-A +A
محمد أحمد الحساني
كنت في بيروت عام 1974م ضمن وفد صحفي زائر، ولاحظت يومها وجود احتقان إعلامي عبرت عنه الصحف اللبنانية الصادرة خلال وجودنا الذي استمر نحو عشرة أيام، وسمعت من سكني في فندق «هوليداي إن» بشارع الحمراء في الهزيع الأخير من إحدى الليالي صوت طلقات رصاص وسألت في الصباح عن الأمر فقيل لي إنه إطلاق نار متبادل بين ميليشيات بعض الأحزاب اللبنانية المتناحرة إضافة إلى أحزاب فلسطينية دخلت اللعبة بحكم السياسة والإقامة والجوار!، وجلست ذات يوم في مقهى «الهورس شو» بالحمراء وهو مقهى كان يلم ويضمّ المشاهير من الإعلاميين والفنانين اللبنانيين والعرب فكان في المقهى الناقد المصري القبطي المعروف غالي شكري وكان يومها على خلاف مع نظام وطنه فاختار بيروت ملجأ اختيارياً له، وقد عرفني عليه صحفي لبناني اسمه فاروق البقيلي الذي تعرفت إليه هو الآخر عن طريق أحد أعضاء الوفد الصحفي، ودار الحديث عن الاحتقان الإعلامي والسياسي في لبنان وعن سُحبٍ داكنة تتجمع فوق بيروت ولبنان بصفة عامة، فاتهم الناقد غالي شكري الإعلاميين اللبنانيين لاسيما رجال الصحافة منهم بأنهم يقبضون أضعاف رواتبهم في صحفهم من الأحزاب المتناحرة أو من الذين يقفون وراء تلك الأحزاب وأن ما ينشر في معظم الصحف اللبنانية لا يعبر عن آراء الصحف أو الكتاب وإنما عن آراء الجهات التي تدفع!، وأن الإعلام زاد من حجم الاحتقان السياسي وأفسد كل محاولة للحوار، وأردف قائلاً بلهجة مصرية: ربنا يستر!
وقبل نهاية الزيارة استقبلنا وزير الإعلام اللبناني في حينه، وهو مسيحي من أسرة الخازن، وجرى بينه وبين الوفد الصحفي حوار حول الفلتان الأمني في لبنان حسب ما جاء في عناوين الصحف اللبنانية، ونقلنا له ما سمعناه عن الدور الرخيص للصحافة في تأجيج الفتنة وفهمنا منه أن وزارة الإعلام ليس لها سلطة على الصحف لأن الإعلام في لبنان حر وأكد لنا أن الأمور توشك على الانفجار وأردف قائلاً: الله بيعين! ولم يحل عام 1975م حتى اندلعت الحرب الأهلية مُخلفة وراءها مائة ألف قتيل ومليون لاجئ إلى أصقاع الأرض وآلاف المرضى النفسيين، ولم يكن لأحد من كل أولئك الضحايا دور فيما جرى على أيدي أمراء الحرب في لبنان.. والأمل ألا يعيد التاريخ نفسه لأن المأساة ستكون أكبر!!

للتواصل ارسل sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 162 مسافة ثم الرسالة