للوقوف على رأي مختص حول نسبة الصور المنتشرة على مئات مواقع ومنتديات الانترنت والتي تنسب الى "إرم ذات العماد" ويشار الى وجودها في منطقة "شصر" الموجودة في صحراء الربع الخالي جنوب سلطنة عمان.. وحقيقة هذا الموقع الأثري.. والجدليات المثارة حوله.. والمثارة حول المدينة المفقودة "إرم" التي بناها شداد بن عاد.. وذكرت في اشارة وحيدة في القرآن الكريم.. وسبب تسميتها من قبل المستشرقين والرحالة الغربيين بـ"وبار".. ولماذا كل هذه الإثارة حولها.. "عكاظ" التقت الدكتور محمد البلوشي رئيس قسم الآثار بجامعة السلطان قابوس في مكاشفة حول كل هذه التفاصيل وغيرها.. لنقف على الحقيقة كاملة بدون تزييف أو رتوش.. حتى لا نسمع بتزييف التاريخ والعبث به بأي حال من الأحوال وتحت أي قناعات سياسية أو ايديولوجية أو غيرها..
د.محمد علي البلوشي رئيس قسم الآثار بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس بسلطنة عمان يقول: اطلعت كما اطلعتم وغيركم على هذه الصور التي تنتشر على مواقع الانترنت وتنسب لموقع "شصر" بسلطنة عمان على انها "إرم" ذات العماد. وكل ما يمكنني قوله عنها انها صور مثيرة للسخرية, ولا علاقة لها بموقع "شصر" بالتأكيد, فالثقافة والأنماط المعمارية الموجودة فيها هي انماط معمارية مختلفة تماما بالتأكيد عما هو موجود في موقع "شصر", بل عما هو موجود في كل شبه الجزيرة العربية, وبالتالي كل ما استطيع قوله ان المواقع الموجودة في هذه الصور لا تنتمي للثقافة التي كانت موجودة في مراحل ما قبل التاريخ والمراحل التالية لها في هذا الموقع المهم جدا والمسمى "شصر".
ويضيف الدكتور البلوشي: إن أهمية موقع "شصر" تكمن في تجارة اللبان القديمة التي كانت موجودة في جنوب شبه الجزيرة العربية وفي منطقة ظفار العمانية تحديدا, والجميع يعرف الكيفية التي اكتشف بها موقع "شصر" من خلال صور الاقمار الصناعية عندما عثر المتخصصون على بؤرة او نقطة تنطلق منها مجموعة من الخطوط باتجاه ظفار وباتجاه المناطق العليا والشمالية من الجزيرة العربية. وبالتالي واستنادا على تلك الصور اثبتت الدراسات الميدانية ان تلك الخطوط كانت عبارة عن خطوط او مسارات لقوافل تجارية كانت تنطلق من هذه المنطقة, ولربما لعبت "شصر" كموقع اثري او كمدينة قديما دور الوسيط الذي كانت تعبر من خلاله القوافل المحملة باللبان من مواطن اللبان في ظفار الى المناطق الاخرى من شبه الجزيرة العربية, وربما كانت هذه النقطة هي واحدة من النقاط او ربما المنطقة الاخيرة التي كانت تستريح فيها هذه القوافل, ثم بعد ذلك تنطلق منها الى امكنة اخرى.
ويضيف: هذا الموقع الاثري في ظفار يمكن تشبيهه بموقع "بات" الاثري الذي يعود تاريخه للألف الثالث قبل الميلاد ويتزامن مع موقع "شصر" مع الاختلاف في السمات الجغرافية والبيئية والمعطيات الاخرى الثقافية المرتبطة بموقع "بات" عن تلك المرتبطة بـ"شصر",هناك تشابه بينهما حيث "بات" كانت بؤرة او مدينة تنتهي عندها القوافل التي تأتي محملة بسبائك النحاس من مواقع تعدين النحاس في شمال عمان, ثم تنطلق من هناك باتجاه المناطق العلوية من عمان الى جزيرة "أم النار" القريبة من ابوظبي اليوم, ومنها الى "دلمون", ومنها الى الشواطئ الاخرى للخليج العربي, وبعد ذلك تصل الى الاجزاء السفلية من حضارة وادي الرافدين ونفس السيناريو كان يتكرر في فترة زمنية متزامنة في الألف الثالث قبل الميلاد مع موقع "شصر" الذي يقع على الاطراف في بداية الصحراء, لتتزود تلك القوافل المحملة باللبان بالماء والغذاء كي تستأنف رحلتها الاولى التي انطلقت من "وادي دوكة" المليء باللبان والذي نسميه نحن بـ"وادي اللبان" لتستريح القوافل وتتهيأ لتنطلق مرة اخرى. وربما كانت "شصر" عبارة عن مدينة مركزية تلعب دور الوسيط. وأي مدينة لكي تلعب دور الوسيط لابد لها من مهارات معينة, ولابد لها من امكانيات معينةلاصحابها الذين يسكنون تلك المنطقة ولابد لهم من معارف معينة ترتبط بالمعارف التجارية. ومادامت هناك تيارات تأتي الى هذه المدينة وتخرج منها, فان ذلك المكان بالتأكيد كان مكانا ديناميكيا, وبالتالي مجموعة من الثقافات ربما وصلت الى ذلك الموقع, وربما تشربها سكان ذلك الموقع, وربما انعكست ايضا على الدليل الاثري, او على المواقع الاثرية التي خلفها هؤلاء السكان.
ويضيف الدكتور البلوشي: الدليل الاثري الموجود حاليا في الموقع ربما لم يقدم تلك الصورة التي كان يتوقعها من شاهد الصور التي التقطت بالاقمار الصناعية والتي تتفرع منها كل تلك الطرق, لكن الدليل الاثري "مرة اخرى" قد يكون مايزال مخبوءا أسفل تلك الرمال المحيطة بمنطقة "شصر" ولا يستبعد علماء الآثار وجود مخلفات اثرية ودليل اثري آخر, ربما اكثر مما يقدمه ما هو موجود اليوم في موقع "شصر" والذي هو من وجهة نظري يعتبر دليلا اثريا متواضعا, لكن ومرة اخرى يجب ان لانقلل من أهمية الموقع الاثري, فهو موقع مهم جدا, اكتسب اهمية من تجارة اللبان, واعتقد ان سنوات الكشف القادمة والبحث الاثري القادم والجهود التي سوف تبذل قد تفضي الى ردهات أكثر إنارة تخص هذا الموقع الاثري.
آلاف الاستفهامات
وعن سبب الاعتقاد بأن موقع "شصر" العماني انما هو "إرم" المدينة المفقودة في قلب الصحراء, وعن سبب تسميتها بـ"وبار" من قبل الكثير من المستكشفين الغربيين مثل "برترام توماس" و"جون فيلبي" و"نيكولاس كلاب" وغيرهم ممن بحثوا عنها.
يقول د.البلوشي: للاجابة على هذا السؤال الحساس لابد من استحضار شيئين,الأول: هو ان هذا الموقع سبق ظهور الكتابة, والتجربة الانسانية والاثرية في هذا الموقع سبقت ظهور الكتابة, وبالتالي مالم يكن لديك دليل مكتوب ستبقى كل الترجيحات او الآراء المقدمة (استنادا على الدليل الاثري) ستكون محل تساؤل وآلاف علامات الاستفهام تسيج هذه الاستنتاجات, وهذه الافكار.
إذا, فنحن نتفق جميعا على ان هذا الموقع سبق ظهور الكتابة والدليل سيبقى خاضعا لكل التخمينات وتغير الآراء بين حين وآخر.
والشيء الآخر الذي يجب ان يعرفه الجميع سواء في عمان, أو في السعودية, او في مكان آخر في العالم, ان الانسان لم يكن يأبه للحدود الاقليمية, واقصد انسان ما قبل التاريخ, واذا كنا نتحدث عن موقع "شصر" كنموذج, حيث تعود مخلفاته التاريخية الى الألف الثالث قبل الميلاد, على الاقل المخلفات الاثرية الهامة جدا في الموقع, والدليل الاثري الكبير وهو الابنية, وبالتالي اذا ماكنا نتحدث عن الألف الثالث قبل الميلاد, او ما قبل الألف الثالث قبل الميلاد فنحن نتحدث عن فترة اطراف او نهايات العصر الحجري, والتي كان الانسان فيها جمّاعا ولا قطا للقوت الذين يطلق عليهم اسم "اندرساندرترز" في ثقافة علم الآثار, ومعنى ذلك أن انسان تلك الفترة كان يبحث عن مصادر الرزق اينما وجدت, يذهب الى هذا الموقع او ذاك لان ذلك الموقع يمتلك خصائص بيئية معينة, تسمى في علم الجغرافيا الموقع الجغرافي الذي هو عبارة عن الخصائص البيئية المتمثلة او المتوفرة في هذا الموقع او ذاك الموقع, وبالتالي كان الانسان يبحث عن هكذا مواقع ويسخرها ويستغلها حتى تنهك تماما, ثم يتركها بحثا عن موقع آخر. ولم يكن امامه أي من الحيطان التي نراها اليوم تفصل بين الدول على الرغم من وحدتها الثقافية الكبيرة, هناك وحدة ثقافية كبيرة سبقت كل هذه التقسيمات الحدودية التي لا اريد الخوض فيها. وانا كمتخصص في علم الآثار ارى دائما ان انسان هذه الارض واحد هو نفس الانسان الذي عاش في السعودية ونفس الذي عاش في اليمن, والذي عاش في مناطق جنوب عمان. هذا الانسان كان يتحرك بحرية مطلقة كماهو الحال في اوروبا عندما تنظر الى المواقع الاثرية في اوروبا, وفي مختلف دولها ستلاحظ وجود مواقع اثرية متشابهة في البلدان المتجاورة في اوروبا. وعلماء الآثار دائما يقولون ان هذه المواقع متصلة ولم تكن هناك حواجز تفصلها, وبالتالي هذه الحواجز ظهرت في فترات متأخرة جدا من تاريخ الانسانية, ولذلك فان موقع "شصر" هو موقع انساني قبل ان يكون موقعا عمانيا او موقعا سعوديا او موقعا يمنيا, وهوماترمي اليه اليوم الدراسات او ما ترغب منظمة اليونسكو ان تصل اليه كمبدأ, وهو يتمثل في ان التراث الاثري في أي موقع اثري في أي مكان في العالم هو موقع اثري لايخص تلك الدولة التي تمتلك ذلك الموقع, على الاقل من جانب قانوني.. ويعتبر جزء من التراث والثقافات الانسانية في هذا المكان.
تراكمات إنسانية
ويضيف د.البلوشي: اهرامات مصر او الأبنية الموجودة في "شصر" او الآثار الاخرى الموجودة في السعودية او في اليمن,هي أبنية عبارة عن نتاج لثقافات تراكمت عبر الزمن راكمها الانسان ووصلت الى هذا الجزء من العالم, وما وصل اليه من حضارة ساعد على نشوء هذه الأبنية.
اما بالنسبة لتسمية الموقع بـ"وبار" اعتقد انها تسمية اطلقها الآثاريون الذين اعتمدوا في البداية على الصور التي التقطتها الاقمار الصناعية, فيما بعد كانت الدراسة الميدانية هي الفيصل في هذا الجانب, حيث اجريت دراسة ميدانية حسب ما اعرف على الاقل حيث انني لم أكن احد الاشخاص الذين شاركوا في الاكتشاف والتنقيب في الموقع, الا انني قرأت كثيرا عن الدراسات التي تحدثت عنه. وقد تركزت هذه الدراسات على تحليل الدليل الاثري البسيط الذي خلفه الانسان في هذا الموقع, وهذا الدليل (كما أسلفت سابقا) لا يحتوي على كتابات وبالتالي لا يمكن ان نقفز بالزانة فوق الحقائق, ولابد من العثور على دليل مادي قوي وحقيقي لجعلنا نتحدث عن هذا الموقع ونقول هو موقع "إرم ذات العماد" الذي تحدثت عنه الآية الكريمة في القرآن الكريم, واذاكان هناك من حديث حول هذه النقطة, فاعتقد ان اسم "إرم" الذي ورد في القرآن الكريم هو اسم اكتسب اهميته الكبيرة لانه ورد في القرآن الكريم. وبالتالي اذا ما اثبتت الدراسات الميدانية ان هذا الموقع او غيره في عمان, او في السعودية او في أي مكان آخر انه "إرم ذات العماد" فإن في ذلك فوائد جمة تتجاوز علم الآثار نفسه لابعاد اخرى اكثر عمقا في الجانب السياسي ربما, او في الجانب الاعلامي, وفي الجانب السياحي ايضا.
فموقع "إرم ذات العماد" اذا ما أكد انه "شصر" مثلا فانها ستتحول من واحة صغيرة يقطنها مجموعة من البشر الآن الى نقطة جذب سياحية بالتأكيد, كما حدث مع كثير من المناطق الاثرية في مختلف دول العالم التي كانت اساسا عبارة عن مواقع ينظر اليها على انها مواقع عادية جدا لاتحمل ذلك البعد العميق, او لاتلامس على الاقل الروح الانسانية.
فاذا مارجعنا لفكرة "إرم" المدينة المقدسة فنحن نتحدث عن قيمة يفرضها الذهن الانساني, وهذه القيمة التي يفرضها الذهن الانساني عادة ما تكون مرتبطة بالنتاج الذي قدمه الدليل الاثري المتوفر حاليا امامنا, فعلم الآثار لا يمكن ان يبني على فرضيات فقط. وقد يبني علم الآثار على فرضيات في حالة واحدة فقط اذا ما كان هناك دليل اثري تبنى عليه مجموعة من الاستنتاجات, واذا لم يتم العثور على مجموعة من هذه الاستنتاجات التي ينبغي ان تكون كافية فان ذلك سيؤدي الى تأخر حصولنا على الاستنتاج الاخير الذي يخولنا ان نؤكد بأن هذا الموقع هو الذي ذكر في القرآن الكريم, او ربما ذكر في التوراة, او ربما ذكر في نصوص مقدسة اخرى, وأركز على فكرة ان التراث الاثري بشكل عام هو ما يرغب الانسان في حفظه وايصاله للأجيال القادمة.
هذا التراث وهذا الشيء الذي يرغب الانسان في الحصول عليه مرتبط ارتباطا وثيقا (في رأيي) بالقيمة التي يفرضها الذهن الانساني على هذا الموقع او غيره, يمكن ان يتحول أي شيء بين عشية وضحاها الى شيء مهم جدا, ويمكن ان يتحول هذا الموقع الاثري المتهالك والمتهدم الذي لم تبق منه سوى اطلال جدران الى نقطة جذب سياحية فيما لو لامس هذا الموقع الروح الانسانية من جانب عقائدي, أومن جانب سياسي, أو من أي جانب آخر.
د.محمد علي البلوشي رئيس قسم الآثار بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس بسلطنة عمان يقول: اطلعت كما اطلعتم وغيركم على هذه الصور التي تنتشر على مواقع الانترنت وتنسب لموقع "شصر" بسلطنة عمان على انها "إرم" ذات العماد. وكل ما يمكنني قوله عنها انها صور مثيرة للسخرية, ولا علاقة لها بموقع "شصر" بالتأكيد, فالثقافة والأنماط المعمارية الموجودة فيها هي انماط معمارية مختلفة تماما بالتأكيد عما هو موجود في موقع "شصر", بل عما هو موجود في كل شبه الجزيرة العربية, وبالتالي كل ما استطيع قوله ان المواقع الموجودة في هذه الصور لا تنتمي للثقافة التي كانت موجودة في مراحل ما قبل التاريخ والمراحل التالية لها في هذا الموقع المهم جدا والمسمى "شصر".
ويضيف الدكتور البلوشي: إن أهمية موقع "شصر" تكمن في تجارة اللبان القديمة التي كانت موجودة في جنوب شبه الجزيرة العربية وفي منطقة ظفار العمانية تحديدا, والجميع يعرف الكيفية التي اكتشف بها موقع "شصر" من خلال صور الاقمار الصناعية عندما عثر المتخصصون على بؤرة او نقطة تنطلق منها مجموعة من الخطوط باتجاه ظفار وباتجاه المناطق العليا والشمالية من الجزيرة العربية. وبالتالي واستنادا على تلك الصور اثبتت الدراسات الميدانية ان تلك الخطوط كانت عبارة عن خطوط او مسارات لقوافل تجارية كانت تنطلق من هذه المنطقة, ولربما لعبت "شصر" كموقع اثري او كمدينة قديما دور الوسيط الذي كانت تعبر من خلاله القوافل المحملة باللبان من مواطن اللبان في ظفار الى المناطق الاخرى من شبه الجزيرة العربية, وربما كانت هذه النقطة هي واحدة من النقاط او ربما المنطقة الاخيرة التي كانت تستريح فيها هذه القوافل, ثم بعد ذلك تنطلق منها الى امكنة اخرى.
ويضيف: هذا الموقع الاثري في ظفار يمكن تشبيهه بموقع "بات" الاثري الذي يعود تاريخه للألف الثالث قبل الميلاد ويتزامن مع موقع "شصر" مع الاختلاف في السمات الجغرافية والبيئية والمعطيات الاخرى الثقافية المرتبطة بموقع "بات" عن تلك المرتبطة بـ"شصر",هناك تشابه بينهما حيث "بات" كانت بؤرة او مدينة تنتهي عندها القوافل التي تأتي محملة بسبائك النحاس من مواقع تعدين النحاس في شمال عمان, ثم تنطلق من هناك باتجاه المناطق العلوية من عمان الى جزيرة "أم النار" القريبة من ابوظبي اليوم, ومنها الى "دلمون", ومنها الى الشواطئ الاخرى للخليج العربي, وبعد ذلك تصل الى الاجزاء السفلية من حضارة وادي الرافدين ونفس السيناريو كان يتكرر في فترة زمنية متزامنة في الألف الثالث قبل الميلاد مع موقع "شصر" الذي يقع على الاطراف في بداية الصحراء, لتتزود تلك القوافل المحملة باللبان بالماء والغذاء كي تستأنف رحلتها الاولى التي انطلقت من "وادي دوكة" المليء باللبان والذي نسميه نحن بـ"وادي اللبان" لتستريح القوافل وتتهيأ لتنطلق مرة اخرى. وربما كانت "شصر" عبارة عن مدينة مركزية تلعب دور الوسيط. وأي مدينة لكي تلعب دور الوسيط لابد لها من مهارات معينة, ولابد لها من امكانيات معينةلاصحابها الذين يسكنون تلك المنطقة ولابد لهم من معارف معينة ترتبط بالمعارف التجارية. ومادامت هناك تيارات تأتي الى هذه المدينة وتخرج منها, فان ذلك المكان بالتأكيد كان مكانا ديناميكيا, وبالتالي مجموعة من الثقافات ربما وصلت الى ذلك الموقع, وربما تشربها سكان ذلك الموقع, وربما انعكست ايضا على الدليل الاثري, او على المواقع الاثرية التي خلفها هؤلاء السكان.
ويضيف الدكتور البلوشي: الدليل الاثري الموجود حاليا في الموقع ربما لم يقدم تلك الصورة التي كان يتوقعها من شاهد الصور التي التقطت بالاقمار الصناعية والتي تتفرع منها كل تلك الطرق, لكن الدليل الاثري "مرة اخرى" قد يكون مايزال مخبوءا أسفل تلك الرمال المحيطة بمنطقة "شصر" ولا يستبعد علماء الآثار وجود مخلفات اثرية ودليل اثري آخر, ربما اكثر مما يقدمه ما هو موجود اليوم في موقع "شصر" والذي هو من وجهة نظري يعتبر دليلا اثريا متواضعا, لكن ومرة اخرى يجب ان لانقلل من أهمية الموقع الاثري, فهو موقع مهم جدا, اكتسب اهمية من تجارة اللبان, واعتقد ان سنوات الكشف القادمة والبحث الاثري القادم والجهود التي سوف تبذل قد تفضي الى ردهات أكثر إنارة تخص هذا الموقع الاثري.
آلاف الاستفهامات
وعن سبب الاعتقاد بأن موقع "شصر" العماني انما هو "إرم" المدينة المفقودة في قلب الصحراء, وعن سبب تسميتها بـ"وبار" من قبل الكثير من المستكشفين الغربيين مثل "برترام توماس" و"جون فيلبي" و"نيكولاس كلاب" وغيرهم ممن بحثوا عنها.
يقول د.البلوشي: للاجابة على هذا السؤال الحساس لابد من استحضار شيئين,الأول: هو ان هذا الموقع سبق ظهور الكتابة, والتجربة الانسانية والاثرية في هذا الموقع سبقت ظهور الكتابة, وبالتالي مالم يكن لديك دليل مكتوب ستبقى كل الترجيحات او الآراء المقدمة (استنادا على الدليل الاثري) ستكون محل تساؤل وآلاف علامات الاستفهام تسيج هذه الاستنتاجات, وهذه الافكار.
إذا, فنحن نتفق جميعا على ان هذا الموقع سبق ظهور الكتابة والدليل سيبقى خاضعا لكل التخمينات وتغير الآراء بين حين وآخر.
والشيء الآخر الذي يجب ان يعرفه الجميع سواء في عمان, أو في السعودية, او في مكان آخر في العالم, ان الانسان لم يكن يأبه للحدود الاقليمية, واقصد انسان ما قبل التاريخ, واذا كنا نتحدث عن موقع "شصر" كنموذج, حيث تعود مخلفاته التاريخية الى الألف الثالث قبل الميلاد, على الاقل المخلفات الاثرية الهامة جدا في الموقع, والدليل الاثري الكبير وهو الابنية, وبالتالي اذا ماكنا نتحدث عن الألف الثالث قبل الميلاد, او ما قبل الألف الثالث قبل الميلاد فنحن نتحدث عن فترة اطراف او نهايات العصر الحجري, والتي كان الانسان فيها جمّاعا ولا قطا للقوت الذين يطلق عليهم اسم "اندرساندرترز" في ثقافة علم الآثار, ومعنى ذلك أن انسان تلك الفترة كان يبحث عن مصادر الرزق اينما وجدت, يذهب الى هذا الموقع او ذاك لان ذلك الموقع يمتلك خصائص بيئية معينة, تسمى في علم الجغرافيا الموقع الجغرافي الذي هو عبارة عن الخصائص البيئية المتمثلة او المتوفرة في هذا الموقع او ذاك الموقع, وبالتالي كان الانسان يبحث عن هكذا مواقع ويسخرها ويستغلها حتى تنهك تماما, ثم يتركها بحثا عن موقع آخر. ولم يكن امامه أي من الحيطان التي نراها اليوم تفصل بين الدول على الرغم من وحدتها الثقافية الكبيرة, هناك وحدة ثقافية كبيرة سبقت كل هذه التقسيمات الحدودية التي لا اريد الخوض فيها. وانا كمتخصص في علم الآثار ارى دائما ان انسان هذه الارض واحد هو نفس الانسان الذي عاش في السعودية ونفس الذي عاش في اليمن, والذي عاش في مناطق جنوب عمان. هذا الانسان كان يتحرك بحرية مطلقة كماهو الحال في اوروبا عندما تنظر الى المواقع الاثرية في اوروبا, وفي مختلف دولها ستلاحظ وجود مواقع اثرية متشابهة في البلدان المتجاورة في اوروبا. وعلماء الآثار دائما يقولون ان هذه المواقع متصلة ولم تكن هناك حواجز تفصلها, وبالتالي هذه الحواجز ظهرت في فترات متأخرة جدا من تاريخ الانسانية, ولذلك فان موقع "شصر" هو موقع انساني قبل ان يكون موقعا عمانيا او موقعا سعوديا او موقعا يمنيا, وهوماترمي اليه اليوم الدراسات او ما ترغب منظمة اليونسكو ان تصل اليه كمبدأ, وهو يتمثل في ان التراث الاثري في أي موقع اثري في أي مكان في العالم هو موقع اثري لايخص تلك الدولة التي تمتلك ذلك الموقع, على الاقل من جانب قانوني.. ويعتبر جزء من التراث والثقافات الانسانية في هذا المكان.
تراكمات إنسانية
ويضيف د.البلوشي: اهرامات مصر او الأبنية الموجودة في "شصر" او الآثار الاخرى الموجودة في السعودية او في اليمن,هي أبنية عبارة عن نتاج لثقافات تراكمت عبر الزمن راكمها الانسان ووصلت الى هذا الجزء من العالم, وما وصل اليه من حضارة ساعد على نشوء هذه الأبنية.
اما بالنسبة لتسمية الموقع بـ"وبار" اعتقد انها تسمية اطلقها الآثاريون الذين اعتمدوا في البداية على الصور التي التقطتها الاقمار الصناعية, فيما بعد كانت الدراسة الميدانية هي الفيصل في هذا الجانب, حيث اجريت دراسة ميدانية حسب ما اعرف على الاقل حيث انني لم أكن احد الاشخاص الذين شاركوا في الاكتشاف والتنقيب في الموقع, الا انني قرأت كثيرا عن الدراسات التي تحدثت عنه. وقد تركزت هذه الدراسات على تحليل الدليل الاثري البسيط الذي خلفه الانسان في هذا الموقع, وهذا الدليل (كما أسلفت سابقا) لا يحتوي على كتابات وبالتالي لا يمكن ان نقفز بالزانة فوق الحقائق, ولابد من العثور على دليل مادي قوي وحقيقي لجعلنا نتحدث عن هذا الموقع ونقول هو موقع "إرم ذات العماد" الذي تحدثت عنه الآية الكريمة في القرآن الكريم, واذاكان هناك من حديث حول هذه النقطة, فاعتقد ان اسم "إرم" الذي ورد في القرآن الكريم هو اسم اكتسب اهميته الكبيرة لانه ورد في القرآن الكريم. وبالتالي اذا ما اثبتت الدراسات الميدانية ان هذا الموقع او غيره في عمان, او في السعودية او في أي مكان آخر انه "إرم ذات العماد" فإن في ذلك فوائد جمة تتجاوز علم الآثار نفسه لابعاد اخرى اكثر عمقا في الجانب السياسي ربما, او في الجانب الاعلامي, وفي الجانب السياحي ايضا.
فموقع "إرم ذات العماد" اذا ما أكد انه "شصر" مثلا فانها ستتحول من واحة صغيرة يقطنها مجموعة من البشر الآن الى نقطة جذب سياحية بالتأكيد, كما حدث مع كثير من المناطق الاثرية في مختلف دول العالم التي كانت اساسا عبارة عن مواقع ينظر اليها على انها مواقع عادية جدا لاتحمل ذلك البعد العميق, او لاتلامس على الاقل الروح الانسانية.
فاذا مارجعنا لفكرة "إرم" المدينة المقدسة فنحن نتحدث عن قيمة يفرضها الذهن الانساني, وهذه القيمة التي يفرضها الذهن الانساني عادة ما تكون مرتبطة بالنتاج الذي قدمه الدليل الاثري المتوفر حاليا امامنا, فعلم الآثار لا يمكن ان يبني على فرضيات فقط. وقد يبني علم الآثار على فرضيات في حالة واحدة فقط اذا ما كان هناك دليل اثري تبنى عليه مجموعة من الاستنتاجات, واذا لم يتم العثور على مجموعة من هذه الاستنتاجات التي ينبغي ان تكون كافية فان ذلك سيؤدي الى تأخر حصولنا على الاستنتاج الاخير الذي يخولنا ان نؤكد بأن هذا الموقع هو الذي ذكر في القرآن الكريم, او ربما ذكر في التوراة, او ربما ذكر في نصوص مقدسة اخرى, وأركز على فكرة ان التراث الاثري بشكل عام هو ما يرغب الانسان في حفظه وايصاله للأجيال القادمة.
هذا التراث وهذا الشيء الذي يرغب الانسان في الحصول عليه مرتبط ارتباطا وثيقا (في رأيي) بالقيمة التي يفرضها الذهن الانساني على هذا الموقع او غيره, يمكن ان يتحول أي شيء بين عشية وضحاها الى شيء مهم جدا, ويمكن ان يتحول هذا الموقع الاثري المتهالك والمتهدم الذي لم تبق منه سوى اطلال جدران الى نقطة جذب سياحية فيما لو لامس هذا الموقع الروح الانسانية من جانب عقائدي, أومن جانب سياسي, أو من أي جانب آخر.