-A +A
عبدالله عبيان (جدة)
العلم لا يعلم بل يكشف عن طريق الحوار هكذا قال سقراط قبل آلاف السنين وهكذا اثبتت الوقائع والاحداث في الحضارات المتعاقبة التي اكدت جدوى ثقافة الحوار في ايجاد اجيال قادرة على التعايش مع الواقع بكل متغيراته، ومن هنا نتساءل كيف نسهم في دعم ثقافة السؤال والحوار عند أبنائنا بحيث نبتعد بهم عن كل أساليب التلقين والحشو إلى الرياضة الذهنية التي تعتمد على التحليل والنقد والمثاقفة؟

سؤال ادركت وزارة التربية والتعليم اهمية الاجابة عليه من خلال اعلان عزمها على إلزام كل مدرسة بتشكيل مجلس طلابي خاص بها يتكون من ممثلين عن الفصول الدراسية في المدرسة، يعقدون جلسات دورية تصدر عنها قرارات وتوصيات تلزم إدارة المدرسة بتنفيذها.

«عكاظ» تجولت في عدد من مدارس جدة لرصد انعكاسات تلك البادرة الهامة والوقوف على آراء المعلمين والطلاب على حد سواء، ففي مدرسة الفتح اوضح احمد عناية الله الصحفي مدير المدرسة انه عندما تكون الثقافة السائدة ثقافة تقليدية لا يمكن لها أن تفرز أساليب تربوية قائمة على الحوار والتبادل، واشاد الصحفي بعزم الوزارة على الزام المدارس بانشاء تلك المجالس مشيرا الى ان ثقافتنا لا تزال تقليدية ولا تزال مليئة بعلل التوقيف والتعطيل والحذر من الاستقلال الفكري، وقال ان تلك المجالس تأتي امتدادا لمجالس الحوار التي اقرتها الوزارة سابقا بين الطلاب والمعلمين وبين المعلمين واولياء الامور مبينا ان الحوار فيها امتاز بالمصارحة والشفافية وكان له اثار ايجابية على الطالب والمدرس في آن واحد.

محاربة الاحادية

اما المرشد الطلابي بنفس المدرسة فرج محمد المنصور امتدح تلك الخطوة ووصفها بالرائدة واشار الى ضرورة محاربة كل ثقافة احادية متسائلا كيف يمكن لتلك الثقافة أن تنتج عقلا محاورا، وكيف يمكنها أن تعلم الأجيال الجديدة الحوار وهي لا تتقن فن السماع بعد، واوضح المنصور بأن تنبه الوزارة لاهمية المدرسة في غرس ثقافة الحوار رغم تأخرها نسبيا يمثل خطوة هامة لإرساء قواعد ثابتة لهذه الثفافة التي بدأت تتفاعل في مجتمعنا منذ انشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، واضاف قائلا ان المركز لا يمكن ان يؤدي دوره بالشكل المأمول مالم نتجه الى الفروع التي تغذيه كالمدرسة والاسرة والهيئات والمؤسسات وغيرها لنؤسس من خلالها ثقافة تقوم على الرأي الجماعي والمشورة مبينا ان المدرسة تعتبر من اهم المراكز الحيوية المؤثرة والقادرة على تأسيس المبادئ والقيم من خلال تعويد ابنائنا على صناعة مستقبلهم بالشكل الذي يتوافق مع مصالحهم ويعود على مجتمعنا بالنفع ويعزز وحدتنا وتماسكنا.

الثقة

من جانب آخر عبر عدد من الطلاب -المشغولين بهموم الامتحانات في اول ايامها- عن سعادتهم بأنشاء المجالس مؤكدين ان هذا القرار يمنحهم الثقة والشعور المبكر بأنهم يمثلون عناصر فاعلة في المجتمع وقال عبدالله باواكد الطالب بالصف السادس الابتدائي انه سيكون من أول المترشحين للمجلس الطلابي بينما اكد الطالب محمد اسامة اللوح على اهمية مثل تلك المجالس في التقارب بين المدرس والطالب وقال ان مثل هذا التقارب ينعكس ايجابيا على المستوى الدراسي للطالب وقد وافقه في الرأي الطالبان احمد هشام قنيطه وعبدالعزيز محمد سيف اللذان قالا ان تلك المجالس تساهم في حل مشاكل الطلاب وتساعد على تفهم المعلمين لمشاكلهم وقراءة افكارهم.

مواجهة التحديات

وفي متوسطة الملك فهد النموذجية بشارع التحلية اشار عابد هاشم مدير المدرسة الى اهمية مثل تلك المجالس في تأسيس جيل قادر على مواجهة التحديات والمتغيرات مبينا ان مدرسة الملك فهد من المدارس السباقة في انشاء المجالس الطلابية، وتحدث عابد عن اهمية مجالس الآباء لضمان تواصل فاعل ومؤثر بين المدرسة واولياء الامور، واستعرض تجربة مدرسته التي يعمل بها والتي رأت ان تعقد تلك المجالس في الفترة الصباحية بدلا من المسائية لضمان حضور اكبر عدد ممكن من اولياء الأمور وتمكين الآباء من الأطمئنان على ابنائهم خلال اليوم الدراسي واطلاعهم على ما تقوم به المدرسة من ادوار بارزة والاسهام من قبل أولياء الامور في تفعيل دور المدرسة والوقوف الى جانبها لأنجاح برامجها.

مجتمع فاعل

واستعرض رئيس فريق النشاط المدرسي بنفس المدرسة علي العمري انشطة المدرسة في مجال انشاء المجالس الطلابية مؤكدا ضرورة مثل هذة المجالس لايجاد مجتمع فاعل وقال ان المدرسة انشأت الى جانب مجالس الآباء مجالس الرواد ومجالس الحوار بين الادارة والمعلمين وبعض اولياء الامور كما انشأت مجالس عرفاء الفصول التي اسهمت في تلمس الكثير من مشاكل الطلبة وحلها بالطرق السليمة. ورأى الطالبان ابراهيم المزيني وعبدالمجيد العمري ان المجالس الطلابية بمتوسطة الملك فهد قدمت العديد من النتائج الايجابية للطلاب وتمنيا تعميم تلك المجالس في جميع مدارس المملكة.

قابلية السماع

وفي مدرسة المغيرة بن شعبة اوضح استاذ اللغة العربية عبدالله الحارثي قائلا: لا يمكن لثقافة الحوار أن تقوم بمعزل عن قابلية السماع لذلك لايبدو من العسير إنجاز أي مشروع بنيوي في هذا الإطار حاليا لأن مؤشرات هامة تدل على أن فهما جديدا يلوح في الأفق، فالحوار بدأ يشيع في مجتمعاتنا.