-A +A
سمير عابد شيخ
هناك شريحة كبيرة من الناس تقتني الذهب ظنّا منهم بأنّه أمان من التضخّم أو الكوارث الاقتصادية. ويفسّر هؤلاء ارتفاع سعر الذهب مؤخرا لحدود الألف دولار للأوقية بأنّه مؤشر على ضعف العملات الورقية خصوصا الدولار الأمريكي، لكن الحكم الأدق على ارتفاع سعر الذهب يبقى مرهونا بنسب ارتفاع السلع الأخرى.
لست أدري إنْ كان ضربا من الصّدف أن يعتلي الذهبان معا منصة الاهتمام العالمي خلال الأشهر الأخيرة. وعندما عدت الى سجلاّتي وجدت اهتماما بالمعدن البرّاق منذ مقالتي الأولى بمجلّة (أهلا وسهلا) في يناير 1998 وحتى مقالي السابق الذي تفضّلت (عكاظ) بنشره في يناير من العام الحالي 2008. ولقد توقعت في عدد من مقالاتي ارتفاع أسعار الذهب بشكل كبير، وهذا ما حدث بالفعل خلال السنوات الخمس الماضية.
وممّا أثار دهشتي مؤخّرا ما نشرته مجلّة "الإيكونومست" البريطانية بتاريخ 25\5\2008، عن وجود علاقة مضطردة بين سعري الذهبين. ولعلّ مكانتنا النفطية على خارطة العالم، يجعل مقارنة سعر الذهب بالنفط ذا مغزى خاص لنا كسعوديين. فإذا ما عدنا الى أوائل عقد الثمانينات الميلادي سنجد أن الأوقية الواحدة من الذهب كانت تكلّف ستة عشر برميلا من النفط. وبأوائل العام ألفين، أصبحت الأوقية الواحدة من الذهب تكلّف عشرة براميل من النفط. أمّا الآن فيمكنك أن تشتري أوقية واحدة بسبعة براميل من النفط فقط. هذا يعني أحد امرين! إمّا أنّ النفط أصبح غاليا جدا أو أنّ الذهب ما زال رخيصا جداً!.
أمّا الأمر الثالث هو ما يعتقده البعض بأن النفط ما زال في طريقه للارتفاع وكذلك الذهب! فهناك خبراء يرجّحون استمرار ارتفاع البترول حتى يبلغ مئتي دولار للبرميل. فاذا ما أخذنا بالنسبة الوسطية لسعري الذهبين، يمكن أن نستنتج بأن الذهب كذلك سيرتفع حتى يبلغ ألفي دولار للأوقية. أمّا في المنظور القريب فيرشح السيد "ديفيد رانسون" -وهو أحد خبراء شركة "وينرايت ايكونومكس- أن تصل قيمة الأوقية الواحدة من الذهب ألف وثلاثمائة دولار أمريكي، ذلك أنّ سعر برميل النفط قد لامس الـ 130دولارا.
جدير بالتوضيح أنّ هذه الأرقام ليست تنبوءات أو توصيات لشراء الذهب. ذلك أنّ نسبة سعري هاتين السلعتين الهامتين ليست بالضرورة ثابتة خصوصا أن الذهب ليس له الدور الاسترتيجي أو الفاعلية الاقتصادية مثل النفط. ولكن العلاقة بين السعرين لا تعدو أن تكون مؤشرا تاريخيا يحب أن يستأنس به بعض المحللين.
واذا ما اعتبرنا أنّ شهادتنا (مجروحة) في الذهب الأسود لارتباطنا العاطفي به، لوجدنا أنّ هناك ثلاثة عناصر أخرى تؤثر بشكل كبير على أسعار الذهب الأصفر. العنصر الأول هو سعر الدولار الأمريكي لوجود علاقة عكسية بينه وبين الذهب. فكلّما انخفض الدولار الأمريكي يرجح الى حدود اليقين أن يرتفع سعر الذهب. كما أن هناك شبه اجماع بأنّ الدولار الأمريكي ليس مرشحا للارتفاع على الاطلاق، خصوصا على المدى البعيد. وأنّ الارتفاعات الآنية بسعر الدولار هي عبارة عن عمليات دعم مؤقتة لا يمكن أن تستمر على الأمد البعيد. فاذا استمرّ انخفاض الدولار في الأسواق العالمية اذن، سيعني ذلك أن الذهب سيرتفع لا محالة.
أمّا العنصران الآخران اللذان يؤثران على سعر المعدن النفيس فهما الاكتشافات الجديدة لهذا المعدن وسياسات البنوك المركزية تجاه احتياطياتها من الذهب. فاذا ما تم اكتشاف مناجم جديدة ذات كميّات كبيرة سيؤدي هذا لانخفاض أسعاره وذهاب بعض بريقه خصوصا في أعين المستثمرين. واذا ما قرّرت البنوك المركزية التخلّي عن نسبة من احتياطياتها من الذهب واستبدالها بعملات قوية مثل اليورو (وهذا أمر غير مستبعد)، سيتعرّض الذهب لنكسة حقيقية قد تخرجه من الخزائن الحديدية وتبقيه حول معاصم بنات حوّاء. ولن ينقذ الذهب ويرفع أسعاره بعد ذلك سوى الكوارث الاقتصادية أو الحروب الاقليمية أجارنا الله من كليهما.
Samirabid@Yahoo.com

للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 117 مسافة ثم الرسالة