-A +A
جولة: محمد علي الحربي
"ألم تر كيف فعل ربك بعاد, إرم ذات العماد, التي لم يخلق مثلها في البلاد".. اشارة وحيدة في سورة الفجر لـ "إرم" لم تتكرر في أي سورة اخرى من سور القرآن الكريم..
اشارة قرآنية وحيدة وعابرة الى مدينة قديمة لقوم اهلكهم الله لطغيانهم وتجبرهم.. ولكنها اشارة كانت كافية لنشر اساطير وحكايات حولتها الى مدينة ضائعة ومفقودة يحلم الجميع بالعثور عليها واكتشافها.. اشارة وحيدة ولكنها كانت كافية لإثارة نزاع لغوي حولها ما زال قائما لم يحل حتى الآن..

ما ان يدعي باحث متعمد او بالصدفة انه عثر عليها..
ما زال الاعتقاد بأنها مازالت مطمورة تحت رمال الصحراء إعتقاداً سائداً يفرض نفسه في كل محاولة او ادعاء اكتشاف لسر المدينة المفقودة.. خاصة ان ورود اسمها في نص قرآني مقدس يفرض بطبيعة الحال حتمية التصديق بوجودها سواء انها وجدت قديما ودمرت اثناء العقاب الالهي الذي انزله الله تعالى بقوم عاد, او انها ما زالت موجودة حتى يومنا هذا في مكان لا يعلمه الا الله وحده..
وبين وجود "إرم" كحقيقة تاريخية مسلم بها من خلال ذكرها في النص القرآني.. وبين "إرم" الاسطورة الواردة على لسان الاخباريين في كتب المؤرخين والبحاثة المسلمين وغيرهم في المعتقدات والديانات الاخرى.. ثمة جدل لا ينتهي بين امكانية اخراج "إرم" من حقل النص المقدس الى حقل التاريخ والاسطورة.. او ادخال "إرم" الاسطورة في إطار النص المقدس الذي لم يسهب في ذكر تفاصيل هذه المدينة العجائبية ومن بناها وكيفية ومكونات بنائها بينما استفاضت الاسطورة في ذلك متجاوزة حدود الاشارة العابرة عنها في ثنايا الآية القرآنية الوحيدة التي اتت على ذكرها..
واستمرت المحاولات في العثور على المدينة الضائعة عبر مراحل التاريخ القديم والحديث..
وفي العام 1984م جاء الخبر هذه المرة من الفضاء عن اكتشاف المدينة الضائعة "إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد" من خلال صور للاقمار الصناعية التقطتها وكالة "ناسا" لأبحاث الفضاء لموقع اكتشف بالصدفة في منطقة "شحر" في صحراء الربع الخالي بسلطنة عمان.. وما هو الا ان اعلن عن الاكتشاف حتى تناولته القنوات الفضائية العالمية والصحف والمجلات في كل انحاء العالم.. وتداولته مئات المواقع الالكترونية والمنتديات العالمية والعربية وعرضت الكثير من التفاصيل المذهلة لهذا الاكتشاف العظيم للمدينة المفقودة منذ ما يربو على الستة آلاف عام حيث عاش قوم عاد في النصف الأول للألف الرابع قبل الميلاد (كما تشير المصادر التاريخية)..
تنتشر على مئات المواقع والمنتديات على شبكة الانترنت صور ومواضيع عن اكتشاف المدينة الضائعة "إرم ذات العماد" في صحراء الشصر في الربع الخالي جنوب سلطنة عمان.
وتوضح جميع هذه الصور مباني منحوتة في الصخر في منطقة صحراوية يبدو انها نحتت بدقة وعناية فائقة وترتفع لعدة طوابق وقد زينت جدران قصور هذه المدينة بتماثيل اشخاص وحيوانات كالفيلة التي تنتشر كثيراً على واجهات قصور هذه المدينة العجيبة.
وتتوسط هذه القصور المنحوتة ساحة كبيرة يتوسطها عمود كبير منحوت بشكل جميل جداً يدل على براعة من سكن هذه المدينة العجيبة وقدرتهم الفائقة على البناء والنحت, ومن الواضح انها قديمة جداً.
وعادة ما تورد المواقع والمنتديات هذه الصور لهذه المدينة الصخرية العجيبة بعد ان تتطرق الى قصة اكتشافها في صحراء الشصر العمانية موثقة بالاحداث والتواريخ وتفاصيل عمليات التنقيب والبحث والصدفة العجيبة التي اكتشفت من خلالها هذه المدينة العجائبية هذه المدينة التي طالما شكلت حلم الكثيرين الطامعين في نيل شرف العثور عليها واكتشافها قبل أي احد بعد ان عجز جميع من بحثوا عنها في التاريخ القديم او الحديث..
فهل حقا هذه الصور التي تعج بها مئات المواقع والمنتديات على الانترنت هي المدينة الضائعة "إرم ذات العماد, التي لم يخلق مثلها في البلاد"؟
وهل هي موجودة في صحراء الشصر في الربع الخالي جنوب سلطنة عمان؟
هل تستحق كل ما يثار حولها من تفاعل علماء وكتاب ومتابعين تعاطوا مع صور هذه المدينة العجيبة على انها حقيقة مسلمة وبدأوا في التحليل والتنظير حولها وحول المزاعم اليهودية حولها وحول تسميتها؟
هل تتفق صور هذه المدينة العجائبية مع اسطورة "إرم ذات العماد" التي ذكرها المؤرخون في اكثر من كتاب وبأكثر من رواية واسناد؟
ولماذا أطلق عليها اسم "وبار".. وما علاقة هذا الإسم باليهود؟
لم نكتف في "عكاظ" بالانبهار البصري بهذه الصور المذهلة فقط.. ولكننا اردنا ان نقف على حقيقتها وان نشخص على اطلال هذه المدينة التي ارق البحث عنها وكشف اسرارها وغموضها فاتجهنا مباشرة الى صحراء الشصر في الربع الخالي في جنوب سلطنة عمان فكيف كان الطريق الى هناك؟
وماذا وجدنا في "إرم ذات العماد" او المدينة المفقودة او المدينة الضائعة او أطلانطيس الصحراء.. او ايا كانت التسمية "شصر".. "وبار".. فكلها تؤدي الى حلم رواد الكثير من الرجال وهلكوا قبل أن يعثروا عليها.. وكأنما الأسطورة التي تقول ان الله عز وجل اعطاها للجن بعد ان اهلك قوم عاد وحرم على البشر دخلها او العثور عليها حقيقة توشك على تقديم ما يفرض صدقيتها المحتملة وان كانت لم ترد كفرضية محتملة خارج إطار "إرم" الأسطورة دون وجود دليل يستند على نص مقدس او رواية موثوقة الاسناد والتواتر..
بداية المغامرة
انطلقنا جواً نحو العاصمة العمانية مسقط ومنها جواً نحو الجنوب العماني الى محافظة ظفار العمانية وتحديداً الى مدينة صلالة الساحرة بطبيعتها (خريفا) فقط ثم انطلقنا متوجهين الى الصحراء على سيارة دفع رباعي قاصدين منطقة "شصر" جنوبا في صحراء الربع الخالي.. وتبعد ما يقارب (170) كيلو متراً عن مدينة صلالة.. وتبعد حوالى (90) كليو متراً عن نيابة (تمريت) وتتبع لها ادارياً..
وبعد ان وصلنا الى مدينة (تمريت) وتجاوزناها بـ (20) كيلو متراً انعطفنا يساراً عبر طريق صحراوي معبد ولكنه غير مسفلت يمتد لمسافة (70) كيلو متراً وصولاً الى منطقة (شحر)..
وقد رافقني طوال الرحلة ثلاثة من خيرة الشباب العمانيين تعرفت اليهم في اليوم الأول لوصولي الى مدينة صلالة يعتبرون بحق انموذجا رائعا وجميلا للشباب العربي المثقف والواعي والمتعلم والذي يحمل فكراً ليبرالياً متقدماً ومتسع الافق نحو قضايا وهموم واحتياجات أمته وانسانها.. وهم "سعيد تبوك" ويعمل مسؤول اتصالات بمطار صلالة و مرشدا سياحيا و عبدالله الحبشي ويعمل مراقبا جويا بمطار صلالة ايضا والمهندس محمد عامر العوايد ويعمل مهندس اتصالات بوزارة الاعلام العمانية بصلالة..
المفاجأة الكبرى
بعد سفر استمر لقرابة الثلاث ساعات وصلنا الى الموقع المنشود "شحر" او "إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد" وتملأ صورها المذهلة مئات مواقع الانترنت ومنتدياتها العربية والاجنبية ايضا وكانت المفاجأة التي لم تخطر لنا على بال ابداً..
وعرفت وقتها فقط لماذا كان سعيد تبوك المرشد السياحي والوحيد بيننا نحن الاربعة الذي سبق ان زار الموقع "يقهقه" بأعلى صوته عندما اخبرته عن صور "إرم" وعن رغبتي في زيارتها والتعرف على معالمها وكشف سحرها بتسليط الضوء عليها.. وعندما سألته عن سبب ضحكه وقتها؟ قال: لا.. ابدا كلكم مهووسون بالمدينة المفقودة وتبحثون عنها وسأريك
إياها فقلت له: ولماذا تضحك؟!
قال: "بعدين تعرف" وانتهى الحوار بيننا وقتها ولكنني الان فقط عرفت ووجدت الجواب على السؤال الاول الذي طرحته آنفا.. واليكم المفاجأة "الصدمة"..
جميع الصور المذهلة التي تنتشر على مواقع ومنتديات الانترنت على انها "إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد" انما هي مجرد كذبة ملفقة لا يعلم من لفقها بداية.. ولا احد يعلم حقيقتها ولكن الحقيقة الاهم والتي لا جدال فيها انها لا وجود لها في كل سلطنة عمان لا في منطقة "شصر" ولا غيرها لافوق ولا تحت اية ذرة رمل في ارض عمان
ولكن هل يعني هذا أن "إرم" الحقيقية ليست موجودة في هذه الصحراء.. واذا كانت صور الانترنت التي تعرض المدينة الاثرية العجيبة ثبت انها مجرد كذبة ماذا عن صور الاقمار الصناعية؟ وماذا عن الموقع الموجود في صحراء "شصر" العمانية.. هل هي "إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد"؟ ام انها كذبة اخرى .