-A +A
حوار: سعيد معتوق
الدبلوماسي والسفير السابق والمترجم عبدالله حبابي احد الذين عاصروا الملك الشهيد فيصل بن عبدالعزيز وشاهدوا عن قرب ما يتمتع به الملك فيصل من القدرات العظيمة والتفكير الثاقب وبعد النظر والهمة العالية والقدرة على اتخاذ القرارات الصعبة في أحرج الاوقات.. ويروي الحبابي في هذا الحوار ذكرياته عن مواقف الملك فيصل عندما زار الولايات المتحدة الامريكية وألقى خطابه الشهير بنادي الصحافة هناك الذي أزعج اللوبي الصهيوني المؤيد لاسرائيل وما ترتب على هذا الخطاب.. كما يتحدث عن زيارة الفيصل الى اوغندا عندما كان الحبابي سفيرا للمملكة في العاصمة الاوغندية حيث زار الملك الشهيد هذه الدولة الافريقية زيارة مجاملة لرئيسها عيدي امين الذي طرد السفير الاسرائيلي وسلم مقره للفلسطينيين آنذاك.
كما يروي الحبابي موقف الملك فيصل من حل مشكلة جزيرتين بين المملكة وايران وبمهارة دبلوماسية فائقة.. وفيما يلي نص الحوار:
وحدة الامة
دخلت وزارة الخارجية في بداية الخمسينات وتحديداً في 1952م.. خلال تلك الفترة ماهو وضع الملك فيصل في الدولة وهل عهد له بمهمات معينة؟

- الملك فيصل رحمه الله في كل تصرفاته كان يتصف بالحكمة والريادة ولو في أبسط الامور لدرجة تذهل من يتعامل معه. ودعني هنا أذكر جانبا مما حدث في مؤتمر الخرطوم وقمة او مؤتمر "اللاءات الثلاث" وهذا الاقتراح كان خلفه الملك فيصل حيث وهبه الله حاسة الاستشعار وتوقع ما سيقع وما سيقوم به العرب من اجل دعم الفلسطينيين.
واتسم -رحمه الله- بالحكمة والتفكير الجلي في الامور بعيدا عن العاطفة وكانت القرارات التي يتخذها تصب في مصلحة الامة الاسلامية حيث كانت اولى اهتماماته فلا تستغرب ان وجدت دعمه -رحمه الله- لكل ما هو اسلامي لانه يؤمن ان صلاح هذه الامة من صلاح افرادها وآمن كذلك ان الطريق الوحيد لتحقيق حلول عادلة لقضاياها هو التمسك بثوابتها ثم الدفاع عن قضاياها.
اما في مرحلة الخمسينات فقد كان الملك فيصل وتحديدا في بدايتها حتى وفاة والده متأثرا بحكمة والده وقدرته على التعامل مع الامور بدبلوماسية ولذلك فقد كانا -رحمهما الله- متشابهين في حكمتهما وهذا الامر دعا الملك عبدالعزيز الى الاعتماد على الملك فيصل إبان فترة توحيد المملكة في كثير من المعارك الحاسمة التي اسهمت محصلتها في توحيد هذا الكيان.
ان فترة الخمسينات التي اتذكرها انقسمت لقسمين اولهما: من 1950 الى 1953 تقريبا وهي الفترة التي كان الملك فيصل فيها متأثرا بوالده.
اما المرحلة الثانية فهي: من 1953 أي بعد وفاة الملك عبدالعزيز مع توليه ولاية العهد في عهد اخيه الملك سعود وهي مرحلة الارتقاء الى قيادة الدولة والوصول الى قمة الهرم السياسي مع اخيه.
التواضع
سبق ان التقيت بالملك فيصل عدة مرات.. ما هي ابرز الصفات التي منحها الله الملك فيصل؟


- لم أشاهد رجلا في حياتي بقمة التواضع مثل الملك فيصل -رحمه الله- وعندما تتحدث معه لاول مرة كان يحاول ازالة المخاوف منك: انك تقف امام ملك، واسلوبه جميل في تعامله الانساني مع الناس وهذه الموهبة التي حباه الله بها من النادر وجودها في الزعماء يضاف لذلك شخصيته القيادية التي للامانة تفرض عليك احترامها وهذا ما جعل زعماء العالم كله يحترمون الملك فيصل فهم أدركوا انهم امام رجل يحترم الآخر ولذلك فالكل يحترمه وهو رجل ملتزم في كلمته وكان يحاول على الدوام ان ينقي الاجواء العربية من خلافاتها خلال تلك الفترة وهذا كله في اطار شخصية تحب الخير للجميع وتسعى الى زرع الالفة والاتفاق في العالم العربي.
حضرت معه عدة لقاءات في نيويورك ما هي ابرز ذكرياتك عن تلك المرحلة؟

- اتذكر ان الملك فيصل عقد عدة لقاءات في نيويورك مع السعوديين والعرب هناك وابرزها كانت مع السفراء العرب الذين احتفوا به كثيرا وكان ذلك في بداية الثمانينات الهجرية اضافة الى لقاءاته مع اعضاء السلك الدبلوماسي السعودي والسعوديين الذين يدرسون في امريكا.
واتذكر انه كان هناك لقاء مع السيدات السعوديات فقامت احدى السيدات بالاستئذان للحديث وقالت للملك فيصل: امس شاهدتك في التلفزيون.. فرد عليها: انني بالامس لم اشاهد نفسي.
وحدة الامة
خلال الفترة التي عملت فيها كسفير وفترة عملك في الخارجية كيف كان تأثير سياسة الملك فيصل الخارجية على العالم خصوصا في ضوء رغبة الملك الشهيد في لم شمل العالم الاسلامي والدفاع عن قضاياه خلال تلك المرحلة؟

- كنا نحاول دائما العمل على تحقيق تطلعات الملك فيصل في الدول التي عملت فيها من خلال رغبتنا كسفراء في ترجمة بحثه الحقيقي عن التئام الامة في مخاطباتنا للدول التي عملت فيها وكان التعامل معه في السياسة الخارجية يتسم بالرغبة الصادقة في ترجمة سياساته التي هي في الواقع سياسات الدولة ولذلك فإن الملك فيصل سعى خلال فترة توليه الحكم الى خلق سياسة خارجية مستقلة للمملكة اضحت تشكل شخصية مميزة سواء من حيث اتخاذ القرار او تحديد خط معين للسياسة هذا الامر بحد ذاته كان صعبا في تلك المرحلة في ضوء قوة اللوبي الصهيوني في امريكا.. كذلك الخلافات العربية-العربية ويضاف لذلك ما عرف بزمن الانكسارات العربي الذي نتج عنه هزيمة 67 وبعدها الانكسار النفسي للشارع العربي فكان رحمه الله احد الشخصيات التي حاولت إعادة التوازن للامة من خلال قراءة معطياتها وما المصالحة مع عبدالناصر في قمة الخرطوم الا دليل فعلي لحرصه على ان يبقى الوطن العربي قلبا واحدا.
امريكا واسرائيل
ما هي الهموم التي كانت تشغل باله رحمه الله؟
- ما كان يتعبه -رحمه الله- هو الموقف الامريكي من اسرائيل ومساندتها واعطاء الضوء الاخضر لها بعمل ما تريد وكان هذا الامر يضايقه كثيرا وجميع من حوله كانوا يشعرون بهذا الامر ومن المواقف التي لا تنسى انه -رحمه الله- في زيارته لأمريكا وكان عميد السلك الدبلوماسي سفير لبنان يتحدث عن المشاكل امام السفراء وكان -رحمه الله- مهموما بالقضية الفلسطينية فعندما انتهى السفير اللبناني قال -رحمه الله- مشاكلكم داخل امريكا انتم أحرى بحلها.
حل مشكلة الجزر
هل حدثت مشكلات إبان عملك كسفير خلال فترة الملك فيصل؟

- في تلك الفترة كنت في ايران وخلالها حدثت مشاكل بسيطة مع ايران تتمثل في استيلاء ايران على جزيرتين وتم حلها منه شخصيا حيث قال: الجزيرة التي اسمها عربي تبقى عندنا والتي اسمها فارسي تبقى عندكم حتى تحل المشكلة بالتحكيم وحلت فيما بعد.
زيارة اوغندا
ما هي اكثر الاماكن التي التقيت به فيها؟
- اكثر الاماكن التي التقيته فيها كانت في امريكا واوغندا. ففي اوغندا زار فيصل الرئيس الاوغندي عيدي امين وكانت زيارة احتفائية من الملك فيصل وذلك لأن عيدي امين عندما تولى السلطة الغى علاقاته باسرائيل واعطى مكاتب اسرائيل ومنزل السفير الاسرائيلي الى الفلسطينيين وكان عيدي امين يبدي حسن العلاقات مع الملك فيصل فكان الاحترام هو السمة المتبادلة بين اوغندا وبقية الدول العربية.
تأثير النفط
ماهي ردود الفعل خلال تلك الفترة بتهديد الملك فيصل لامريكا بقطع النفط؟
- اختلفت ردود الفعل فهناك دول كثيرة في العالم كانت تؤيده اما بعض الدول ذات الميول الصهيونية او التي كانت ترتبط بعلاقات تحالف مع امريكا واسرائيل فقد كانت تنتقد مثل هذه الخطوة ولكن للامانة فان الغالبية كانوا مع القرار.
خطاب نادي الصحافة
القى الملك خطابا شهيرا في امريكا ضد اسرائيل كيف كانت ردود الفعل خصوصاً ان اللوبي اليهودي هناك هو المسيطر اضافة الى ان هذا الخطاب يعتبر في مقر دار الدولة المؤيدة لاسرائيل؟

- الملك فيصل القى هذا الخطاب في منتدى اسمه "نادي الصحافة الامريكية" وتجتمع فيه مختلف اطياف الصحافة المؤيدة للعرب والمعارضة لهم وكذلك الحال باسرائيل وللامانة فقد كان المحبون لنا كثيرين.. منهم شخص اسمه "بوب جري" وعندما ألقيت الكلمة الجميع استمع إليها ثم بدأت بعد ذلك انتقادات اللوبي الصهيوني وتفسير الكلمة باتجاهات اخرى واتهام السعودية بالعنصرية.
ماهو مضمون كلمته؟

- تحدث في كلمته بنقد قيام يهود امريكا بتزويد اسرائيل بالمال وقيام الاخيرة بتوجيه هذه المبالغ لشراء اسلحة لقتل الفلسطينيين.

موقف امريكا
ماذا تم بعد هذه الكلمة الناقدة لليهود؟

- كان برنامج الزيارة يقتضي قيامه بزيارة مدينة نيويورك وكان حاكم المدينة "نيلسون ركفلور" رفض استقبال الملك فيصل وذلك رغبة منه في التقرب من اليهود والرغبة في الترشح للرئاسة الامريكية وبعد ذلك قام عمدة نيويورك "لينسي" برفض اقامة مأدبة غداء للملك فيصل فكانت جملة الملك الشهيد الشهيرة: "اننا لم نطلب مقابلة "ركفلور" ولا غداء "لينسي" ورغم ذلك زار نيويورك والتقى بعد ذلك في خارج نيويورك بنائب الرئيس "جونسون".