-A +A
عبدالله صالح حبابي
عندما كنا طلاباً، وبالذات في المرحلة الثانوية التي كانت هي مرحلة مدرسة تحضير البعثات في قلعة جبل هندي، كانت لنا صفات تخرجنا من محيط علاقاتنا مع الغير من كوننا مجرد طلاب إلى صفات أعلى من هذا الواقع المحدود، كنا نتصور أنفسنا أننا لسنا مجرد طلاب ويملي هذا التصور طبيعة تكييفنا للعلاقات التي كنا نقيمها على محاور مختلفة.. كانت أجمل تصورات:
أولا: علاقاتنا مع زملاء الفصل وما يفرزه ذلك من علاقات مع طلاب الفصول الأخرى مهما كان تصنيفها بالنسبة للتدرج في ترتيب الفصول، إذ لم نكن نشعر بالحواجز والفوارق أو بالحدود التي تجمد هذه العلاقات في اطار أن تكون العلاقة محددة بزمالة الفصل بل أبعد من ذلك بما يتجاوز هذه القوائم التي ترسمها زمالة الفصل وما تفرضه من فوارق.
كنا نشعر أننا جميعا زملاء في ظل مجموع ما تعنيه المدرسة دون اعتبار للتقسيمات التي تفرضها طبيعة الدرجات الدراسية لا فرق بين من هو في أول السنوات الدراسية أو بين من هو على وشك التخرج من الفصول النهائية، وكانت هذه الروح تسود طبائع الطلاب وتقيم بينهم أواصر صداقة عميقة تثبت على مر السنين حتى بعد التخرج النهائي من الجامعات.
أذكر أن مجموعة من فصلنا كانت لا تعترف بفوارق السن أو حتى بفوارق المسافات الدراسية بين الفصول، وخيل لها حينئذ انها تستطيع مقارعة كبار أدباء وصحفيي مصر المعروفين وكان أشهرهم الرافعي، محمد التابعي، احسان عبدالقدوس، مصطفى أمين، فكري أباظة، الزيات وغيرهم من كبار الصحفيين والكتاب مثل طه حسين.
وجربنا أن نجاريهم في تجاربهم الصحفية وأن نتقمص اقلامهم ولكن في حدود امكانياتنا المادية والاجتماعية وحاولنا اصدار مجلة الطالب الحجازي ووصفها بأنها مجلة الجيل الجديد، وكنا نصدرها خطيا (كتابة باليد) وكان منزل حسن جوهرجي هو المقر الدائم لنشاطنا أو على الأصح مقرا لقلم التحرير ومن حسن الحظ ان لديّ نسخة مصورة منها وبها موضوعات قيمة حسبما يدل فهرسها ومن كتابها أحمد زكي يماني، يحيى المعلمي، حسن جوهرجي، محمود طيبة، عبدالرحمن منصوري، عبدالله حبابي وكتاب آخرون باسماء رمزية ونشر موضوعات جدية ومتنوعة وأخبار أدبية إضافة الى ما يحرره قلم التحرير.
وهذا إن دل على شيء انما يدل على الحوافز ودرجة الطموح التي كانت تسود بيننا وتشدنا كطلاب ننشد أهدافا ايجابية مع رجاء بأن نكون نواة لمستقبل جيل يتطلع إلى ما أبعد من الأفق الدراسي الذي كان يحد من تطلعاتنا وطموحنا الذي لا يخضع لمجرد المقررات الدراسية، بل كنا ننظر الى أبعد من ذلك إلى تكوين شخصيات ذات قيمة علمية أو أدبية أو صحفية محلية أو اقليمية أو حتى عالمية تتطور مع المستجدات.
إن دنيا الآمال والاحلام موسوعة وليست حكرا لمجموعة دون مجموعة وكانت أكبر من واقعنا الذي كنا نعيشه.
والحمد لله بعد ان طورت الحكومة الشأن التعليمي واهتمت به وتوسعت في تعميمه وانتشاره اصبحنا دولة منافسة بجدية في المسيرة التعليمية، وفي عدد الخريجين الذين يملأون كل فراغ من احتياجاتنا في الطب والهندسة والشؤون القانونية وكافة العلوم النظرية والتطبيقية والاعلامية ومن ضمنها الصحفية ومناحي التخصصات بصفة عامة وبفضل خطوات المسؤولين وطموحهم تحققت آمال الذين كانوا يحلمون بمستقبل أفضل للبلاد وأن يكون لديهم متخصصون في معظم المرافق التعليمية بدرجات عالية، وأصبح هؤلاء بوفرة وعلى مستوى دولي في نوعية وجودة تخصصاتهم واحترامهم التعليم كمهنة في قمة الرقي تصنع الاجيال وتوفر للبلاد وسائل تطور التنمية في مختلف المجالات والاعتماد على المتغيرات.
وولدت الاحلام والاماني الحقائق المرجوة والمؤملة.. وأصبحنا دولة كاملة المعالم العلمية والتقنيات العصرية والدرجات العلمية المعترف بها عالميا وأصبحت البلاد تعتمد على أبنائها كليةً وأضحت الأخبار تزف لنا قبول جميع خريجي وخريجات الثانوية في الجامعات والكليات والمعاهد النظرية والتخصصية والتقنية التابعة للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني وتقلد الملك عبدالله بن عبدالعزيز بحق لقب الملك المصلح لمبادراته الفعالة لصالح الوطن والمواطن، ومنها تطوير مستشفى الملك فيصل التخصصي في جدة ليكون صرحا نافعا لمدينة جدة التي تنمو وتتوسع بصورة مذهلة وليس مجرد اسم مُسمى فقط.



للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 194 مسافة ثم الرسالة