-A +A
كاظم الشبيب
نعم هناك شفافية وطنية، وشفافية غير وطنية. الأولى تنمي الوطن، والثانية تضره، وإن كانت بنية حسنة. وما بينهما ممرات تضيق وتتسع حسب الحالة السياسية والاقتصادية والأمنية التي يعيشها كل بلد. في الدول النامية يخشى البعض منها لما تسببه من حرج لواقع المتنفذين. وفي الدول المتقدمة يتبناها الجميع لما تقدمه للموالاة والمعارضة من مساحات لمعالجة مشاكل قائمة، ومن فرص انتخابية متطورة، كما يجري ذلك في بريطانيا واليابان وفرنسا. وخلف الصورتين توجد ثقافة تاريخية واعراف اجتماعية وتجارب تراكمية اوصلتهما لما هما عليه اليوم.
يلحظ المتابع للشأن الوطني في المملكة بزوغ حالة من الشفافية الجميلة، خارج أسوار قاعات الحوار الوطني، تواكب المسارات الداخلية للحوار الوطني الذي يستعد للانطلاق نحو أعمال دورته الثامنة. يمكننا تسميتها بالشفافية الناقدة للذات. بل هي ترجمة عملية ونقلة نوعية للروح النقدية البناءة المراد تعميمها على الجميع. نلحظ ذلك في زوايا عديدة من الحراك العام في المملكة على صعيد الدولة ومؤسسات المجتمع المدني والوسائل الإعلامية المختلفة.
أربع جهات لها إسهامات واضحة في تشكل تلك الصورة، بالإضافة إلى مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، وزارات الدولة، مجلس الشورى، الجمعية الوطنية للحقوق الإنسان، والهيئة الوطنية لحقوق الإنسان. فبعد اقتصار الأمر على دعوة مجلس الشورى للوزراء و المسؤولين لمناقشتهم في ما يتعلق بوزاراتهم ودوائرهم، بدأت تتوالى اللقاءات بين إدارتي الجمعية الوطنية والهيئة مع بعض الوزراء والمسؤولين لمتابعة الشؤون الحقوقية في المملكة مثلما تم مع وزراء الداخلية والعدل والعمل والصحة أو مع رؤساء ديوان المراقبة العامة وهيئة التحقيق والادعاء العام وهيئة الرقابة والتحقيق وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ننافي الواقع عندما ندعي بأننا وصلنا إلى المستوى المطلوب من الشفافية، ولكننا نزعم بأننا نسير في خطوات متتالية نحو تطوير التجربة، لأن الشفافية من التجارب الإنسانية التي تأتي بالتراكم. لذا تعاني المنظمات الدولية، كصندوق النقد الدولي و البنك الدولي، من تراوح أغلب الدول في التعامل معهما بين انعدام الشفافية أو وجودها بصور نسبية مختلفة.
لا مكان في عالم اليوم لسياسة الغموض والتكتم، حيث لا تستمر أي معلومة في الخفاء طويلاً. فبات الجميع منزعجين من ظهور المعلومات للعلن، المسؤولون والمديرون، بل حتى أفراد الأسرة الواحدة. لذا من الطبيعي أن يختلط الأمر على الكثيرين حول ما ينبغي كتمانه لخصوصيته وضرر إظهاره، وما ينبغي إخفاؤه لخطورته العامة أو لخشية من فتنة أعظم، ولكن يعمل بعضنا على استغلال ما بين الحالتين لتمضية مبتغيات أخرى!
قد تؤدي الشفافية إلى مشاكل كبيرة، ربما يلعن بعدها العقلاء اليوم الذي انتشرت فيه الشفافية! هنا يستشهد اصحاب هذا الرأي بمجريات الأمور في لبنان وغياب حكومة فعلية في بلجيكا. تكمن المشكلة تارة في عدم القدرة على التعبير السليم عن المعلومة المراد الاعلان عنها في المكان المناسب والوقت المناسب وبالطريقة المناسبة في الحشد المناسب أيضاً وبالكمية - الجرعة- المناسبة. وتارة أخرى يكون الإشكال في كيفية استقبال المتلقي للمعلومة ومقدار إعمال المنطق أو حجم تفاعل العاطفة كرد فعل لتقبل أو رفض المعلومة، أو كما يقول المثل العالمي: “إن بعض القول فن ... فاجعل الإصغاء فناً”، وهي الشفافية المسؤولة. والشفافية المسؤولة هي الشفافية الوطنية. والله من وراء القصد.
kshabib@hotmail.com


للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 141 مسافة ثم الرسالة