-A +A
حرصت حكومة خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله- على اطلاق برامج متكاملة للاصلاح الاقتصادي من خلال انشاء العديد من المدن الاقتصادية وفق نموذج متكامل يهدف الى تنمية مناطقية متوازنة وتوفير فرص عمل لابناء الوطن والرفع من مستوى دخل ورفاهية المواطن ومستوى الخدمات المقدمة وايضا جعل بلادنا ضمن الاقتصاديات القوية المتنوعة القائمة على الصناعات والاستثمارات الكبيرة في المجالات كافة، ولاشك ان هذا يعكس حرص الدولة على تكريس مبدأ العمل المؤسس وهو ما يعتبر من الركائز الاساسية في أي عمل.
ولايخفى في هذا الجانب دور الجهات ذات العلاقة “مجالس المناطق، مجالس التنمية السياحية، مجالس الاستثمار، الامانات، الغرف التجارية الصناعية، فروع السياحة بالمناطق” وجميعها ممثلة في كافة المناطق في ترتيب احتياجات المنطقة حسب اولوياتها لمعرفتها القريبة بظروف وطبيعة واحتياجات مناطقها وبالتالي فالمأمول ان يكون لدى هذه الجهات ما يكفي من الخطط والرؤى التنموية والاستثمارية والسياحية المبنية على دراسات تحليلية معمقة لسنوات قادمة يتم اعدادها من قبل احدى الشركات الاستشارية المتخصصة بالتنسيق مع الجهات الحكومية والقطاع الخاص في تلك المناطق والتي بدورها ترفع لمراجعها لاعتماد احتياجاتها من خدمات البنية التحتية وادراجها ضمن البرامج والخطط تمهيدا لاعتماد تكاليفها المالية على مراحل والتي تحتاج لمزيد من الدعم والانفاق لتحسين البنية التحتية عطفا على الزيادة الكبيرة في السكان والتمدد العمراني في المدن والمحافظات.

وقد يتفق معي الكثير بأن مصلحة كل منطقة بناء على ظروفها ومتطلباتها التنموية وبيئتها التنافسية تتطب وضع هذه الخطط ضمن جداول زمنية ومكانية واضحة ومحددة لما سوف يكون عليه العمل التنموي والاستثماري والسياحي سواء في المدى القصير او المتوسط او الطويل وبحيث تتصف بالمرونة والاستجابة للمتغيرات الداخلية والخارجية. ان هذه الخطط تحتاج الى اليات تنفيذ بالتعاون مع الجهات الحكومية الاخرى الداعمة والمساندة لتقديم التسهيلات المطلوبة لهذه الخطط من طرق وكهرباء ومياه وصرف صحي وتهيئة الشواطئ.. الخ مع اهمية ايجاد اليات التنفيذ والمتابعة والتقييم والمراقبة والمحاسبة تتسم بالفاعلية والجدية والشفافية مع تكثيف الجولات الميدانية والالتقاء بكل من له علاقة بتلك المشاريع والاستماع لهم واشراكهم في البرامج والمشاريع التنموية لضمان سرعة وجودة التنفيذ، وهذا سيتيح بطبيعة الحال الفرصة امام كل جهة وفي مقدمتها “الهيئة العامة للاستثمار، الهيئة العليا للسياحة، الغرف التجارية الصناعية، والامانات اضافة للوزارات ذات العلاقة والقطاع الخاص.. الخ” لان تعد خططها الاستراتيجية وبما يحقق افضل النتائج الاستثمارية عطفا على الامكانيات اللازمة للوفاء بالتزاماتها في تنفيذ ملامح هذه الخطط من خلال حصر وتقييم احتياجات تلك الفرص الاستثمارية من البنية التحتية ومتطلبات تجهيزها ومن ثم الاعلان عن البرامج الاستثمارية والسياحية والتسهيلات الممكنة لكل مشروع. وقد يكون من المناسب في الوقت الراهن ان تسند مهمة الاشراف والمتابعة على هذه الخطط الى مجالس المناطق ومجالس الاستثمار ومجالس التنمية السياحية كل حسب اختصاصه خصوصا في المناطق التي لم تنشأ بها هيئة عليا لتطوير المنطقة نظرا لقربهم ومعرفتهم بظروف وامكانات واحتياجات مناطقهم وتواصلهم الدائم مع افرع الوزارات الحكومية ولاشك ان الحاجة اصبحت ملحة بأن يكون لدى كل منطقة هيئة عليا للتطوير تسند اليها رسم الخطط التنموية للمنطقة والاشراف على تنفيذها لاسيما وان هذه الهيئات حققت نجاحات طيبة في المناطق التي انشأت بها نظرا لان تعدد الجهات التي تشرف وتخطط قد يؤدي الى عدم وجود تناسق وتكامل في بلورة وتنفيذ الخطط الاستثمارية والتنموية مما يقود الى تأخر استكمال البنية التحتية اللازمة للمرحلة التنموية المقبلة.
نريد ان تكون لدينا خطة واهداف واضحة لما يجب ان تكون عليه مكونات وشكل التنمية ومتطلباتها من البنية التحتية في محافظات ومدن مناطق المملكة التي تتوفر فيها مقومات الاستثمار اما بسبب ما تتمتع به من امكانات وثروات طبيعية وسياحية او بسبب الموقع الجغرافي والكثافة السكانية المتوقعة خلال الـ 20 سنة القادمة وكذلك دعم متطلبات المواطنين من الخدمات الاساسية والتي اصبح الطلب عليها متزايدا وهذا يحتاج في بداية الامر الى تحليل وتقييم حقيقي لمستوى البنية التحتية الحالية وعلى ضوء ذلك يتم تحديد الاحتياج وعلى ان تكون هناك اولوية للمحافظات القابلة للتنمية سواء زراعيا او سياحيا او غير ذلك في المجالات التجارية والصناعية الاخرى وبمشاركة فاعلة من المجلس المحلي والبلدي للمحافظة. المواطن يريد ان يعرف بوضوح جهود مجالس الاستثمار في المناطق وايضا الغرف التجارية الصناعية والامانات والادارات ذات العلاقة حول استقطاب الاستثمارات الجادة في الخدمات كافة لمناطقهم والية جذب وتوطين الاستثمار ومن ثم ايجاد فرص عمل للمواطنين مع تحديد الرؤى والاليات المناسبة للجهود المستقبلية في هذا المجال وسبل تطويرها وبما يتفق مع المناخ الاستثماري لكل منطقة.
الجميع يتفق على اهمية التركيز على الاستثمار في الانسان وجعله قادرا على ادارة التنمية بشكل ايجابي وان يكون قادرا على التفاعل مع المتغيرات الاقتصادية وهذا من الركائز الاساسية للتنمية المجتمعية الشاملة، مما يتطلب معه توجيه الجامعات والمؤسسات التربوية والتدريبية والمهنية والتقنية والصحية للتركيز على هذا الجانب لضمان المخرجات الملائمة لمتطلبات هذه المرحلة وحسب احتياج كل منطقة مع اهمية تدريب وتأهيل المواطنين بشكل مدروس وبعيدا عن التركيز فقط على الارقام الكمية وبما يحقق شغل وظائف مشاريع المدن الاقتصادية بالكوادر الوطنية ويحقق انخفاضا كبيرا في معدلات البطالة وارتفاع دخول الافراد والا ما هي الجدوى والعائد الاقتصادي على المواطن من هذه المشاريع الاستثمارية.
كما انه يجب عدم اغفال دور الجمعيات التعاونية والاهلية سواء في المجال الزراعي او الصناعي او مكافحة الفقر والبطالة او غير ذلك من المجالات الاخرى التي تحتاج للحراك والنقاش الاجتماعي وهذا الحراك من عناصر التنمية الشاملة ومما يساهم في معالجة تلك القضايا من خلال اتخاذ القرار المناسب مما يتطلب انشاء العديد من هذه الجمعيات وفق نظام عمل مؤسسي.
لاشك ان الانظمة الحالية للاستثمار والمناقصات واجراءات ترسية المشاريع بحاجة الى اعادة دراسة من قبل مجلس الشورى والجهات ذات العلاقة خصوصا ان النظام الحالي للمناقصات يركز على السعر الاقل عرضا لترسية المشروع عليها بصرف النظر عن امكاناتها مما جعل الكثير من المشاريع تنفذ بمستوى رديء ووقت اطول والمتضرر في ذلك خزانة الدولة وذلك المواطن الذي ينتظر خدمات افضل وفي هذه الحالة تبرز الحاجة لمراجعة وتعديل معايير واجراءات اختيار العروض المتنافسة على اساس كفاءة وتأهيل الشركة مع فتح المجال للشركات العالمية وبلادنا لها تجربة مع بعض الدول التي نفذت مشروعات كبيرة بمواصفات عالية من الجودة وعموما فلا يجب ان نجعل من ذلك شماعة نعلق عليها اخطاءنا على الاقل ريثما يتقرر اعادة النظر في ذلك .
ان بعض مناطق بلادنا بحاجة الى استثناءات في امور عدة فكل منطقة لها ظروفها وخصوصيتها وطبيعتها فليس من الحكمة ان تطبق تلك الانظمة بشكل متساو في المدن الكبيرة والصغيرة والمناطق النائية دون الاخذ بالاعتبار ظروف وطبيعة وامكانات كل منطقة من حيث “كفاءة الجهة المنفذة، مدة العقد، المواصفات.. قيمة العقد، الية الترسية.. الخ” وقد اشار خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- في كلمته في حفل اهالي منطقة جازان بأن المناطق التي سبقها الركب سوف يكون لها شيء من الاستثناء والدعم بشكل اكبر ومطلوب الاستفادة من هذا التوجيه الكريم والرؤية السديدة، وحتى نظام الاستثمار الاجنبي هو الاخر بحاجة الى دراسة من حيث رؤوس الاموال الاجنبية المستهدفة وفق معايير معلنة واجراءات شفافة ودقيقة تحقق مصالح الوطن العليا وهو ما تؤكد عليه توجيهات ولاة الامر -ايدهم الله- لا ان يكون وفق توقعات وافتراضات وارقام غير واقعية مالم خاصة في المواقع الاثرية والسياحية والعيون الحارة والمظلات الجبلية والحدائق والشواطئ والبراري والنفود.. الخ.كما ان هناك حاجة لتطوير الواجهات البحرية وتهيئتها لطرحها للاستثمار لاقامة منتجعات وايضا وحدات سكنية ومراكز الترفيه خصوصا ان بلادنا تتميز بساحل بحري جميل وطويل وشواطئ وجزر جذابة وهذا يتطلب تقديم تسهيلات للمستثمرين من قبل الامانات والبلديات والغرف التجارية والصناعية لحفزهم واغرائهم للقدوم لتلك المناطق.ولابد من الالتزام التام بذلك من قبل الجهات المعنية حتى تكون تلك التسهيلات فعلية ويلمسها رجال الاعمال وهذا يتطلب تفعيلا حقيقيا للمراكز الشاملة في الغرف التجارية والتي تعنى بتسهيل اجراءات طلبات المستثمرين والترويج لذلك اعلاميا وكذلك تفعيل ادارات واقسام المتابعة في افرع الوزارات الحكومية لمتابعة المشاريع الاستثمارية والتأكد من تنفيذها على الوجه المطلوب ومعالجة أية عوائق وقد انفقت الدولة ولاتزال تنفق بلايين الريالات على المشاريع التنموية وهذه المشاريع تتطلب انجازها بالجودة والامانة المطلوبتين وهذا ركن اساسي لاستمرار عجلة التنمية وسيرهما في المسار الصحيح وهو ايضا مرتبط بالقضاء على كافة اوجه الفساد الاداري متى اريد لهذه المشاريع التنموية ان تحقق الهدف من ايجادها وهذا ايضا يستوجب تكثيف الرقابة والمتابعة والمحاسبة واختيار القادات ذات الكفاءة والامانة والاخلاص لمعالجة تعثر الكثير من المشاريع وكذلك تشبع الكثير من المقاولين بمشاريع عديدة رغم محدودية امكاناتهم مما جعلهم يبحثون عن “اشباه مقاولين” من الباطن وبمستوى ضعيف من الامكانيات.
د.حامد بن مالح الشمري