-A +A
تركي العسيري
لا بدّ لي من أن أعترف في البدء بأنني أجد متعة كبيرة في اللقاءات التي تجريها الفضائيات والصحف مع المفكر الإسلامي المثير للجدل/ جمال البنا، وهو بالمناسبة شقيق الشيخ/ حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، ولعل مصدر استمتاعي بأحاديث الرجل ما يطرحه من آراء وفتاوى طريفة لا تستقيم ومفاهيم العقل ناهيك عن الشريعة والعرف.. بدءاً بفتواه التي يرى فيها أن «التدخين» لا ينقص من صيام المسلم في رمضان، وانتهاءً بقضية «القُبلة» المباحة، التي يرى أنها من الذنوب الصغيرة التي يغفر الله لفاعلها باعتبارها من «اللَّمم» التي وردت في الآية الكريمة في سورة «النجم»: «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ»، لذلك فقد استمتعت بالحوار الذي أجرته «قناة العربية» في برنامج (حوار العرب) معه، ولعل المفارقة أن ذلك البرنامج قد جمعه مع «الضدّ» والمتمثل في الشيخ «يوسف البدري» الذي اشتهر برفع الدعاوى ضد كبار المثقفين المصريين وكان آخرهم الشاعر/ أحمد عبدالمعطي حجازي.
وللإنصاف فإن الأستاذ/ جمال لبنا، لم يُبح القُبلة على الإطلاق بل رأى أنها من صغائر الذنوب التي يغفرها الله في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يمر بها الشباب وتمنعه من الزواج وإيجاد السكن.. وهو الأمر الذي رأى فيه «المشايخ» دعوة للفجور والإباحية والانحلال.. وحتى الشباب أنفسهم وقد استطلع البرنامج آراءهم لم يؤيدوا ذلك، وقد وجدت بالمناسبة في تفسير «الجلالين» للسيوطي رأياً مماثلاً لما ذهب إليه الشيخ «البنا».
المهم، أن هذه الفتاوى وغيرها مما يمكن أن نطلق عليها «فوضى الفتاوى» تقلل من قيمة «الفتوى» ومصداقيتها، والأستاذ «البنا» ليس بدعاً وحده في هذا المضمار فقد خرج علينا شيخ آخر يرى أن الخلوة المحرمة بين الرجل والمرأة يمكن أن تحلّ عن طريق قيام الرجل «برضع» حليب رفيقته في العمل لتنتفي الحرمة المنهي عنها.. وهي «فتوى» مستهجنة ومردود عليها ولا يقرها دين أو عقل أو منطق، وفتاوى أخرى مثيرة وعجيبة سأتجنب ذكرها، وفي ظني أن هذه الفتاوى تصلح أن تكون موضوعاً لكتاب سيجد الذيوع تحت مسمى «عجائب الفتاوى»!!
إن ترك باب «الفتيا» نهباً لكل من هبّ ودبّ سيدخلنا في مأزق فقهي مظلم ما لم يوضع حد لها.. كأن تتولى هيئة عليا من العلماء المسلمين الثقات والمعروفين بالرسوخ في العلم الشرعي ومن مختلف المذاهب والبلدان تكون وظيفتها إصدار «الفتاوى» المحققة للأمة، والتنبيه على أن ما عداها لا يُعد فُتيا ولا يؤخذ بها.. مهما يكن قائلها.
الأستاذ/ جمال البنا، مفكر إسلامي مطلّع دون شك، ويحمل رؤية وطروحات مختلفة غير أن ما يصدره من «فتاوى» تجعلني أطالبه بالتوقف فهناك خلط لديه بين رؤيته كمفكر للقضايا المختلفة وبين الفتاوى الفقهية التي تأخذ في الاعتبار الأدلة القطعية من الكتاب والسنة والمصلحة العامة للأمة، والتي لا يجيدها إلا الفقهاء -وهم قلّة.
«قُبْلة» الشيخ البنا.. تدعوني لأن أقول:
إذا كانت الخمرة هي أم الخبائث.. كما يقول الفقهاء.. فإن «القُبلة».. هي أم «البلاوي الزرقاء والمنيلة» كما يقول أشقاؤنا المصريون..
القُبلة هي بوابة الشر المستطير يا شيخ «جمال» غفر الله لنا ولك..!
تلفاكس 076221413

للتواصل ارسل sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 108 مسافة ثم الرسالة