الادارة الامريكية والحكومات الغـربية لازالت تعتقد بأنها ساعدت الشعب العراقي في التخلص من حكم “اوتوقراطي “ او بالعربية المفهومة “استبدادي”, ووفرت للعراق فرصة مثالية للحياة في عالم المجتمعات الديمـــوقراطية والصحافة الحرة، واجد ان النقطة الثـــانية ليست منطقية ابداً والادلة ضدها كثيرة اقربها تقييم “فريدوم هاوس” او بيت الحرية ومقره نيويورك عن الحالة الصحافية في هذا البلد، وقائمة “فريدوم هاوس” لسنة 2008 وضعت الصحافة العراقية في الترتيب الثامن والخمسين بعد المئة، في تراتبية ضمت مئة وخمسا وتسعين دولة، ووصفت الصحافة في العراق بالمقيدة.
حكومة البعث العراقية كانت مسيطرة على الاعلام في العراق ولمدة ثلاثين سنة تقريباً، او بعبارة اوضح طوال فترة جلوس صدام على مقعد الرئاسة، وقال حسين سنجاري (2006) بأن وزارة الاعلام العراقية ايام النظام السابق، فرضت رقابة صارمة ولصيقة على الاذاعة والتلفزيون والصحافة المطبوعة، والاضافة ان الصحافيين العراقيين في ذلك الوقت كانوا يسبحون بحمـــد الحكومة ويتكلمون بلسانها، ولم يمارسوا الادوار التقليدية للصحافة، او يعملوا كوسيط ينوب عن المجتمع امام السلطة، ولو عدنا الى العناوين الاعلامية العراقية قبل الاحتلال، لوجدنا انها انشغلت بتمجيد الرئيس والمحسوبين عليه، والمسألة ليست محصورة في الصحافة وانما امتدت لتشمل النصوص المغناة والافلام، وقد منع النظام بيع اجهزة استقبال البث الفضائي، وقرر عقوبات سالبة للحرية بحق من يتاجر بها او تضبط معه، وخدمة الانترنت كذلك لم تكن مفتوحة للناس العاديين الا في حالة المواقع المحلية او الوطنية، اما المواقع الاجنبية او غير العراقية فالوصول اليها مسموح فقط للشخصيات والنخب المرتبطة بالنظام، وبالتالي كان العراق الشعبي معزولاً تماماً عما يجري في العالم، وهذا الاسلوب سجل نجاحاً مؤثراً في الحرب العالمية الثانية مع المانيا النازية، وخصوصاً في اداراتها للاذاعة والصحافة المطبوعة.
تاريخ الاعـــــلام في العــراق يرجع الى القرن التاسع عشر، وتعتبر جريدة” الزوراء- 1869” اول مطبوعة صدرت فيه، والبث التلفزيوني في العراق ولد سنة 1956، واستناداً الى هذه المعلومة يمكن اعتباره الاول في منطقة الشرق الاوسط، وفي خمسينات وستينات القرن العشرين، كان العراق وبشهادة العارفين والمهتمين الاكثر حرية وحياة في المنطقة، ولم يتغير الا بوصول حزب البعث الى السلطة في سنة 1968، وانخفاض ارقام المؤسسات الاعلامية الى ست جرائد يومية ومايقارب اثنتي عشرة مطبوعة اسبوعية ومحطة واحدة للتلفزيون الحكومي، وتحولت جريدة “الثورة” العراقية الى ناطق رسمي باسم الحكومة، وقالت عريب النجار(2004) ان الاعلام كان عبداً مأموراً لوزارة الاعلام واتحاد الصحافيين العراقيين الذي ترأسه عدي صدام حسين، وكتب بوب شابر(2003) انه ما بين عامي 1980 و1988، استخدم النظام في العراق الحرب العراقية/الايرانية كشماعة او مبرر للسيطرة الحكومية الكاملة على الاعلام، وان وظيفة وزارة الاعلام العراقية وقتها كانت تدور حول تسخير الصحافيين بالتهديــــد او الرشوة المادية او الجنسيـــــة، وادخالهم في ماكينة الدعاية للنظام وتسويقه، وعلى ذمة بورزو دارجي (2003) فان البعث بعد امساكه بالسلطة اعدم مايزيد على خمسمائة صحافي ومثقف عراقي، او ان بعضهم اختفى ولا يعرف مصيره او مكان وجوده.
ثم سقط صدام بعد التدخل البريطاني/الامريكي، وبدأ الاعلام العراقي في تنفس حرية لا يعرفها، وارتفع عدد المحطات الاذاعية والتلفزيونية الى خمس وعشرين محطة، والصحافة المطبوعة الى مئة وخمسين جريدة، وهو مؤشـــر ايجـــابى في شكله العام، الى جانب فتــح الانترنت لجميع الناس والسماح ببيع اجهزة الاستقبال الفضائي، وللعلم فالارقام المذكورة تراجعت اما بسبب الافلاس او تواضع الدخل الاعلاني، وما استمر منها تموله الشخصيات السياسية والجماعات الدينية، ويقوم بالدعاية لها ومهاجمة خصومها، او كما تقول اليسا كونز(2004) مملوك لاشخاص يحاولون الوصول من خلاله الى مناصب سياسية. وحلت جريدة “الصباح” ومحطة “العراقية” المعتمدة في تمويلها على قوات الاحتلال محل جريدة “الثورة” والتلفزيون الحكومي، ولا توجد فعلياً صحف عراقية مستقلة الا “الزمان” و “الصباح الجديد” والاخيرة اسسها صحافيون خرجوا من جريدة “الصباح”.
الحـرية الاعـــلامية بــدون قيــــود او شروط متعبة، استفادت من بداية الاحتلال وانهيار النظام والفراغ السياسي، ونقلت ما يجري على الارض بدون مجملات او مجاملات او التفافات صعبة وغير مفهومة، ولكنها للأسف لم تعمر طويلاً، واسست لمشاكل طائفية وسياسية لم تكن محسوبة، واصبح الناس يخافون من التصريح للصحافة، لان الاعلام صار طرفاً في العنف السياسي والطائفي بين السنة والشيعة، واحتمالات خطف اوتصفيــــة الصحافي او صاحب التصريح واردة، اما بواسطة المتشددين والجماعات المتمردة او جماعات الاجرام المنظم والمرتزقة، وربما القوات العراقية والامريكية، وتوجد قرائن تشير الى ان السياسيين في العراق يستعينــــون بالجماعات المتطــــرفة وما يدخل في حكمها لتصفية الحسابات مع الصحافيين الخارجين عن النص، وبالذات من يعملون في المحطات التلفزيونية، وبالنسبة للصحافة المطبوعة فان بعض الصحافيين العراقيين لايضع اسمه عند نشر مواد مثيرة او حساسة او التي تناقش قضـــايا فساد، او قد يذكر الحادثة دون الاشارة الى الاسماء الحقيقية للاشخاص المتورطين فيها، او مصادر اخباره، او يجلس في مكتبه ويعيد صياغة ما تنقله “الجزيرة” و”العربية” او المواقع الاعلامية على الانترنت، واجمالاً يتجنب الدخول في التفاصيل المحرجة او المسكونة بالمطبات، وكشف هشام الركابي (2007) بان التهديدات تصل الى الصحافيين العراقيين عن طريق الايميل او الموبايل او في رسالة تترك عند ابواب بيوتهم تحذرهم من تغطية اخبار معينة. وبالتأكيد التهديد بالقتل او الخطف ادوات رقابية لها مفعولها الخاص والاستثنائي و ذكرياتها العراقية ...!
binsaudb@ yahoo.com
للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 107 مسافة ثم الرسالة
حكومة البعث العراقية كانت مسيطرة على الاعلام في العراق ولمدة ثلاثين سنة تقريباً، او بعبارة اوضح طوال فترة جلوس صدام على مقعد الرئاسة، وقال حسين سنجاري (2006) بأن وزارة الاعلام العراقية ايام النظام السابق، فرضت رقابة صارمة ولصيقة على الاذاعة والتلفزيون والصحافة المطبوعة، والاضافة ان الصحافيين العراقيين في ذلك الوقت كانوا يسبحون بحمـــد الحكومة ويتكلمون بلسانها، ولم يمارسوا الادوار التقليدية للصحافة، او يعملوا كوسيط ينوب عن المجتمع امام السلطة، ولو عدنا الى العناوين الاعلامية العراقية قبل الاحتلال، لوجدنا انها انشغلت بتمجيد الرئيس والمحسوبين عليه، والمسألة ليست محصورة في الصحافة وانما امتدت لتشمل النصوص المغناة والافلام، وقد منع النظام بيع اجهزة استقبال البث الفضائي، وقرر عقوبات سالبة للحرية بحق من يتاجر بها او تضبط معه، وخدمة الانترنت كذلك لم تكن مفتوحة للناس العاديين الا في حالة المواقع المحلية او الوطنية، اما المواقع الاجنبية او غير العراقية فالوصول اليها مسموح فقط للشخصيات والنخب المرتبطة بالنظام، وبالتالي كان العراق الشعبي معزولاً تماماً عما يجري في العالم، وهذا الاسلوب سجل نجاحاً مؤثراً في الحرب العالمية الثانية مع المانيا النازية، وخصوصاً في اداراتها للاذاعة والصحافة المطبوعة.
تاريخ الاعـــــلام في العــراق يرجع الى القرن التاسع عشر، وتعتبر جريدة” الزوراء- 1869” اول مطبوعة صدرت فيه، والبث التلفزيوني في العراق ولد سنة 1956، واستناداً الى هذه المعلومة يمكن اعتباره الاول في منطقة الشرق الاوسط، وفي خمسينات وستينات القرن العشرين، كان العراق وبشهادة العارفين والمهتمين الاكثر حرية وحياة في المنطقة، ولم يتغير الا بوصول حزب البعث الى السلطة في سنة 1968، وانخفاض ارقام المؤسسات الاعلامية الى ست جرائد يومية ومايقارب اثنتي عشرة مطبوعة اسبوعية ومحطة واحدة للتلفزيون الحكومي، وتحولت جريدة “الثورة” العراقية الى ناطق رسمي باسم الحكومة، وقالت عريب النجار(2004) ان الاعلام كان عبداً مأموراً لوزارة الاعلام واتحاد الصحافيين العراقيين الذي ترأسه عدي صدام حسين، وكتب بوب شابر(2003) انه ما بين عامي 1980 و1988، استخدم النظام في العراق الحرب العراقية/الايرانية كشماعة او مبرر للسيطرة الحكومية الكاملة على الاعلام، وان وظيفة وزارة الاعلام العراقية وقتها كانت تدور حول تسخير الصحافيين بالتهديــــد او الرشوة المادية او الجنسيـــــة، وادخالهم في ماكينة الدعاية للنظام وتسويقه، وعلى ذمة بورزو دارجي (2003) فان البعث بعد امساكه بالسلطة اعدم مايزيد على خمسمائة صحافي ومثقف عراقي، او ان بعضهم اختفى ولا يعرف مصيره او مكان وجوده.
ثم سقط صدام بعد التدخل البريطاني/الامريكي، وبدأ الاعلام العراقي في تنفس حرية لا يعرفها، وارتفع عدد المحطات الاذاعية والتلفزيونية الى خمس وعشرين محطة، والصحافة المطبوعة الى مئة وخمسين جريدة، وهو مؤشـــر ايجـــابى في شكله العام، الى جانب فتــح الانترنت لجميع الناس والسماح ببيع اجهزة الاستقبال الفضائي، وللعلم فالارقام المذكورة تراجعت اما بسبب الافلاس او تواضع الدخل الاعلاني، وما استمر منها تموله الشخصيات السياسية والجماعات الدينية، ويقوم بالدعاية لها ومهاجمة خصومها، او كما تقول اليسا كونز(2004) مملوك لاشخاص يحاولون الوصول من خلاله الى مناصب سياسية. وحلت جريدة “الصباح” ومحطة “العراقية” المعتمدة في تمويلها على قوات الاحتلال محل جريدة “الثورة” والتلفزيون الحكومي، ولا توجد فعلياً صحف عراقية مستقلة الا “الزمان” و “الصباح الجديد” والاخيرة اسسها صحافيون خرجوا من جريدة “الصباح”.
الحـرية الاعـــلامية بــدون قيــــود او شروط متعبة، استفادت من بداية الاحتلال وانهيار النظام والفراغ السياسي، ونقلت ما يجري على الارض بدون مجملات او مجاملات او التفافات صعبة وغير مفهومة، ولكنها للأسف لم تعمر طويلاً، واسست لمشاكل طائفية وسياسية لم تكن محسوبة، واصبح الناس يخافون من التصريح للصحافة، لان الاعلام صار طرفاً في العنف السياسي والطائفي بين السنة والشيعة، واحتمالات خطف اوتصفيــــة الصحافي او صاحب التصريح واردة، اما بواسطة المتشددين والجماعات المتمردة او جماعات الاجرام المنظم والمرتزقة، وربما القوات العراقية والامريكية، وتوجد قرائن تشير الى ان السياسيين في العراق يستعينــــون بالجماعات المتطــــرفة وما يدخل في حكمها لتصفية الحسابات مع الصحافيين الخارجين عن النص، وبالذات من يعملون في المحطات التلفزيونية، وبالنسبة للصحافة المطبوعة فان بعض الصحافيين العراقيين لايضع اسمه عند نشر مواد مثيرة او حساسة او التي تناقش قضـــايا فساد، او قد يذكر الحادثة دون الاشارة الى الاسماء الحقيقية للاشخاص المتورطين فيها، او مصادر اخباره، او يجلس في مكتبه ويعيد صياغة ما تنقله “الجزيرة” و”العربية” او المواقع الاعلامية على الانترنت، واجمالاً يتجنب الدخول في التفاصيل المحرجة او المسكونة بالمطبات، وكشف هشام الركابي (2007) بان التهديدات تصل الى الصحافيين العراقيين عن طريق الايميل او الموبايل او في رسالة تترك عند ابواب بيوتهم تحذرهم من تغطية اخبار معينة. وبالتأكيد التهديد بالقتل او الخطف ادوات رقابية لها مفعولها الخاص والاستثنائي و ذكرياتها العراقية ...!
binsaudb@ yahoo.com
للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 107 مسافة ثم الرسالة