-A +A
سمير عابد شيخ
منذ الثورة الصناعية التي انطلقت قبل نحو مائتي عام، والانسان يعتمد على الوقود الأحفوري في أنشطته الصناعية والزراعية وحياته اليومية. ومن الصعب علينا أن نتخيّل عالما يعمل دون هذا الوقود، خصوصا النفط الذي تعتمد حياتنا الاقتصادية في المملكة عليه. ولكنّ هناك كوكبة من علماء الفيزياء والأحياء والهندسة في الغرب، بدعم من الاقتصاد الغربي الهائل، تخطط لانهاء عصر الوقود الأحفوري هذا!
ورغم تشكك البعض في هذا التوجه الخطير، فإن هؤلاء القوم يعملون بمنتهى التفاني والاخلاص والعزيمة، لاخراج البدائل العديدة للنفط من المعامل والاستخدامات التجريبية الخفيفة، الى المصانع والمزارع والمدارس والى بيتي وبيتك. فليس مبالغا أن نقول إنّ الاقتصاد الغربي يمر اليوم بطفرة تقنية كبيرة لنقل اقتصاد العالم الى بدائل الوقود الأحفوري. فكما قادت مؤسسات تمويل المشاريع العالمية (venture capitalists) بتمويل ثورة الحاسوب في الثمانينات، والانترنت في التسعينات، وتقنيات “البايو” و”النانو” في مطلع الألفية الثالثة، فهي تقوم اليوم بتحرّك كبير للاستثمار ودعم هذه البدائل.
ولن تكتفي هذه المؤسسات العملاقة والعلماء والشركات بدعم تطوير هذه البدائل، بل تقوم بضغوط كبيرة على الحكومات الغربية بدعم هذه الطفرة الجديدة. فهاهو الاعلام الغربي ينادي بأعلى صوت بأن تقوم الحكومات الغربية بفرض ضرائب كبيرة على النفط، بحيث يتم استخدام عائدات هذه الضرائب لدعم تصنيع البدائل الجديدة. وحتى المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتّحدة، تدعم هذا التوجه الغربي. فلقد صرّحت اللجنة الدولية للتغيير المناخي المدعومة من الأمم المتّحدة، وهي لجنة من علماء الغرب، بضرورة فرض ضريبة تتراوح ما بين 20 الى 50 دولارا عن كل طن يستخرج من الوقود الأحفوري. جدير بالتوضيح أنّ المطلوب هو اضافة هذه الضريبة الى الشرائح الضريبية التي تفرضها بعض الدول الغربية الآن، والتي تؤدّي الى مضاعفة غلاء النفط الحالي.
ومن المعلوم أنّ الارتفاع الباهظ لأسعار النفط هو المحرّك الأكبر لطفرة صناعة البدائل التي نحن بصددها في هذا المقال. فلقد ارتفع برميل النفط حتى لامس الـ مائة وأربعين دولارا، ومن المتوقع أن يتجاوز المائتي دولار في المستقبل المنظور. ومن الجهة الأخرى يزداد الاستهلاك على النفط باضطراد خصوصا من قبل “الزبائن الجدد” في الهند والصين، “والزبائن القدم” في الولايات المتحدة وأوروبا.
واجمالا فيبلغ استهلاك سكّان الكرة الأرضية ما يساوي خمسة عشر “تيراوات” (terawatts) من الطّاقة. وللمعلومية فإن “التيراوات” الواحد يساوي الف “جيجاوات” (gigawatt). أمّا “الجيجاوات” فهو ما تنتجه أضخم محطّة للطاقة الكهربائية المعتمدة على الفحم. المهم لدينا أنّ هذا الحجم من الطلب على الطّاقة، يمكن ترجمته ليساوي ستة ترليونات من الدولارات (الترليون الواحد يساوي ألف مليار). وهذا الحجم المالي يساوي تقريبا عشر الانتاج الاقتصادي لكافّة سكّان الكرة الأرضية.
فلا غرابة اذن ان يجتذب هذا الحجم المالي اهتمام الاقتصاد الرأسمالي الغربي، فهذه “كعكة” يسيل لها لعاب كافّة البنوك العملاقة في الدول الغربية، وهو تحدٍّ تقني يجذب له أنبغ العقول والمهارات والمواهب في مختلف العلوم التطبيقية. فلقد أخرج هذا التحدّي الحضاري عشرات العباقرة من “جحورهم” و”معاملهم” بل “امبراطورياتهم” المالية ليشاركوا في هذه الطفرة الجديدة. وحتى الشركات العملاق أمثال “جنرال اليكتريك”، فلقد أنشأت شركات خاصّة مزدهرة تعمل في “طاقة الرياح” و “الطاقة الشمسة”. كما تقوم عظمى شركات النفط مثل “بريتيش بتروليوم” و”شل” بتموييل هذه الطفرة الجيدة هذه. على الجانب الآخر، يحزن المرء عندما يرى صفحات جرائدنا تزدحم بطفرة “البروج” السكنية في صحراء لا تحتاج الى بروج، بينما تظل خيرة عقولنا حبيسة الجامعات أو مسخّرة لجني أرباح الشركات!
Samirabid@Yahoo.com


للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 117 مسافة ثم الرسالة