-A +A
نبيل الأسيدي (صنعاء)
وليد محمد شاهر القدسي اليمني العائد من المعتقل الأمريكي الأشهر في العالم (جوانتانامو) بعد أربعة أعوام قضاها هناك كان قبلها في كابول وفر إلى باكستان متسللا من إيران انها مسيرة مثيرة من الأحداث.

القدسي ولد في 1980م بمنطقة التواهي بعدن يقيم حالياً في مدينة تعز، وحاصل على شهادة الثانوية العامة، وله من الأشقاء ثلاثة وشقيقة واحدة، يستعد حالياً لترك العزوبية والاستقرار في منزل الزوجية.

لم يكن القدسي يتخيل أنه سيخرج من معتقله الأمريكي بعد أكثر من 4 سنوات متواصلة قضاها في السجون، يشعر حاليا كما يقول: «لقد بعثت من جديد، فالذي يدخل السجن الأمريكي مفقود والخارج منه مولود، وتكفيني سعادة وسرورا أني الآن بين أسرتي وأهلي في بلدي اليمن».

«عكاظ» زارت القدسي و عائلته، وتحدثت اليه كأول وسيلة إعلامية تجري معه مقابلة عقب خروجه من السجون بأيام .

متى خرجت من اليمن متجهاً إلى أفغانستان؟ولماذا؟

- في بداية عام 2000م خرجت من وطني اليمن متجهاً إلى أفغانستان عبر باكستان التي قضيت فيها في بادئ الأمر قرابة شهر ونصف ومن ثم انتقلت إلى كابول حيث كنت أدرس القرآن الكريم عند شيخ هناك إلى أن أكملت المصحف الشريف، وفي نفس الوقت كنت أقوم بتدريس القرآن وعلوم إسلامية لبعض الطلاب مقابل بعض المال لكي يساعدني على أمور العيش وبقيت في كابول إلى حين سماعنا عبر الراديو عن حادثة 11سبتمبر في أمريكا..،وعقب هذه الحادثة أصبح الجو العام في أفغانستان مضطربا ومتوترا جداً، وما أن بدأ القصف على قندهار ثم كابول حتى اضطررت أنا وشيخي ومعنا العديد من الأسر غير الأفغانية الخروج وفي منطقة دريو افترقت عن شيخي فقد ذهب إلى بناته وأسرته وأنا مكثت في مسكن أفغاني لمدة 20يوماً، قضيت عنده النصف الثاني من رمضان وأيام عيد الفطر وبعدها خرجت إلى باكستان بعد أن سمعت عن سقوط كابول.

هل التقيت بأحد فى باكستان ممن غادروا أفغانستان؟

- في باكستان التقيت بمجموعة من الشباب الذين كانوا قد غادروا أفغانستان أثناء القصف، وأبلغوني أنه تم ترتيب سفرنا بحيث ندخل إيران، وبالفعل اخترنا الدخول إليها عن طريق البر،حيث دخلنا أولاً منطقة (زاهدان) الإيرانية على الحدود ومكثنا فيها قرابة 10 أيام ومن ثم انتقلنا إلى منطقة مشهد وبقينا فيها حوالى أسبوع، بعدها اتجهنا إلى العاصمة طهران، وكانت كل تنقلاتنا هذه تتم بدون أوراق ثبوتيه وبطريقة غير رسمية، فجواز سفري فُقد في افغانستان.

أين مكثتم في إيران؟

- عند وصولنا الى طهران نزلنا في فندق اسمه «الأمير» وهو كما قيل لنا بعد ذلك أنه يتبع المخابرات الإيرانية وبعد أيام من بقائنا في العاصمة جاء أفراد من الاستخبارات الإيرانية إلى الفندق للقبض علينا وتم إيداعنا السجن» وكنا في السجن بين (30 –50) سجيناً من جنسيات مختلفة بينهم سعوديون وتونسيون وجزائريون ومغاربة إلى جانب 4 يمنيين.

وبقينا في سجن طهران 3 أشهر ولم نتعرض للتعذيب وإنما للتحقيق المتواصل طوال هذه الفترة، وفي اليوم الأخير جاءنا الإيرانيون في المساء ونقلونا من طهران إلى منطقة (مشهد) بطائرة مدنية وكنا مقيدين بالسلاسل حينها توقعت أن يجري تسلمينا إلى بلداننا، لكن السلطات الإيرانية خذلتنا حينما رحلتنا جواً إلى أفغانستان، بعد أن بقينا في سجن مشهد 4 أيام وقبل ترحيلنا سمعنا أن الإيرانيين بصدد نقلنا براً إلى العراق وقلت في نفسي كيف سيتم ذلك ونحن دون جوازات واتضح في الأخير أنها خدعة.

من هم المُرحلون الذين كانوا معك في الطائرة العسكرية؟وما الذي تم بعد تسليمكم للأفغان؟

- كنت أنا، وحسين المرفدي، وتوفيق البيحاني وهما يمنيان، ورفيق التونسي، وسام الأردني وأحمد أبو عرب العراقي، ولزيز الأوزبكي، وعبد الحق الطاجيكي وعتيق الله الأفغاني وأمين الله وهو أيضاً من أفغانستان،، وهناك أخذونا في باص صغير من مطار كابول إلى سجن تحت الأرض، وتم حشرنا نحن العشرة في زنزانة عرضها متران وطولها 3 أمتار، وشاهدنا على جدرانها أثر دماء، وكانت الزنزانة بنافذة واحدة صغيرة جداً، ومن شدة ضيقها وعددنا الكبير كان البعض ينام والبعض الآخر يظل واقفاً وهكذا نتبادل الأدوار وفي اليوم الأول من وصولنا إلى الزنزانة بعد رحلة شاقة بالطائرة ثم الباص لم تحضر لنا إدارة السجن الذي كان يعرف باسم (الرئاسة 1) أي شيء لا ماء أو طعام ولم يسمحوا لنا بالخروج حتى إلى الحمام.

وفي الساعة الواحدة ليلاً من اليوم الأول بدأوا يستدعوننا الأول تلو الأخر للتحقيق، وكان توفيق البيحاني أول من حقق معه، وكنا نشعر بالرعب والخوف الشديدين من وطأة أقدام الحرس الأفغان ـ وفتح ـ وغلق أبواب السجن الحديدية، وأتذكر ـ هنا ـ أنه عندما جاء دوري للتحقيق قام جندي أفغاني بتقييد يدي إلى الخلف بسلك بلاستيكي إذا شديت يديك يشتد أكثر وجرى وضع على رأسي كيس وأخرجني الجندي من الممر الأول والثاني ثم الثالث بحيث لا أحد يسمع عني أي شيء وبعد خروجي من الزنزانة، وأثناء سيرنا في هذه الممرات الطويلة إلى غرفة التحقيق كان الجند يهددوننا بالعقاب الشديد أنهم سيحرقوننا بالنار، ويتهموننا بقتل أحمد شاه مسعود.. وما أن دخلت غرفة التحقيق حتى تم نزع الكيس من على رأسي ورموني على الأرض بقوة وبدأ الجنود المحققون بضربي وهم ذوو أجسام ضخمة وطويلة وعلى رؤوسهم أقنعة سوداء لا تظهر سوى أعينهم وعرفت لاحقاً أنهم محققون أمريكيون كانوا يجيدون اللهجة المصرية.

وعن ماذا سألكم المحققون؟

- كانت أسئلة التحقيق تشمل كل شيء، أسمك، عنوانك في بلدك الأصلي وكيفية قدومك إلى أفغانستان وخروجنا إلى إيران، وكانوا في جلسات التحقيق الأولى يحاولون انتزاع اكبر قدر من المعلومات والأقوال واستمر التحقيق معنا في اليوم الأول حتى فجر اليوم الثاني ولأن الصليب الأحمر كان متواجداً في السجن منذ اليوم الثاني لوصولنا،

كما عرفنا لاحقاً من بعض الباكستانيين الذين كانوا في بعض الزنازين المجاورة وكانت إدارة السجن تخادع الصليب الأحمر ولمدة شهر كامل، حيث كانت تأخذنا منذ الصباح الباكر إلى مكان (خرابة) بعيداً عن أعين بعثة الصليب الأحمر وما أن تغادر البعثة السجن حتى تعود بنا إلى الزنزانة وظللنا على هذا الحال عدة أسابيع إلى أن عرفنا من السجناء الباكستانيين بوجود البعثة وطلبنا منهم أبلاغها بوجودنا، وحدث هذا، وظلت البعثة تتبع أثرنا إلى أن وصلت إلى موقع «الخرابة» ووجدتنا هناك..

وباشرت البعثة بتسجيل أسمائنا وبلداننا وبعض المعلومات الأولية عنا واستغربت من الموقف الإيراني بتسليمنا للسلطات الأفغانية بعد أن كنا قد دخلنا إيران وأصبحنا تحت رحمة حكومة طهران، وأتذكر أنه خلال وجودنا في إيران كنا نسمع من الأخبار أن هناك 9 من ضباط الاستخبارات الإيرانية معتقلون في أفغانستان واتضح لاحقاً أن الإيرانيين أوهموا السلطات الأفغانية أننا نحن الـ «10» من تنظيم القاعدة ولا مانع لديهم من استبدالنا بالضباط الإيرانيين المعتقلين في كابول في أطار تبادل الأسرى أو المطلوبين بين الجانبين، وهذا أكدته بعثة الصليب الأحمر عند التقائنا بها لاحقاً في كابول بأن السلطات الأفغانية تسلمتنا باعتبارنا من تنظيم القاعدة.

والفضل بعد الله سبحانه وتعالى للصليب الأحمر في تحسين أوضاعنا داخل السجن، فبدأ الأفغان يعطوننا قرص خبز في كل وجبة بدلاً من نصف قرص قبل اكتشاف أمر الخرابة وزيارة بعثة الصليب الأحمر لنا داخل السجن المعروف بسجن الرئاسة (1) وظللنا على هذا الحال لمدة 3 أشهر لم تنقطع خلالها زيارة البعثة.

وبعد هذه المدة نقلونا باستثناء لزيز الأوزبكي وعبد الحق الطاجيكي وأفغاني واحد إلى سجن آخر يعرف باسم (الرئاسة «2») وجرى وضعنا في زنازين انفرادية وأضافت السلطات الأفغانية إلينا 3أسرى قيل أن عملية القبض عليهم تمت في طاجكستان وهم عبدالحق وسفيان جزائريين ومحمد عمر اليمني وكنيته «زكريا» وهو من مواليد السعودية، أما اصله فمن منطقة البيضاء اليمنية، وفي سجن الرئاسة»2» استمر التحقيق معنا قرابة 3أشهر وكان المحققون أمريكان بينما حراسة السجن من الأفغان، ولم نتعرض للتعذيب خلال مدة الحبس وإنما أصبنا بأمراض عديدة حتى أن وسام الأردني وجدوا في بطنه جرثومة بعد نقلنا إلى قاعدة جوانتانامو، ويعد هذا السجن أفضل نوعاً ما من السجن الأول من حيث سعة الزنازين والطعام.