التجارية وشروط المنافسة الصحافية، أجبرت الإعلام على ابتكار حلول اقتصادية لتسويق الأخبار، وأتذكر كلمة قديمة لزميل سابق، قال فيها: إن المجالس الإدارية في الصحافة المطبوعة، تتعامل مع الصحف وكأنها (بقالة) أو (سوبرماركت)، ولا أدري ماهو الحال في زمن (الهايبر ماركت)، وبعد دخول الإعلان إلى الصفحة الأولى، وانتقال سلطة الفلترة الإعلامية من الرقيب إلى المعلن، ولكن المؤكد أن الإعلام المؤسسي لم يضع بين أهدافه يوماً توزيع الصدقات على الناس، والخبر قد تعاد صياغته ويرتب محتواه وموقعه من طبعة لأخرى، ليناسب جمهور الجريدة في كل طبعة، وبمنطق الزبون والبضاعة قبل المجتمع وهمومه، وفي رأي دوج اندروود(1995) فالقضية لم تعد خاصة بالصحافة بل انتقلت إلى التحرير ايضاً. والمكاسب في بعض الحالات، ليس لها سلم ثابت ولا تسجل في دفاتر يمكن الرجوع إليها، وقد لا تدفعها المطبوعة اصلاً، ثم يأتي المثاليون او المغفلون او المضحوك عليهم كـ(يورغن هابرماس- 1989) ويعتبر ذلك تدهوراً في أخلاقيات الصحافة..!
وحول تأسيس الماركة التجارية للجريدة، كتب ديفيد ماكين وجوانا ثورنبارو في الماركة بوصفها خطابا(2003): إن مفهوم الماركة يكون في ربط السلعة أو المادة الصحافية بتعريفات محددة، كربط السيارة بالحرية في الإعلانات وهكذا، وهذه التعريفات تثير رغبات مدروسة عند المُستقبل او القارئ، وتتحول الى أفعال تحقق أولويات الماركة وترفع أرباحها. وبالنسبة للصحافة المطبوعة، فالماركة تعني محافظة الجريدة على هوية ثابتة ومميزة حتى تكسب الشعبية ورأس المال، ويدخل في ذلك نوعية من تجري معهم المقابلات الصحافية، وشخصيات كُتاب الأعمدة والزوايا فيها، وأسلوبها في تغطية الأخبار.
من هنا فالحسُّ الصحافي بمفهومه المطور، لا بد أن يوفق بين الأهمية الإخبارية للمادة، وقدرتها على الدعاية للمطبوعة أو الوسيلة الاعلامية، وزيادة جمهورها ومكاسبها الإعلانية، وأن يركز على البعد (السيكوغرافي) للمادة الصحافية، وقدرتها على الاستجابة لمطالب الناس على اختلاف أعمارهم وأفكارهم واهتماماتهم وطبقاتهم وطريقة حياتهم والجندر الذي يمثلونه، الى جانب رفع العوائد المالية، وإشباع حاجات السوق الاقتصادية أو التجارية.
كل جريدة تحتاج الى "دي. إن. إيه" أو بصمة خاصة بها، تستوعب التعريف بهويتها واهتماماتها الإخبارية، وشخصيها أو بمعنى أوضح شخصية جمهورها، وقيمها واعتباراتها الصحافية، وما تختلف فيه عن غيرها بالمعنى التجاري أو الثقافي والمعرفي للكلمة، وأن يكون هذا معروفاً لفريق التحرير والطاقم الإداري فيها، ومطبقاً في موادها وملاحقها الصحافية، والمسألة معمول بها في الصحافة الغربية، وذكر جون فلورديو(2004) بأن وضع معايير مختصرة لماركة الجريدة، ضروري جداً لربط الجريدة بمكان صدورها وجمهورها والسوق التي تحاول الوصول اليها أو الفوز بحصة فيها، وقرأت أن الشكل الخارجي للمطبوعة يساهم في تعزيز شعبيتها أو جمهورها، ومعرفة اختياراته، وفي بريطانيا مثلاً، تفضل الطبقة العاملة في بريطانيا الصفحات الأولى للجرائد أو أغلفة المجلات، عندما تكون حية وملفتة ومزحومة بالعناوين الضخمة والمباشرة، بينما تنحاز النخبة البريطانية للفخامة والإخراج المريح والهادئ، والتلميحات أو العناوين الذكية، إن جاز التعبير.
اللغة البصرية في صفحات الجريدة والحوار الصامت بينها وبين القارئ، وقدرتها على إيقافه والتفاهم معه وشد انتباهه، تؤثر في حضورها بين الناس وعند المعلن.. وللعلم فالواقع الذي يخاطب الناس في المدرسة الصحافية الحالية، واقع استهلاكي بالدرجة الأولى..
binsaudb@ yahoo.com
للتواصل ارسل sms الى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 107 مسافة ثم الرسالة
الصحافة تغيرت تماماً عما كانت عليه أيام الأبيض والأسود، وكتب دانيال هالين (1996) في قراءته لواقع الإعلام الأمريكي المعاصر، أن تخلص هذا الإعلام من القوانين المنظمة لأعماله، تسبب في دخول الاعتبارات التجارية إلى أخبار الصحافة. والمراقبون للوضع ومنهم جون ماكماينس في كتابه: صحافة السوق(1994) يفترض أن الضغوط التجارية وشروط المنافسة الصحافية، أجبرت الإعلام على ابتكار حلول اقتصادية لتسويق الأخبار، وأتذكر كلمة قديمة لزميل سابق، قال فيها: إن المجالس الإدارية في الصحافة المطبوعة، تتعامل مع الصحف وكأنها (بقالة) أو (سوبرماركت)، ولا أدري ماهو الحال في زمن (الهايبر ماركت)، وبعد دخول الإعلان إلى الصفحة الأولى، وانتقال سلطة الفلترة الإعلامية من الرقيب إلى المعلن، ولكن المؤكد أن الإعلام المؤسسي لم يضع بين أهدافه يوماً توزيع الصدقات على الناس، والخبر قد تعاد صياغته ويرتب محتواه وموقعه من طبعة لأخرى، ليناسب جمهور الجريدة في كل طبعة، وبمنطق الزبون والبضاعة قبل المجتمع وهمومه، وفي رأي دوج اندروود(1995) فالقضية لم تعد خاصة بالصحافة بل انتقلت إلى التحرير ايضاً. والمكاسب في بعض الحالات، ليس لها سلم ثابت ولا تسجل في دفاتر يمكن الرجوع إليها، وقد لا تدفعها المطبوعة اصلاً، ثم يأتي المثاليون او المغفلون او المضحوك عليهم كـ(يورغن هابرماس- 1989) ويعتبر ذلك تدهوراً في أخلاقيات الصحافة..!
وحول تأسيس الماركة التجارية للجريدة، كتب ديفيد ماكين وجوانا ثورنبارو في الماركة بوصفها خطابا(2003): إن مفهوم الماركة يكون في ربط السلعة أو المادة الصحافية بتعريفات محددة، كربط السيارة بالحرية في الإعلانات وهكذا، وهذه التعريفات تثير رغبات مدروسة عند المُستقبل او القارئ، وتتحول الى أفعال تحقق أولويات الماركة وترفع أرباحها. وبالنسبة للصحافة المطبوعة، فالماركة تعني محافظة الجريدة على هوية ثابتة ومميزة حتى تكسب الشعبية ورأس المال، ويدخل في ذلك نوعية من تجري معهم المقابلات الصحافية، وشخصيات كُتاب الأعمدة والزوايا فيها، وأسلوبها في تغطية الأخبار.
من هنا فالحسُّ الصحافي بمفهومه المطور، لا بد أن يوفق بين الأهمية الإخبارية للمادة، وقدرتها على الدعاية للمطبوعة أو الوسيلة الاعلامية، وزيادة جمهورها ومكاسبها الإعلانية، وأن يركز على البعد (السيكوغرافي) للمادة الصحافية، وقدرتها على الاستجابة لمطالب الناس على اختلاف أعمارهم وأفكارهم واهتماماتهم وطبقاتهم وطريقة حياتهم والجندر الذي يمثلونه، الى جانب رفع العوائد المالية، وإشباع حاجات السوق الاقتصادية أو التجارية.
كل جريدة تحتاج الى "دي. إن. إيه" أو بصمة خاصة بها، تستوعب التعريف بهويتها واهتماماتها الإخبارية، وشخصيها أو بمعنى أوضح شخصية جمهورها، وقيمها واعتباراتها الصحافية، وما تختلف فيه عن غيرها بالمعنى التجاري أو الثقافي والمعرفي للكلمة، وأن يكون هذا معروفاً لفريق التحرير والطاقم الإداري فيها، ومطبقاً في موادها وملاحقها الصحافية، والمسألة معمول بها في الصحافة الغربية، وذكر جون فلورديو(2004) بأن وضع معايير مختصرة لماركة الجريدة، ضروري جداً لربط الجريدة بمكان صدورها وجمهورها والسوق التي تحاول الوصول اليها أو الفوز بحصة فيها، وقرأت أن الشكل الخارجي للمطبوعة يساهم في تعزيز شعبيتها أو جمهورها، ومعرفة اختياراته، وفي بريطانيا مثلاً، تفضل الطبقة العاملة في بريطانيا الصفحات الأولى للجرائد أو أغلفة المجلات، عندما تكون حية وملفتة ومزحومة بالعناوين الضخمة والمباشرة، بينما تنحاز النخبة البريطانية للفخامة والإخراج المريح والهادئ، والتلميحات أو العناوين الذكية، إن جاز التعبير.
اللغة البصرية في صفحات الجريدة والحوار الصامت بينها وبين القارئ، وقدرتها على إيقافه والتفاهم معه وشد انتباهه، تؤثر في حضورها بين الناس وعند المعلن.. وللعلم فالواقع الذي يخاطب الناس في المدرسة الصحافية الحالية، واقع استهلاكي بالدرجة الأولى..
binsaudb@ yahoo.com
للتواصل ارسل sms الى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 107 مسافة ثم الرسالة