-A +A
عبدالرحمن بن عبدالعزيز العثمان
بعد خمس سنوات من الحرب الأمريكية على العراق برزت التساؤلات حول ما إذا كانت هذه الحرب حققت أهدافها المعلنة وأولها محاربة الإرهاب الدولي..؟
وهل حققت طموحات وآمال الشعب العراقي في بناء دولة ديمقراطية حرة وموحدة ومستقلة؟

في الإجابة على هذا السؤال يقول جون سمبسون محرر الشؤون الخارجية في محطة الـ(بي.بي.سي) إن الحرب العراقية التي استغرقت -حتى الآن- نفس فترة الحرب العالمية الثانية، وتكبدت نفس التكلفة، لم تحقق سوى هدف واحد من أهدافها: الإطاحة بصدام حسين.
أما الأهداف الأخرى، فواحد كان صعب المنال، لأنه لم يكن لدى العراق أسلحة دمار شامل حتى يتم تدميرها..
والثاني: وهو نقل الديمقراطية إلى منطقة الشرق الأوسط، تم تأجيله إلى أجل غير مسمى.
أما في ما يتعلق بمحاربة الإرهاب الدولي، فإن كل ما فعلته الحرب أنها أدت إلى تفاقم تلك الظاهرة على مستوى العالم الإسلامي عبر انتشار الخلايا الإرهابية في معظم بلدان المنطقة، إلى جانب الكثير من دول العالم.
وكان الأحرى ببوش أن يكمل حربه في أفغانستان ويحقق الهدف الاستراتيجي منها، وهو القضاء على القاعدة، بدلًا من التوجه إلى العراق الذي أثبتت التقارير التي أصدرتها إدارته أنها لم تكن على علاقة بالقاعدة.
وقد اعتبر 64% من الأمريكيين عشية الذكرى أن الحرب العراقية لم تكن تستحق العناء بحسب استطلاع للرأي نشرته شبكة سي.بي.إس.
وأظهر استطلاع آخر لشبكة إن.بي.سي، و«وول ستريت جورنال» أن الانتصار لم يعد ممكنًا بحسب 53% من آراء الأمريكيين.
ورغم هذا كله، إلا أن الرئيس جورج بوش -وكما يفعل دائمًا- أصر في خطابه أمام البنتاجون بمناسبة الذكرى الخامسة لاندلاع الحرب على أن قرار الحرب كان صائبًا، وأن القوات الأمريكية حققت نصرًا استراتيجيًا في العراق، وأنها باقية فيه إلى أجل غير مسمى.
بيد أن كل الدلائل تشير -وليس كما أكدت صحيفة الإندبندت وحدها- أن الخاسر الأكبر في تلك الحرب هو الرئيس بوش نفسه، وطبعا المحافظون الجدد.
ولعل أوضح مؤشرات الفشل في تلك الحرب تتمثل في استقالة فريق الوزراء والمساعدين والمستشارين الذين كانوا مع بوش حين إعلان قرار الحرب، والذين لم يتبق منهم غير نائبه ديك تشيني.
أما أهم مظاهر هذا الفشل فتتراوح بين الخسائر البشرية والاقتصادية والمعنوية التي لحقت بأمريكا نفسها في تلك الحرب:
أربعة آلاف قتيل وثلاثين ألف مصاب، ومئة ألف يعانون من أمراض نفسية. أما التكلفة المالية فقدرها الخبراء بأنها تتراوح بين 3-4 تريليونات دولار.
الخسائر العراقية، من الجانب الآخر، كانت مأساوية عندما شملت مليون قتيل، وملايين الجرحى، والمعاقين، والمعتقلين، والمهجرين، إلى جانب تحول العراق إلى شبه دولة بعد أن غرق في مستنقعات الفتنة والفوضى والدم. وفي أحدث تقرير لها، شككت الأمم المتحدة بسلامة الوضع الأمني في العراق، مشيرة إلى أن التراجع الحالي في معدلات العنف وأعداد القتلى يعود إلى التعزيزات العسكرية التي دفعت بها الولايات المتحدة مؤخرًا، الأمر الذي يقود -بحسب التقرير- إلى التساؤل حول طبيعة التطورات التي ستحصل على الأرض بعد انسحاب تلك التعزيزات.
وذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تقريرها الصادر بهذه المناسبة أن العديد من العراقيين يفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة، من مياه وخدمات صحية وصرف صحي، وأن الوضع الإنساني هناك من بين الأسوأ في العالم.
ورغم كل تلك المآسي، فإن زعماء العراق الجدد يكابرون بالقول إن الأوضاع السياسية في البلاد حققت انفراجًا كبيرًا، ويكررون نفس الكلام تقريبًا الذي يقوله الرئيس بوش، استنادًا إلى ما نشرته التقارير بأن عمليات العنف تراجعت في العام 2007 بمعدل 60%.
بيد أن التقارير الصادرة عشية الذكرى أوضحت أن ذلك العام هو الأكثر دموية منذ بدء العمليات العسكرية في مارس 2003، حيث لقي أكثر من 16 ألف مدني عراقي مصرعهم في ذلك العام. وهو ما يجعل من العام 2007 أكثر الأعوام دموية منذ بداية الغزو في مارس 2003.
المفارقة في المأساة العراقية لا تكمن في شلال الدم العراقي الذي لم يتوقف منذ مارس 2003 رغم نهاية حكم صدام حسين الديكتاتوري.
وليس في مكابرة بوش وزعماء العراق الجدد بأن العراق الآن أفضل حالًا منه قبل الغزو، وإنما في غض هؤلاء الزعماء الطرف عن استمرار الاحتلال والمطالبة ببقائه بالرغم من أن كافة المؤشرات تدل على أن الاحتلال هو مصيبة العراق الكبرى، والسبب الرئيس في تفشي ظاهرة الإرهاب في أرض الرافدين وفي المنطقة بأسرها!