تشهد الساحة الخليجية موجة جديدة من التهديدات المتبادلة بين ايران من جهة, وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى, والمناورات التي أجريت والأخرى التي من المزمع إجراؤها من قبل هذه الأطراف تعبّر بشكل واضح عن حالة التأزم الإقليمي السائدة, وهكذا يمكننا القول أن المنطقة من المحتمل أن تعيش صيفاً, وخريفاً, ملتهبين, وهي وضعية مثيرة للقلق حقاً, لأن محددات الاستقرار الإقليمي تخرج عن إرادة دول المنطقة, حيث تحددها مصالح ورغبات دول أخرى, وهذا بحد ذاته مؤشر غير مطمئن. في السابق كانت معادلة الاستقرار الإقليمي تعتمد على التوازن الاستراتيجي بين الدول الإقليمية المركزية والقوى الكبرى, الآن أصبحت معادلة التوازن العسكري مختلة بعد غزو العراق مما عزز من ميل المنطقة إلى الحر ب والتوتر, فيما زاد الاختراق الخارجي للمنطقة من انكشافها ومليها للنزاع.
التهديد الإسرائيلي بضرب المفاعل النووي الايراني وإجراء تدريبات لهذا الغرض قبل فترة يدل على النزعة العدوانية لديها, وكذلك هي الحال مع وجهة النظر الأمريكية حيال ايران التي تحاول تشديد الخناق على طهران من خلال العقوبات الاقتصادية والمناورات العسكرية في الخليج, ومحاولة خلخلة الحكومة الايرانية من الداخل. واشنطن تخطئ في هذا الشأن لأن محاولة إضعاف الحكومة الايرانية لا يتم بهذا الشكل, كما أن الضربة العسكرية لايران لا تساهم في إضعاف الحكومة الايرانية. وواشنطن سوف تقع في نفس الخطأ الذي وقع فيه صدام حسين عندما دخل الحرب مع ايران بعيد الثورة بقليل, في ظل عدم استقرار سياسي داخلي في ايران نظراً لتصفية عدد كبير من ضباط الجيش الايراني الموالين للشاه آنذاك. لكن الحرب أدت إلى تعزيز الجبهة الداخلية الايرانية وهذا أمر متوقع؛ فالخطر الخارجي يجعل الأمة تتحد في الغالب ضد التهديد الخارجي ويعّزز الشرعية السياسية للحكومة.
الخليج لا يحتمل مواجهة عسكرية أخرى وهناك الكثير من المصالح والمنشآت الحيوية المعرضة للدمار, كما أن ذلك لا يخدم الاقتصاد العالمي الذي هو على وشك أزمة اقتصادية كبرى, خاصةً أن أسعار الطاقة في تزايد والمواجهة العسكرية في الخليج, فيما لو حدثت, سوف تجعل الأسعار تقترب من المائتي دولار أو تتجاوزها. فمضيق هرمز شريان حيوي للتجارة الدولية ويمر من خلاله حوالى 20 مليون برميل نفط يومياً, تشكل أقل بقليل من ربع إمدادات النفط في العالم. رغم أن تهديد ايران بغلق المضيق والتعرض لإمدادات النفط أمر يحتاج إلى تمحيص من ناحية تكتيكية ونوعية. فأمريكا لديها القوة العسكرية الجبارة في المنطقة, والعالم لن يقف مكتوف الأيدي حيال أي محاولة ايرانية في هذا الشأن لأن اقتصاديات الدول الغربية لا تحتمل ارتفاعات قياسية أخرى لأسعار الطاقة.
من ناحيتها, إسرائيل تظل المستفيد الأول من أي مواجهة مع ايران, وهي لا تخسر كثيراً من جراء ذلك, فهي ليست دولة محاذية لايران, والقدرات الجوية الإسرائيلية هي الأفضل في المنطقة, ناهيك عن الدعم اللامحدود لها من أمريكا في حالة القيام بعمل عسكري. خسائر إسرائيل تكاد تكون معدومة في حالة تعرض ايران لضربة عسكرية, ويظل ذلك هدفاً مشروعاًً, من وجهة نظر إسرائيلية, مهما كانت النتائج والتداعيات. فايران النووية خطر ضد الدولة اليهودية, يهدد كيانها ووجودها, ومن ناحية أخرى فهو يعزز من حظوظ حكومة ايهود اولمرت المأزومة داخلياً.
الواضح أنه يصعب الجزم بمسار أو حتمية المواجهة وإن كانت المؤشرات تسير في هذا الاتجاه, ويظل الرأي في ذلك من باب التخمين السياسي, لاسيما في ظل تعقد المشهد السياسي الإقليمي وتشابك الملفات. لكن في السياسة الدولية تظل مسألة الأولويات المصلحية مهمة وهي التي تحدد الخيارات السياسية مهما كانت التبعات المترتبة على ذلك.
knhabbas@hotmail.com
للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 145 مسافة ثم الرسالة
التهديد الإسرائيلي بضرب المفاعل النووي الايراني وإجراء تدريبات لهذا الغرض قبل فترة يدل على النزعة العدوانية لديها, وكذلك هي الحال مع وجهة النظر الأمريكية حيال ايران التي تحاول تشديد الخناق على طهران من خلال العقوبات الاقتصادية والمناورات العسكرية في الخليج, ومحاولة خلخلة الحكومة الايرانية من الداخل. واشنطن تخطئ في هذا الشأن لأن محاولة إضعاف الحكومة الايرانية لا يتم بهذا الشكل, كما أن الضربة العسكرية لايران لا تساهم في إضعاف الحكومة الايرانية. وواشنطن سوف تقع في نفس الخطأ الذي وقع فيه صدام حسين عندما دخل الحرب مع ايران بعيد الثورة بقليل, في ظل عدم استقرار سياسي داخلي في ايران نظراً لتصفية عدد كبير من ضباط الجيش الايراني الموالين للشاه آنذاك. لكن الحرب أدت إلى تعزيز الجبهة الداخلية الايرانية وهذا أمر متوقع؛ فالخطر الخارجي يجعل الأمة تتحد في الغالب ضد التهديد الخارجي ويعّزز الشرعية السياسية للحكومة.
الخليج لا يحتمل مواجهة عسكرية أخرى وهناك الكثير من المصالح والمنشآت الحيوية المعرضة للدمار, كما أن ذلك لا يخدم الاقتصاد العالمي الذي هو على وشك أزمة اقتصادية كبرى, خاصةً أن أسعار الطاقة في تزايد والمواجهة العسكرية في الخليج, فيما لو حدثت, سوف تجعل الأسعار تقترب من المائتي دولار أو تتجاوزها. فمضيق هرمز شريان حيوي للتجارة الدولية ويمر من خلاله حوالى 20 مليون برميل نفط يومياً, تشكل أقل بقليل من ربع إمدادات النفط في العالم. رغم أن تهديد ايران بغلق المضيق والتعرض لإمدادات النفط أمر يحتاج إلى تمحيص من ناحية تكتيكية ونوعية. فأمريكا لديها القوة العسكرية الجبارة في المنطقة, والعالم لن يقف مكتوف الأيدي حيال أي محاولة ايرانية في هذا الشأن لأن اقتصاديات الدول الغربية لا تحتمل ارتفاعات قياسية أخرى لأسعار الطاقة.
من ناحيتها, إسرائيل تظل المستفيد الأول من أي مواجهة مع ايران, وهي لا تخسر كثيراً من جراء ذلك, فهي ليست دولة محاذية لايران, والقدرات الجوية الإسرائيلية هي الأفضل في المنطقة, ناهيك عن الدعم اللامحدود لها من أمريكا في حالة القيام بعمل عسكري. خسائر إسرائيل تكاد تكون معدومة في حالة تعرض ايران لضربة عسكرية, ويظل ذلك هدفاً مشروعاًً, من وجهة نظر إسرائيلية, مهما كانت النتائج والتداعيات. فايران النووية خطر ضد الدولة اليهودية, يهدد كيانها ووجودها, ومن ناحية أخرى فهو يعزز من حظوظ حكومة ايهود اولمرت المأزومة داخلياً.
الواضح أنه يصعب الجزم بمسار أو حتمية المواجهة وإن كانت المؤشرات تسير في هذا الاتجاه, ويظل الرأي في ذلك من باب التخمين السياسي, لاسيما في ظل تعقد المشهد السياسي الإقليمي وتشابك الملفات. لكن في السياسة الدولية تظل مسألة الأولويات المصلحية مهمة وهي التي تحدد الخيارات السياسية مهما كانت التبعات المترتبة على ذلك.
knhabbas@hotmail.com
للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 145 مسافة ثم الرسالة