-A +A
سمير عابد شيخ
تعيش حلما سعيدا عندما تدخل مدينة (ديزني) في فلوريدا.. كان ذلك قبل سبتمبر الذي لن ينساه التاريخ. داخل السيّارة المستأجرة كنت أتجوّل بصغاري ووالدتهم في المدن الصغيرة بجوار مدينة الأحلام تلك.. في يوم لفت نظري الازدحام غير المألوف على الطريق السريع، وعلمت من الإشارات أنّ هناك إصلاحات على الطريق. وجدنا بعض المهندسين ذوي الوجوه والأنوف المحمرّة وهم يشرفون على عمليات الإصلاح، نظرت فوجدت طبقات متراكبة من المواد، مصفوفة فوق بعضها بعناية أنيقة تشبه الى حد ما تنسيق سندوتشات (الهامبورجر)، فالأساس ثم طبقة تمهيدية ثم أخرى، وهكذا يتحقق المطلوب.
تذكّرت زوجتي النموذج (الجدّاوي) في إصلاح الطرق، الذي يشمل (قلاّب) اسفلت وآلية لفرده، وعمّالاً بأحذية مطّاطية، وربّك سامع الدعاء! أدركت لماذا تقوم (مطرة جدّة) - المشهورة بإحراج أمنائها -، بكشط الإسفلت من الشوارع وإعادة أهالي جدّة الى زمان (ملعب الصبّان) و(كيلو عشرة)! وتساءلت: هل يا ترى لو كان المشرفون على صيانة شوارعنا من سكّان تلك الأحياء لرضوا بهذه المهازل! وهل أحد أسباب سوء ترصيف وصيانة الطرق هو العمّالة التي تقوم بها!؟

وطالما أنا نتحدّث عن ذكريات جدة، (عجوز البحر الأحمر)، فيحضرني أنّي كنت في الماضي أزور قريبا لنا واسع الثراء، شاء الله ألاّ يرزقه بولد، أرادت زوجته إحلال ذلك الفراغ بتربية أحد الأطفال الذي نشأ وترعرع في ظل تلك الأسرة الكريمة، كان ذاك الطفل محاطا بعطف ربة البيت، وعناية طاقم من الخادمات الوافدات من دول أخرى. أفضى ذلك بالضرورة الى نشأة (رخوة) لا تخلو من (التحريف التربوي) مؤدية إلى قضائه سنوات دراسية طويلة خارج المملكة دون تحصيل يذكر.. هل يا ترى أن ذلك بسبب (التربية المستعارة) التي استوردت خصيصا له، وقدّمت له على صحاف من ذهب!
وعندما انخرطت في سلك الوظيفة بالقطاع الخاص، كان أحد الموظفين شاباً بسيطاً لم ينل من التعليم حتى الشهادة الجامعية. ولكنّه كان شامخا بكل المعاني؛ فلقد كان شهما، قويا، صادقا، نشطا، وذا همّة عالية. لم تكن الشركة بحاجة الى شيء إلاّ وانتدبت له ذلك الشاب. وكان اذا ذهب لمهمّة عاد وهو يجر (الذئب من ذيله). تابعت تنقلاته في الحياة، فعلمت انّه أصبح مديرا لإحدى الشركات، ذا منصب ومال.
وفي نفس الفترة، وظّفت تلك الشركة شابا آخر حسن المظهر والهندام، ولكنّه لم يكن ليضبط شيئا آخر سوى تنسيق (شماغه) وبريق سيّارته. أتعبنا كثيرا وحاولنا صادقين وجاهدين أن ننصحه بتعديل سلوكه وانتظامه وانضباطه، ولكنّه كان موسوعة من الأعذار! أتدرون ما الظروف التي كوّنت شخصية الشاب الأول والثاني. أمّا الأول فتربى في كنف أبوين موجودين.. موجودين.. موجودين! أمّا الثاني فتربّى بين أذرع الشغالات والمربيات.
نحن نعلم أنّ سلوك الإنسان هو حصيلة عدد من العناصر مثل (المورّثات الجينية)، والإعلام، والمجتمع، والأسرة. أمّا الأولى فنحن مسيّرون فيها وهي ما زالت خاضعة للبحث العلمي! وأمّا الثانية فنحن مخيّرون فيها، ولا يمكن تبرير سوء السلوك بالإعلام.. وإلاّ فلماذا الحساب والعقاب! أمّا المجتمع والأسرة، فهما دائرتان متداخلتان لا يمكن فصلهما.
وعلى كل حال؛ فإنّ لكل قاعدة شواذ! فحتى الأنبياء قد ابتلوا بعقوق الأولاد، لكن القاعدة الأرجح هي أنّ حُسن التربية يفضي إلى حُسن الخلق، فإذا لمسنا سوء تصرّف من أحب المخلوقات لدينا، علينا ألاّ نتعجّب! فلقد استوردنا تربية أولادنا كما نستورد (الشبس) و(الشباشب)! ولقد استعرنا تربية أحبابنا من ثقافات المربيات الوافدات والأقراص المدمجة بمختلف أسمائها.. فمن يرى من ذريته خيرا فليحمد الله، ومن يرى غير ذلك فليراجع حساباته!
Samirabid@Yahoo.com
للتواصل ارسل sms الى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 117 مسافة ثم الرسالة