-A +A
جمال سلطان
عندما قابلته في كوبنهاجن قبل عدة سنوات ، لم أكن أتصور أنه هو نفسه الداعية الذي اصطاده “لوبي” نسائي اسباني مخيف ، وأوشك أن ينهي وجوده في إسبانيا كلها بعد طول مقام وخطاب معتدل كسب به قلوب الاسبان قبل العرب ، إنه صديق الشباب وزميل مقعد الدراسة الشيخ محمد كمال مصطفى إمام أحد المساجد المعروفة بالقرب من “مالقه” على الساحل الجنوبي من إسبانيا ، قلت له مداعبا : ما الحكاية يا مولانا ؟ هزمتك النساء ؟ فأجاب بجدية أن كتابه الذي أثار ضجة وهو بعنوان “المرأة في الإسلام” ، مطبوع منذ عدة أعوام ، إلا أنه لم يترجم إلى الأسبانية إلا في العام الذي شهد الضجة ، والضجة التي أثارها الكتاب تتعلق بما ذكره عن “ ضرب الزوجات “ وحدوده وآدابه كما وردت في الكتاب والسنة ، المنظمات النسائية الاسبانية رفعت دعاوى قضائية ضد الرجل ، واعتبرته يحض على الكراهية والعنف ضد النساء ، وتسعون منظمة نسائية ـ يا إلهي ـ تبنت الحملة على الكتاب وطالبت بمصادرته وهي في أغلبها منظمات للمطلقات وضحايا العنف الأسري والمنفصلات عن أزواجهن حسب ما ذكرت الأنباء ، والمسألة في صلبها تتعلق باختلاف الثقافات بين الشعوب ، واختلاف منظومة القيم والأنساق الاجتماعية ، وهذا ما يسبب عدم الفهم لخصوصيات بعض القضايا بين المجتمع الغربي والمجتمع الإسلامي ، لكن المثير للدهشة أن المجتمع الإسلامي الذي يؤمن بالتوجيه القرآني في تأديب الزوجة الناشز ، ليس مدرجا في الجداول العلمية التي ترصد المجتمعات الأكثر عنفا ضد النساء ، ولا توجد دوله من دول العالم العربي والإسلامي تصنف ضمن قائمة الدول الأكثر عنفا ضد النساء ، وبالمقابل تحتل شرف رأس القائمة الولايات المتحدة الأمريكية ، قمة الحداثة الإنسانية المعاصرة ! ، وتليها إسبانيا ثم دول أوروبية أخرى ، ماذا يعني ذلك ؟ إنه يعني ببساطة أن المجتمع الغربي يكذب ولا يتجمل بهجوم بعض مؤسساته ومنظماته على نصوص القرآن وأخلاقيات الإسلام فيما يتعلق بالسلوك الاجتماعي وإدارة الأسرة وشؤونها ، ولقد سمعت خلال سفراتي إلى أمريكا أرقاما مذهلة وحكايات مدهشة من الشباب العربي المقيم هناك ومن الأسر المهاجرة عن ضخامة أحداث الشجار الأسري والقسوة المريرة التي تقابل بها ملايين النساء المتزوجات هناك ، وفي المقابل نجد أن المجتمع الإسلامي رغم ما في كثير منه من شرود عن الهدي الإلهي ، وشطط بل وانحرافات متعددة ، إلا أن مسألة الأسرة والزوجة فيه تبقى مسألة لها خصوصية عالية ، وسواء كان الأمر في قلب العاصمة أو في قرى وبواد بعيدة ، فإن مسألة الاعتداء على الزوجة بالضرب المبرح يبقى أمرا منكرا ونادرا أن تسمع به ، وذلك لأن نسيج المجتمع تراكمت فيه عبر السنين ثقافة قرآنية وقيم راسخة ، يستحيل تجاهلها ، ويبقى تجاوز هذه الأخلاق في عداد الانحرافات التي يستقبحها الناس ويستنكرونها ، والإسلام عندما شرع تأديب الزوجة بالضرب غير المبرح للزوجة الناشز “ وهي المرأة شديدة التمرد والعناد والإيذاء “ ، إنما جعله آخر الدواء ، والذي يمثل محاولة أخيرة لتجنب أسوأ الحلول وأمرها على المرأة والرجل سواء ، وهو الطلاق وخاصة عندما تكون هناك ذرية ستظل تعاني عمرها من آثار هذه الواقعة ، وقبل أن تصل إلى الضرب نجد النص القرآني يحدد المراحل “ فعظوهن “ ثم “ واهجروهن في المضاجع “ ثم “ واضربوهن “ ثم المحددات الصارمة “ فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا “ ، وهذا الأسلوب هو جزء من الولاية التي جعلها الله للزوج في بيته لضمان استقامة الحياة ، لأن إدارة المنزل مثل إدارة الشركة أو الدولة ، لا تصلح بأكثر من رأس له حسم القرار الأخير ، وإلا فسدت الحياة وتحولت إلى فوضى ، يكون ضحيتها البيت كله ، الرجل والمرأة والأولاد ، كما أن للزوجة إذا رأت في زوجها نشوزا أن ترفضه وأن تطلب التفريق عنه ، وفق خطوات تصاعدية تبدأ بالإصلاح وتنتهي بالتفريق بالإحسان ، إن الإسلام دين الله للواقع والفطرة البشرية التي يعلمها من خلقها ، ولذلك كان هديه ـ على مدار التاريخ ـ حافظا للبنية الأساسية للأمة “ الأسرة “ ، على الرغم من ضعف دول الخلافة أو حتى انهيارها ، وفي المقابل كانت القوانين الأوروبية عونا على هدم الأسرة وتدمير بنية المجتمع ، رغم عافية الدولة الاقتصادية والتنظيمية ، لأنها قصدت التجمل وخضعت لضغوط أهواء جماعات منظمة “ لوبي “ ، كلوبي المطلقات في إسبانيا ، ويا صديقي محمد مصطفى كان الله في عونك ، وأنا شخصيا متضامن معك !.
مفكر اسلامي