-A +A
سمير عابد شيخ
في أواخر السبعينات، أحضرنا من أمريكا مطعما متنقلا ينقسم إلى قسمين؛ أحدهما يقوم بتحضير (الهامبورجر) والآخر لفطائر (البيتزا). ولأنّي كنت أبيع (البليلة) في حوش بيتنا القديم في الكندرة، أوكل اليّ إدارة ذلك المطعم الصغير. كان تحديد سعر البيتزا أحد التحديات التي واجهتها. قصدت عمي (صدقة) يحفظه الله لأستشيره. فأشار باحتساب أسعار الجبن الذي كنّا نستورده من (شيكاغو) إضافة إلى العجين والمكونات الأخرى، واضافة التكاليف الأخرى وهامش ربحي معقول. وبذلك سأصل الى سعر بيع أحجام البيتزا الثلاث. علمت في ما بعد أنّ هذه ملامح ما يسمونه (محاسبة التكاليف- cost accounting). وعندما تتأمّل هذا الإجراء نجده أسلوبا عادلا ومنطقيا لتحديد سعر السلع والخدمات. ولكن الرأسمالية الفاحشة قذفت بتلك المبادئ من النّافذة وأصبحت تستخدم مبادئ أخرى لتحديد سعر السلع والمنتجات، فلم تصبح تكلفة المكونات هي الأساس، بل عناصر أخرى من أهمّها تكلفة تطوير (ماركة) المنتج، ومدى حاجة المستهلك له. ومثال على هذا، استطاعت احدى الشركات أن تخترع منتجا مهما ولكنّها فشلت في بيعه لتدنّي سعره ممّا جعل المستهلكين يستخفّون به. فأشارت شركة تسويق متخصصة بضرورة رفع سعره كثيرا، لأن الناس تحتاجه ومستعدّة لدفع سعر أعلى بكثير لشرائه. وكان ذلك ما تم بالفعل ونجحت الشركة في بيع منتجها.
وعلى الجانب الآخر، عندما تريد شركة عالمية تسويق منتج بعينه تقوم باستثمار مئات ملايين الدولارات أحيانا، من نقطة الإيجاد من العدم الى نقاط البيع في شتى أنحاء المعمورة. فعندما يصل المنتج إلى الصالات أو الأرفف يكون قد أضيف الى سعره، تكاليف أخرى تشمل تصميم الأغلفة والإعلانات المكلفة، خصوصا اذا تعاقدت الشركة مع فنّانات فاتنات لترويج تلك السلع. هذا يعني أننا عندما نشترى مشروبا غازيا لا ندفع تكلفة تصنيعه، بل حتى فاتورة (استعراض) الفنانة على الشاشة الفضية وأغلفة المجلات.
وبطبيعة الحال، هناك وسائل للحصول على منتجات بديلة لتلك المعلنة لا تشمل أسعارها تكلفة الاعلانات والفنانات الفلكية، إحدى هذه الوسائل هي استيراد المنتجات التي ليس لها ماركات، والتي يطلقون عليها مسمّى (ماركات الجينيريك - generic brands). فلقد نجحت تلك المنتجات أن تحقق طلبات الجماهير بأسعار منافسة جدا لأنّها توفّر ملايين الاعلانات والتسويق وتباع في أغلفة بسيطة جدا يكتب عليها محتويات الكرتون أو العلبة أو الزجاجة.. مثل سكّر مكعبات نقي 100%، أو صلصة طماطم أو مشروب الليمون وهكذا. كما يكتب على المغلّفات مكونات المنتج للوفاء بمعايير التغذية الصحية.
ولقد كان هذا الأسلوب الانتاجي الذي وفّر عشرات الملايين على المستهلكين، فكرة مدير سابق لإحدى شركات التسويق الغذائي الأمريكية. فخلال السبعينات قدّم السيد "آل وليامز" استقالته لشركة (ألبرتسون) بولاية (آيداهو) الأمريكية، وأسس مكتبا استشاريا يهدف لاطلاق منتجات بلاماركات تنافس الماركات المشهورة في الأسعار وتضاهيها في الجودة. ولقد نجح السيد (وليامز) بإيجاد عشرين منتجا تم تسويقها في عدد من مخازن التسويق الكبيرة بعدد من الولايات الأمريكية. وبحلول الثمانينات انتشرت منتجات (اللاماركات) في القارّة الأمريكية، وأصبحت ترى في معظم المخازن الكبيرة بشكلها البسيط ذي الغلاف الأبيض والأحرف السوداء التي تصف ما بداخل العلبة والمكونات التي تقضي االأنظمة بتفصيلها.
وتحسبا لأعاصير الغلاء التي أدّت الى معاناة وقتل عشرات الناس خصوصا الفقراء، علينا أن نبحث في كل وسيلة يمكن تسخيرها لتخفيف وطأة هذه البلوي. وأتصوّر ان نجاح تجربة اللاماركات في الغرب، يقدّم لنا نموذجا ناجحا يمكن تطبيقه في أرضنا الطيبة. وانّي لأتمنّى على الغرف التجارية أن تطرح هذه الفكرة على أعضائها علّها تجد من الأخوة التجار من يستجيب، ويخفف بعض العبء خصوصا عن ضعافنا.
Samirabid@Yahoo.com

للتواصل ارسل sms الى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 117 مسافة ثم الرسالة