-A +A
الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود عرف عنه حبه للمسؤولية وفطرته منذ نعومة اظافره على تحملها حتى ان والده الملك عبدالعزيز ال سعود مؤسس المملكة العربية السعودية تعرف مبكرا على امكانات وقدرات نجله فأعطى له الفرصة بأن يتوجه الى الخارج في 13 رحلة خارجية مثل فيها المملكة وقام بها وهو ما زال في ريعان الشباب ولم يتعد العشرين من عمره حيث حقق النصر في احدى المعارك الفاصلة لمؤسس الدولة الملك عبدالعزيز آل سعود وهي معركة «روضة المهنا» وكان ايضا اصغر وزير خارجية سنا اذ تولى في عام 1932م ملف الخارجية وشغل في نفس الوقت منصب رئيس مجلس الشورى.
وعرف عن الملك فيصل في الاوساط الدولية بأنه رجل حكيم ويجيد الاستماع ويتجنب الديماجوجية فهو يطرح بدائل ما عنده وينتظر الردود دون تصريحات وبلبلة كلام كما اكد لـ«عكاظ» أودو شتاينباخ مدير معهد الدراسات الشرقية في هامبورج اذ قال: لا أحد لا يتذكر موقف الملك فيصل في عام 1973م حين اعلن ولاول مرة استخدام النفط كسلاح استراتيجي ضد الغرب وضد الولايات المتحدة الامريكية لدعمهما لاسرائيل.

ورأى الخبير الالماني انه رغم ذلك فإن الفيصل كان حريصا في نفس الوقت على تأمين مستقبل المملكة فيما بعد النفط.. ما يعني ان حظر تصدير النفط الى اوروبا والولايات المتحدة كان مرتبطا بأمرين هامين:
الاول: ان الملك فيصل رأى ان مستقبل المملكة الاقتصادي بحاجة الى اكثر من النفط وهنا كان من الضروري ان تتعاون السعودية مع اوروبا والولايات المتحدة لتطوير الامكانات الاقتصادية البديلة للنفط في المملكة واذا دل ذلك على شيء فإنما يدل على بعد نظر القائد المدرك لما يدورفي العالم.
الثاني: يتعلق بدعم المملكة للقضية الفلسطينية ومطالبة المجتمع الدولي بالمعاملة بالمثل وعدم التحيز لاسرائيل.
وكانت مجلة التايم الامريكية قد قامت في عام 1974 بتسمية الملك فيصل «رجل العالم» لذلك العام.
واضاف شتاينباخ ان حقبة الفيصل جاءت بعد سنوات شهدت توترا كبيرا في العلاقات الاوروبية العربية خاصة بعد قرار الامم المتحدة الذي قضى بتقسيم فلسطين الى دولتين وبعد هزيمة 1967 للجيوش العربية امام اسرائيل ومن ثم كان عهد الملك فيصل مهما في بناء علاقات متوازنة مع الغرب
واستشهد المؤرخ الالماني بقول: الملك فيصل بعد حرب 1973م الذي قال فيه: نحن كنا ولا نزال «بدو» وكنا نعيش في الخيام وغذاؤنا التمر والماء فقط، ونحن مستعدون للعودة الى ما كنا عليه، اما انتم الغربيون فهل تستطيعون ان تعيشوا بدون نفط.
هذه الجملة هي التي جعلت كبريات المجلات الامريكية تختار الملك فيصل ليكون رجل العالم ليس لانه فرض سلاح النفط وانما لانه تحدث بحكمة ووضع اوراقه على الطاولة الدولية في انتظار الرد من الجانب الآخر وهي دبلوماسية يشهد لها كبار الساسة الدوليين في هذا الوقت من ريتشارد نيكسون الرئيس الامريكي الاسبق وهنري كيسينجير وزير الخارجية الامريكي الاسبق والذي يقال عنه الى اليوم انه من خبراء الشرق الاوسط العارفين بأسراره وخباياه.
والملك فيصل الذي شرف بلاده في الساحات والمنابر الدولية امام الامم المتحدة وفي مجموعة دول عدم الانحياز وأمام دول المؤتمر الاسلامي الذي تبلور انشاؤه في عهده كان ايضا رجلا عسكريا في مطلع شبابه اذ شارك في حملة «يا طب» في عام 1922م وهو ما زال في الثالثة عشرة من عمره ثم شارك في حملة «عسير» وفي حرب اليمن عام 1932م وهي من اكبر الحملات التي ابرزت دوره القيادي العسكري.. ورغم صغر سنه فقد كان فيصل قائد حملة الجناح الغربي في حرب اليمن وهي الحملة التي حققت اهدافها العسكرية والسياسية ونتح عنها اتفاقية «الطائف» التي وقعت في مايو 1934م ونتج عنها تحسين العلاقات بين السعودية واليمن.
كان الملك فيصل بن عبدالعزيز هو اول وزير خارجية للمملكة بل في الجزيرة العربية بأكملها وكان عمره 24 سنة حين تولى منصب وزير الخارجية في 20 ديسمبر 1930 وشارك الفيصل في الاجتماع التأسيسي للامم المتحدة الذي عقد في سان فرانسيسكو في اكتوبر 1945 ومثل بلاده في الاجتماع الدولي ووقع باسمها على ميثاق الامم المتحدة ويعتبر الخبراء الاوروبيون انه من هذا التاريخ بات للفيصل موقع دولي مرموق على ساحة السياسة الدولية لا سيما ما بذله من جهود للتوصل الى اتفاقيات دولية ومعاهدات مكنت من معايشة المملكة لجوار حسن مع امارات الخليج واليمن وبريطانيا العظمى اذ كان للفيصل الفضل بعد الله حين قيام بريطانيا بتوقيع اتفاقية اعترفت بموجبها بحكومة المملكة في مايو 1927 وتم توقيع اتفاقية لرسم الحدود مع اليمن في نفس العام واخرى مع باقي دول الخليج.
واذا كان الفيصل قد تولى كأول وزير خارجية في الجزيرة العربية حقيبة الخارجية للدولة الجديدة فإنه مارس الحياة الدبلوماسية وهو في عمر الـ14 سنة حيث ارسله والده الملك عبدالعزيز ال سعود بعد الحرب العالمية الاولى الى كل من بريطانيا وفرنسا والتقى الملكة فيكتوريا في هذا الوقت كما التقى في فرنسا ألمع الساسة الفرنسيين في هذا الوقت ومنهم جورج بنيامين كليمنسو الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء واطلق عليه الاسم الحركي «النمر» الى جانب توليه منصب وزير الحرب وقاد الفيصل وفد المملكة في عام 1939 بخصوص القضية الفلسطينية في مؤتمر المائدة المستديرة.
وكان الفيصل قد زار القدس لاول مرة في اواخر الخمسينات بعد حيازة الاردن لها بعد حرب 1948 وأكد على نيته في زيارة القدس مرة ثانية بعد تحريرها من الصهيونية والصلاة في المسجد الاقصى ولكن القدر لم يمهله.
هذه الخبرة المبكرة التي أتى بها الملك فيصل بن عبدالعزيز ال سعود منذ نعومة اظافره جعلته حين تولى منصب ملك المملكة العربية السعودية وخادم الحرمين الشريفين يرتب مستقبل المملكة اقتصاديا فهو كان رجلا يشهد له رجالات السياسة العالميون انه ربط الاوضاع السياسية بالاقتصادية ووضع في المرتبة الاولى مصلحة المملكة اولا لانه عاش فترة «البدو» البدايات الاولوية للدولة وطفرة النفط وكان بوعيه الاقتصادي والسياسي يخطط لمستقبل ما بعد النفط في وقت لم يتصور فيه احد ان هذه المرحلة ربما تكون قريبة أو بعيدة اذ ان النفط غيم على البصر ولكن الفيصل بقي بعين الصقر يراقب الساحة والاوضاع الدولية.
ومن هنا لم يكن من المستغرب ان تشهد مرحلة حكمه نهضة اقتصادية واسعة تمثلت في انشاء الشركات الصناعية والزراعية والمالية والاقتصادية والمشاريع الزراعية في الري وشبكة الصرف الصحي ومشروع الرمال في الاحساء في المنطقة الشرقية بالاضافة الى مشروع سد ابها في الجنوب ومشروع أفوريستيشن ومشروع موارد الحيوان وبنك التأمين الزراعي.
وهو الرجل الذي وضع الخطط الخمسية الطموحة للبلاد ووضع نظام المناطق الادارية وهو من جلب شركات الاستثمار الاجنبية لدعم المؤسسات الخدمية وهو ايضا من رفع اسم المملكة عالميا وجعل لها نفوذا وهيبة واحتراما على المستوى العربي والدولي والاسلامي والعالمي.
واثناء عهده زادت المساحات الزراعية بشكل ملحوظ وبات البحث عن مصادر المياه مشجعا وتم انشاء الشركة العامة للبترول والمعادن.