“بي.بي.سي” البريطانية تنبهت لمسألة اللغة ودورها المؤثر في تأطيرالحدث وتكوين الانطباعات حوله، وحددت في تقريرها عن النزاهة الصحافية وتطبيقاتها في الصراع الفلسطيني/ الاسرائيلي سنة 2006، قائمة بالكلمات والتعابير المسموح بها في التغطيات الاعلامية للصراع، واستبعدت الالفاظ المشحونة بالايديولوجيا او التعريفات المحسوبة او المسجلة لأي طرف، واستخدمت مثلاً عبارة “الجدار الفاصل” كبديل موضوعي او رمادي لعبارتي “ الجدار الأمني او الحواجز الأمنية” الاسرائيلية، و”جدار الفصل العنصري” الفلسطينية، والقائمة خاصة بالاخبار الانجليزية عن الصراع ولا تشمل اخبار الشبكة العربية، وعينت “بي.بي.سي” مالكوم بالين، على وظيفة كبير مستشاري تحرير اخبار الشرق الاوسط، في سنة 2003، ويعتقد ان توصياته كانت وراء خروج القائمة، وقد اعترضت على التعيين، الشخصيات اليهودية في بريطانيا والمسؤولون الاسرائيليون ومعهم جرائد الغارديان والاندبندنت والتلغراف ومجلة الايكونوميست والصحافة الاسرائيلية، ووصفوه بالتصرف المتعاطف مع العرب، وان فيه وصاية على الرأي ومصادرة للحريات الصحافية، والتهمة مبدئياً غير صحيحة لأن تغطيات الـ “بي.بي.سي” في الفترة ما بين مارس ويوليو 2007، اي بعد التعيين، اعطت مساحة اكبر للصراع الفلسطيني/ الفلسطيني، او تصفية الحسابات بين فتح وحماس او القطاع والضفة، بما في ذلك التغطية المكثفة لاحتجاز الين جونستون، مراسل “بي.بي.سي” في غزة، ولم تهتم الا قليلاً بالصراع الاسرائيلي/ الفلسطيني الذي كان يحدث في نفس الوقت، ووجد ناصر مير(2006) في تسجيله لكتابات المثقفين البريطانيين في الصحافة المطبوعة، وافكارهم حول المسلمين ليس في الشرق الاوسط وانما في المملكة المتحدة، انها تؤكد على المواقف المعادية للاسلام، ولا فرق في هذا بين اصحاب التوجهات الليبرالية والمحافظين، فالطرفان، من وجهة نظره، يكرسان لقيم البيض وقناعاتهم.
فكرة النقد اللغوي للأخبار ليست جديدة، وبدأها ستيوارت هول وتوني جيفرسون(1976) وجماعة غلاسكو الاعلامية، وخبراء الاعلام الذين شاركوا في كتابة الاصدار الاعلامي البارز: صناعة الاخبار(1981) والكتاب الثاني حرره ستانلي كوهين وجاك يونغ، والاجتهادات المذكورة احتكرت الموقف في الاكاديميا الاعلامية الغربية، حتى اضاف روجر فاولر اسهاماً يستحق الذكر، والاخير وظف اساليب مبتكرة استعان فيها جزئياً بأعمال مايكل هاليدي (1973، 1979) حول تحليل اللغة البصرية في الرسومات والصور، وقال فاولر في كتابه: لغة الاخبار(1991) ان بناء اللغة الاعلامية يتم بطريقة منظمة ومدروسة، وبالتالي فانه يفترض ان تحليلها قد يكشف عن الايديولوجيا والقيم او القناعات المختبئة خلفها، وروجر يعتقد ان الخطاب الاعلامي، اياً كان مصدره، يؤكد على وجهة نظر معينة ومنحازة في بعض الاحيان، وان قراءة اللغة المستخدمة في كتابة الخبر، مفيدة جداً في رصد منظومة الافكار التي يعمل عليها الصحافي، او كما قال الين بيل في مؤلفه: اللغة في اخبار الاعلام(1991) ما يستفيد منه في تفسير ما يكتب.
بالتأكيد فاولر دخل في تناوله الى الامور المسكوت عنها او غير المستساغة في الاعلام، لان رأيه في النقد اللغوي للاخبار، يتاقش امورا حساسة اعلامياً، والمقصود ادارج الكلمات او الجمل المحركة لصور ذهنية محددة عند المشاهدين او جمهور الوسيلة الاعلامية، والنقد اللغوي، وفق هذا الفهم، يتعامل مع الخطاب الاعلامي، بالتركيز على سياقه النصي واختياراته اللفظية والمشهدية، وايضاً المنهج الذي يعتمده في ترتيب المادة الاعلامية وعرضها، والمساحة المتروكة لكل طرف في موضوعها.
مرة اخرى، المفارقة في اخبار الـ “بي.بي.سي” عن فلسطين واسرائيل انها اسقطت من قاموس المفردات الخاص بنسختها الانجليزية كلمة” ارهابيين” بعدما كانت تعريفاً ثابتاً لبعض العمليات الفلسطينية، الا اذا جاءت منسوبة الى مصدر اخباري معرف بالاسم او الصفة، ربما من باب سد الذرائع وتعزيز الموضوعية، الا انها دائماً ما تقدم او تشير في تغطياتها عن حماس والجهاد الاسلامي وكتائب شهداء الاقصى، الى كلمات من نوع متطرفة او متمردة او خارجة على القانون، وهذا الوصف فيه تحامل واجتهاد غير موفق اضافة الى انه ليس محايداً بالمعنى الصحافي للكلمة، والشبكة لا تذكر اسرائيل او الجيش الاسرائيلي، في معظم عناوينها الانجليزية، اذا حوى العنوان اصابات او وفيات فلسطينية، وان ذكرت لا توضح هوية او جنسية المصاب او المقتول، وتعطي مساحة واسعة في افتتاحية المادة للجانب الاسرائيلي، وجميع الامتيازات السابقة تترك للفلسطينيين في الخبر العربي.
اجمالاً في مادة الـ “بي.بي.سي” الانجليزية يقدم المفعول به “الفلسطيني” على الفاعل “الاسرائيلي”، وفي المادة العربية يقدم الفاعل” الاسرائيلي” على المفعول به “الفلسطيني” ، ويلعب الخبر العربي على مرادفات الكلمة الانجليزية في الترجمة العربية، حتى يخفف من حدتها، وينسجم مع توقعات الجمهور العربي وتعريفاته، ويحيل في محتواه الى خلفيات وسياقات عربية يهملها الخبر الانجليزي، وكلمة “احتلال” لا تستخدم في اخبار الـ “بي.بي.سي” الانجليزية والعربية عن الموضوع، رغم انه حقيقة باعتراف المحايدين من الطرفين، ويقول ميشيل فوكلت(1984) بأن الخطاب الاعلامي لا يمكن ان يكون عادلاً مهما حاول، وحقائقه غالباً منحازة وان تظاهرت بالنزاهة والموضوعية.
بقي ان الـ “بي.بي.سي” تعتبر الافضل مقارنة بغيرها، وتعامل الاعلام الغربي الآخر مع الفلسطينيين وبقية العرب اسوأ بكثير...
binsaudb@ yahoo.com
للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 107 مسافة ثم الرسالة
فكرة النقد اللغوي للأخبار ليست جديدة، وبدأها ستيوارت هول وتوني جيفرسون(1976) وجماعة غلاسكو الاعلامية، وخبراء الاعلام الذين شاركوا في كتابة الاصدار الاعلامي البارز: صناعة الاخبار(1981) والكتاب الثاني حرره ستانلي كوهين وجاك يونغ، والاجتهادات المذكورة احتكرت الموقف في الاكاديميا الاعلامية الغربية، حتى اضاف روجر فاولر اسهاماً يستحق الذكر، والاخير وظف اساليب مبتكرة استعان فيها جزئياً بأعمال مايكل هاليدي (1973، 1979) حول تحليل اللغة البصرية في الرسومات والصور، وقال فاولر في كتابه: لغة الاخبار(1991) ان بناء اللغة الاعلامية يتم بطريقة منظمة ومدروسة، وبالتالي فانه يفترض ان تحليلها قد يكشف عن الايديولوجيا والقيم او القناعات المختبئة خلفها، وروجر يعتقد ان الخطاب الاعلامي، اياً كان مصدره، يؤكد على وجهة نظر معينة ومنحازة في بعض الاحيان، وان قراءة اللغة المستخدمة في كتابة الخبر، مفيدة جداً في رصد منظومة الافكار التي يعمل عليها الصحافي، او كما قال الين بيل في مؤلفه: اللغة في اخبار الاعلام(1991) ما يستفيد منه في تفسير ما يكتب.
بالتأكيد فاولر دخل في تناوله الى الامور المسكوت عنها او غير المستساغة في الاعلام، لان رأيه في النقد اللغوي للاخبار، يتاقش امورا حساسة اعلامياً، والمقصود ادارج الكلمات او الجمل المحركة لصور ذهنية محددة عند المشاهدين او جمهور الوسيلة الاعلامية، والنقد اللغوي، وفق هذا الفهم، يتعامل مع الخطاب الاعلامي، بالتركيز على سياقه النصي واختياراته اللفظية والمشهدية، وايضاً المنهج الذي يعتمده في ترتيب المادة الاعلامية وعرضها، والمساحة المتروكة لكل طرف في موضوعها.
مرة اخرى، المفارقة في اخبار الـ “بي.بي.سي” عن فلسطين واسرائيل انها اسقطت من قاموس المفردات الخاص بنسختها الانجليزية كلمة” ارهابيين” بعدما كانت تعريفاً ثابتاً لبعض العمليات الفلسطينية، الا اذا جاءت منسوبة الى مصدر اخباري معرف بالاسم او الصفة، ربما من باب سد الذرائع وتعزيز الموضوعية، الا انها دائماً ما تقدم او تشير في تغطياتها عن حماس والجهاد الاسلامي وكتائب شهداء الاقصى، الى كلمات من نوع متطرفة او متمردة او خارجة على القانون، وهذا الوصف فيه تحامل واجتهاد غير موفق اضافة الى انه ليس محايداً بالمعنى الصحافي للكلمة، والشبكة لا تذكر اسرائيل او الجيش الاسرائيلي، في معظم عناوينها الانجليزية، اذا حوى العنوان اصابات او وفيات فلسطينية، وان ذكرت لا توضح هوية او جنسية المصاب او المقتول، وتعطي مساحة واسعة في افتتاحية المادة للجانب الاسرائيلي، وجميع الامتيازات السابقة تترك للفلسطينيين في الخبر العربي.
اجمالاً في مادة الـ “بي.بي.سي” الانجليزية يقدم المفعول به “الفلسطيني” على الفاعل “الاسرائيلي”، وفي المادة العربية يقدم الفاعل” الاسرائيلي” على المفعول به “الفلسطيني” ، ويلعب الخبر العربي على مرادفات الكلمة الانجليزية في الترجمة العربية، حتى يخفف من حدتها، وينسجم مع توقعات الجمهور العربي وتعريفاته، ويحيل في محتواه الى خلفيات وسياقات عربية يهملها الخبر الانجليزي، وكلمة “احتلال” لا تستخدم في اخبار الـ “بي.بي.سي” الانجليزية والعربية عن الموضوع، رغم انه حقيقة باعتراف المحايدين من الطرفين، ويقول ميشيل فوكلت(1984) بأن الخطاب الاعلامي لا يمكن ان يكون عادلاً مهما حاول، وحقائقه غالباً منحازة وان تظاهرت بالنزاهة والموضوعية.
بقي ان الـ “بي.بي.سي” تعتبر الافضل مقارنة بغيرها، وتعامل الاعلام الغربي الآخر مع الفلسطينيين وبقية العرب اسوأ بكثير...
binsaudb@ yahoo.com
للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 107 مسافة ثم الرسالة