في هذه الحلقة نتطرق الى سوق “حباشة” اكبر الاسواق التهامية التجارية بقرى القنفذة.. وقد اشتهر بتجارته قبل العصر الاسلامي اضافة الى احتضانه اشرف وانبل تاجر في التاريخ الاسلامي محمد صلى الله عليه وسلم عندما كان يتاجر للسيدة خديجة رضي الله عنها.. قبل بدء الرسالة المحمدية. يقع سوق حباشة- بصدر وادي قنونا-بحداب القرشة بمحلة الحواري ببلاد بلحارث بالقرن جنوب شرق قرية – الفائجة – بنحو خمسة أكيال- والى جنوب مجرى وادي قنونا بنحو كيلو متر تقريبا- في تهامة- بالعرضية الشمالية- في محافظة القنفذة – التابعة لإمارة منطقة مكة المكرمة- والموقع الفلكي لعموم وادي قنونا وفق كتاب دليل المواقع الجغرافية بالمملكة العربية السعودية يقع بين خطي درجة العرض -30-22 -19 وخط درجة الطول 39 – 36 -41 ويمتد الوادي من السراة والصدر بالعرضية – وينتهي الى البحر الأحمر حيث القنفذة التي كانت تعرف به قبل خمسمائة سنه والمنطقة والموضع الخاص للسوق في المنطقة المذكورة من حداب القرشة – والحواري - منطقة من الأرض شبه مستطيله تقع في مساحة 1000 كيلو متر مربع تحد من الشرق بسلسلة من جبال طلعة وجنوبا بحداب وتشكل جبال من سلسلة جبال ثميدة الغربية- ومن الشمال حداب يتلوها مجرى وادي قنونا ومن الغرب سور قديم على السوق ومقابر قديمة.
هناك بعض الوقفات عن هذا السوق لم يقف عليها المؤرخون. عدم ربط مدلول الاسم بمناسبة التسمية فالحبش هو بمعنى الجمع والكسب ورد في معجم الوسيط حبش له جمع ويقال حبش لاهله كسب لهم ما يحتاجون إليه فاوجه العلاقة بين الاسم ومناسبة التسمية في الجمع إذ ان له صلة بالشراء ثم معنى أن حبش لأهله كسب والكسب من خصائص السوقية بدعوى واهية مفادها أن هذه السوق لم تكن في مواسم الحج ولا في أشهره وإنما كانت في رجب والاولى أنها كانت محل اهتمام ودراسة كونها سوقا حضرها الرسول صلى الله عليه وسلم في اتجاره مع خديجة قبل البعثة وشهدها أعلام مثل حكيم بن حزام وغيره ولا يلتفت لدعوى الجاهلية التى تفاضل بين الاسواق بالمواسم وتتعصب لسوق على حساب آخر أو منها ايضاً ان هذه السوق واقعة في تهامة الوسطى لم تاخذ حقها من الدراسه والاشارة التاريخية إبان العصر العباسي فكتب تاريخها على السماع دون تحقيق وتمحيص من أفواه العامة وأمتلات صفحات تاريخ المنطقة بالتصحيف والاغلاط والخلط في أسماء الامكنة والمواضع والمدن والاودية وحتى التحقيق الذي جاء يصب ويصحح وقع في أخطاء ومنها دراسة نصوص المؤرخين حول موقع سوق حباشة .
جاءت نصوص المؤرخين الاوائل عن سوق حباشة كما أورد الازرقي في كتابه أخبار مكة عن سوق حباشة ما نصه: “حباشة سوق الازد وهي ديار الاوصام من بارق من صدر قنونا وحلي من ناحية اليمين وهي من مكة على ست ليالي وهي آخر سوق خربت من أسواق الجاهلية وكان والى مكة يستعمل عليها رجلا يخرج معه بجند فيقيمون بها ثلاثة أيام من أول رجب متتالية حتى قتلت الازد واليا عليها من غنى بحثه داود بن عيسى بن موسى في سنة 197 هـ فأشار فقهاء مكة على داود بن عيسى بتخريبها وتركت إلى اليوم وإنما ترك ذكر حباشة مع هذه الاسواق لانها لم تكن في مواسم الحج ولا في أشهره وإنما كانت في رجب”. وقد قمنا بقراءة وتحليل نص الازرقي إلا أن المساحة لا تسمح بسردها كاملة هنا فأقتصرنا منها على نقاط موجزة منها في قوله وحباشة سوق الازد وهي ديار الاوصام من بارق من صدر قنونا ظن بعض المؤرخين أن الازرقي قد أخطأ في العبارة السابقة بل أنه أصاب كبد الحقيقة فقوله حباشة سوق الازد قصد أزد تهامة حين إذن وهم بلقرن بني عبد الله بن الازد.
وضوح وتفريق
ولم تزل فروع منهم سكان قنونا حتى اليوم وهم بني الحارث وبني البحير وبني سهيم وحدد بذلك كل الديار التي تحيط بموقعة السوق أو ترتاده وقوله الاوصام الاقرب للصواب أنه تصحيف عن بني واس أو يوس فرع من خثعم لم يزل له وجود في سراة خثعم حتى اليوم كما أنه لا يزال هناك فروع لخثعم بصدر قنونا حتى اليوم منهم بني المنتشر أما قوله من بارق فلا غرابة فيه فإن قبيلة بارق أزدية وبارق لقب لسعد بن عمرو بن عدي بن إمرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الازد أذن فالازرقي حدد الموقع لسوق حباشة بصدر قنوني وحدد في نصه الازد أهل سوق حباشة بديارها ولعله قصد بذلك التخصيص حتى يكون هناك وضوح وتفريق بين أزد بن عبد الله وأزد بارق من جهة وأزد بني نصر الذين منهم غامد وزهران من جهة أخرى والازرقي في نصه أوضح أن المسافة بين سوق حباشة ومكة ست ليال وهذه المسافة تنطبق تماما على بعد قنونا موضع السوق عن مكة بالكيلو متر نحو 400 كلم بينما تبعد بارق وحلي باكثر من ست ليال عن مكة كما أشار بذلك المؤرخون لذا يتبين لنا قصد الازرقي من ذكر الاوصام وبارق وهو تحديد قبائل الازد أهل السوق سوق حباشة من جهة والمحيطين به من جهة أخرى. وأورد ياقوت الحمودي في معجمه مانصه: (حباشة بالضم والشين معجمة وأصل الحباشة الجماعة من الناس ليسو من قبيلة واحدة وحبشت له حباشة أي جمعت له شئا وحباشة سوق من أسواق العرب في الجاهلية ذكرت في حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: لما استوى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ أشده وليس له كثير مال إستأجرته خديجة إلى سوق حباشة وهو سوق بتهامة واستأجرت معه رجلا من قريش, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عنها ما رأيت من صاحبة أجير خيرا من خديجة ما كنا نرجع وصاحبي إلا وجدنا عندها تحفة من طعام تخبئه لنا قال فلما رجعنا من سوق حباشة ….إلخ ,,,, وتتجلى حقيقة في نص الحمودي تبين أهمية هذه السوق واستحقاقها لمزيد من إلقاء الضوء عليها بصرف النظر عن كونها لم تقم في أشهر الحج فذلك لا يتنافى مع أهميتها ولا ينقص من شأنها البته.
وأورد أبو عبيد البكري في معجمة عن سوق حباشة مانصه “الحباشة بضم أوله وبالشين المعجمة أيضا على وزن فعالة ويقال حباشة دون ألف ولام سوق للعرب بناحية مكة وهي أكبر أسواق تهامة كانت تقوم ثمانية أيام في السنة”.
قال حكيم بن حزام: “وقد رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يحضرها واشتريت بزا من بز تهامة وهي من صدر قنونا أرضها لبارق”.. أنتهى نص الازرقي حيث أشار لشهرة السوق بقوله “معروفة بالكبر” وقوله “وهي أكبر أسواق تهامة والمدة الزمنية لأقامتها” ورأى المؤرخون أن الازرقي خلط بين قنونا وبارق في قوله: “وهي من صدر قنونا أرضها لبارق” سيقت ألاشارة الى أن بارقي ازدية هذا من ناحية وأنها مع الازد التي حدد الازرقي ديارها مع أزدقنونا أما قوله أرضها لبارق فليس القصد موقع السوق من بارق حيث أجمع واتفق مع البكري أن السوق في صدر قنونا.
كانت بارق وجبل يقال له شن وقنونا وتبالة وبني واس أو يوس وما والاها في العصر الجاهلي تمثل إقليما واحدا وكيانا واحدا إبان إقامة خثعم بها ثم الازد فيما بعد فلا يستغرب أن بارق بما كان فيه من الخيرات والخصب كانت أهم مؤسسة لسوق حباشة بصدر قنونا مع قبائل الأسواق الأخرى التى تلتقي معها نسبة في الازد وأرضها في الإقليمية والجغرافية وكون الإقليم واحداً فإن معنى أرضها لبارق يقصد منه التبعية الإقليمية الصغرى أما التبعية الكبرى بعد عصر الإسلام فكانت من إمارة مكة.
تعدين الذهب
سوق حباشة الذي اشار إلى موقعة المؤرخون ، وخاصة الأزرقي والبكري، يقع في بداية تكوّن وادي قنونا بعد اجتماع الأودية الأربعة المذكورة في بحث قنونا، شرق المحلة المعروفة بالحوائر في بلاد بلقرن ، وبلحارث منهم خاصة. كما نعتقد أن أهمية موقعه بين عدد من الاودية (وادي رحمان، ووادي الخيطان، ووادي الحفيان، ووادي بيان) جنوب غربي قرية الفائجة بحوالى (4) أكيال أكسبه شهرة وميزة، ذلك لأنه محطة ارتكاز بين الاودية والذي كان سكانه مشهورين بالاشتغال بالتعدين، وبخاصة تعدين الذهب، مع قربه من موقع معدن عشم أحد أشهر مواقع المعادن في الجزيرة العربية، ولجودة ذهبه وغزارة معدنه، ولذلك قامت على وجوده قرية عشم عاصمة المخلاف المسمى بها. اضافة الى قربه من أقصر الطرق التجارية الرابطة بين اليمن والحجاز الذي نحسبه طريق رحلة الشتاء للقوافل التجارية القرشية، وهو المعروف بطريق المخاليف لكثرة القرى الواقعة على امتداده.
زراعة وادي قنونا
ويزرع في وادي قنونا الدخن والذرة بكثرة ومن كثرة الحبوب به تباع بثمن زهيد جدا فكل خمسة عشرمدا من الحب تساوي من الثمن بعملتهم (ريال بطيرة) وقيمته عشرة قروش مصرية والمد اليمني يبلغ وزنه ثلاثة أقق على الأقل فيصير كل خمس واربعين اقة من الحب بعشرة قروش مصرية . والمحل المسمى بأم الجرم ملك الأشراف ذوي زيد القاطنين بمكة والمتولي اعمالها وزراعتها عبيد لهم ومواليد عتقائهم. ومن المراجع المعتبرة التي تضمنت ذكر وصول الرسول عليه الصلاة والسلام إلى هذه السوق قبل البعثة – تاريخ الطبري المعروف بتاريخ الأمم والملوك لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري في الجزء الأول مانصه:
“حدثنا الحارث – قال حدثنا محمد بن سعد قال حدثنا محمد بن عمر قال حدثنا معمر وغيره عن ابن شهاب الزهري وقد قال ذلك غيره من أهل البلد–أن خديجة إنما كانت استأجرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلا آخر من قريش إلى سوق حباشة بتهامة- الخ........”, هذا من جهة ومن أخرى أورد صاحب كتاب أسواق العرب في الجاهلية والإسلام – سعيد الافغاني ما يؤكد وقوع السوق بقنونا, مبينا بقوله عن الاهمية الجغرافية لموقع السوق اذ يقول: “فهي المتجر المتوسط المشترك بين الحجاز واليمن” ثم أورد حديث يفيد باتجار الرسول في سوق حباشة وقد ورد في النصوص السابقة – كما ورد الحديث في كتب شتى قد لاتسمح المساحة هنا باستعراضها لكن الشيء الذي يؤسف أن سوق حباشه لم تحظ بعناية كافية وشامله من يا قوت الحموي لاسيما أن سوق حباشه من أهم بواعث ودواعي تأليف معجمه الشهير معجم البلدان وقد ذكر ذلك في مقدمة معجمه.
كانت عناية إبراهيم بن علي الفقيه مدير التربية والتعليم بمحافظة القنفذة سابقا بآثار المحافظة حيث دعم البحث الأثري بالمنطقة وشجعه وتابع بنفسه مجريات الكشوف الأثرية بالرغم من الصعوبات في البدايات من أجل إقناع العامة والخاصة أن للعرضيتين آثارها في ظل عدم قناعتهم بوجود آثار في منطقتهم مرجعين الى العزلة التي ظلت في المنطقة عن الدراسات اضافة الى غيابها عن الكشف الأثري.
وأفرز ذلك شعورا لدى الكثيرين باستحالة وجود آثار بالمنطقة . إلا أنه وكما سلف القول فإن الفقيه جند من الجهود ما أسفر عن وجود عدد من النقوش والرسوم الأثرية التي يعود الكثير منها إلى عهود العرب البائدة, كما أسفر البحث الأثري كذلك عن وجود المقابر الأثرية السطحية قديمة المنشأ مثل مقبرة الرسوس في عمارة, والتي تم تسويرها من قبل وكالة الآثار بوزارة التربية والتعليم فضلا عن وجود وكشف العديد من القرى والحصون الأثرية المتناثرة في الجبال وعلى ضفاف بعض الأودية، وماتم كشفه من آثار بالعرضيتين هو النقوش الأثرية في العرضية الجنوبية. يقول ابراهيم الفقيه: لقد تم العثور على نقوش ومخربشات ثمودية وصفوية بجبل الكتب بكروان اضافة الى نقوش مكسر سارة, وهي نقوش مابين نبطية وأخرى نقوش مسندية تقع إلى جنوب شعب مكسر سارة بشعب بلحارث ضمن نطاق جبال ثميدة الأثرية .وربما تعود هذه الرسوم لفترات عهود العرب البائدة في مخصر العض وهي رسوم لوعول لم يسبق كشفها حتى من أهل المنطقة لعدم المبالاة بها، رسوم لغزلان ووعول تعود للفترة المشار لها بوادي شعب بلحارث حياد السهبة، رسوم ثيران وحشية تعود لعصور الصيادين الأوائل بكهف خليلة الأثري ببلاد آل كثير بالعرضية الجنوبية, كما أن هناك عدداً من الرسوم التي قيد البحث والدراسة.
اكتشف فريق البحث والاستكشاف في العرضية عدداً من المقابر التي تم الرفع عنها لوكالة الآثار وتسويرها ومنها مقابر الرسوس وهي مقابر أثرية سطحية تم الرفع عنها لوكالة الآثار وتم تسويرها وأطلع عليها الباحث والمؤرخ أستاذ التاريخ بجامعة الملك خالد بابها الدكتور غيثان جريس الشهري.
العرضية الشمالية
كمثيلتها لم تخل العرضية الشمالية من بقايا التاريخ وآثاره فقد احتوت على عدد من النقوش والمقابر, اضافة الى القصور والاحصنة القديمة, كان من ابرز الاكتشافات نقش ورسم النمر بمحلة الحسك على ضفاف صدر وادي قنونا الشهير حيث أطلع عليها المؤرخ غيثان الشهري أستاذ التاريخ بجامعة الملك خالد فأشار الى أن النقش قد يمتد إلى 500 سنة. اضافة الى نقش الضريبية ووفقا لخصائص الخط فإنه يعود إلى نقش أوائل القرن الثاني الهجري وهو نقش نصه: “بسم الله الرحمن الرحيم” اللهم نور السموات والأرض، وقد أطلع عليه الباحث والمؤرخ حسن الفقيه.
ومن المقابر: مقابر منار الأثرية وهي قيد البحث ضمن (القرى الأثرية في العرضية الشمالية).
اما القصور والحصون التي شهدها تاريخ العرضية والتي تعود الى ابناء المنطقة آنذاك منها: قصر بن قصاص - قصر آل شاكر ثريبان العوامر- قصر آل بن جاري بالطبق . قصر آل محفوظ بآل حذيفة.
هناك بعض الوقفات عن هذا السوق لم يقف عليها المؤرخون. عدم ربط مدلول الاسم بمناسبة التسمية فالحبش هو بمعنى الجمع والكسب ورد في معجم الوسيط حبش له جمع ويقال حبش لاهله كسب لهم ما يحتاجون إليه فاوجه العلاقة بين الاسم ومناسبة التسمية في الجمع إذ ان له صلة بالشراء ثم معنى أن حبش لأهله كسب والكسب من خصائص السوقية بدعوى واهية مفادها أن هذه السوق لم تكن في مواسم الحج ولا في أشهره وإنما كانت في رجب والاولى أنها كانت محل اهتمام ودراسة كونها سوقا حضرها الرسول صلى الله عليه وسلم في اتجاره مع خديجة قبل البعثة وشهدها أعلام مثل حكيم بن حزام وغيره ولا يلتفت لدعوى الجاهلية التى تفاضل بين الاسواق بالمواسم وتتعصب لسوق على حساب آخر أو منها ايضاً ان هذه السوق واقعة في تهامة الوسطى لم تاخذ حقها من الدراسه والاشارة التاريخية إبان العصر العباسي فكتب تاريخها على السماع دون تحقيق وتمحيص من أفواه العامة وأمتلات صفحات تاريخ المنطقة بالتصحيف والاغلاط والخلط في أسماء الامكنة والمواضع والمدن والاودية وحتى التحقيق الذي جاء يصب ويصحح وقع في أخطاء ومنها دراسة نصوص المؤرخين حول موقع سوق حباشة .
جاءت نصوص المؤرخين الاوائل عن سوق حباشة كما أورد الازرقي في كتابه أخبار مكة عن سوق حباشة ما نصه: “حباشة سوق الازد وهي ديار الاوصام من بارق من صدر قنونا وحلي من ناحية اليمين وهي من مكة على ست ليالي وهي آخر سوق خربت من أسواق الجاهلية وكان والى مكة يستعمل عليها رجلا يخرج معه بجند فيقيمون بها ثلاثة أيام من أول رجب متتالية حتى قتلت الازد واليا عليها من غنى بحثه داود بن عيسى بن موسى في سنة 197 هـ فأشار فقهاء مكة على داود بن عيسى بتخريبها وتركت إلى اليوم وإنما ترك ذكر حباشة مع هذه الاسواق لانها لم تكن في مواسم الحج ولا في أشهره وإنما كانت في رجب”. وقد قمنا بقراءة وتحليل نص الازرقي إلا أن المساحة لا تسمح بسردها كاملة هنا فأقتصرنا منها على نقاط موجزة منها في قوله وحباشة سوق الازد وهي ديار الاوصام من بارق من صدر قنونا ظن بعض المؤرخين أن الازرقي قد أخطأ في العبارة السابقة بل أنه أصاب كبد الحقيقة فقوله حباشة سوق الازد قصد أزد تهامة حين إذن وهم بلقرن بني عبد الله بن الازد.
وضوح وتفريق
ولم تزل فروع منهم سكان قنونا حتى اليوم وهم بني الحارث وبني البحير وبني سهيم وحدد بذلك كل الديار التي تحيط بموقعة السوق أو ترتاده وقوله الاوصام الاقرب للصواب أنه تصحيف عن بني واس أو يوس فرع من خثعم لم يزل له وجود في سراة خثعم حتى اليوم كما أنه لا يزال هناك فروع لخثعم بصدر قنونا حتى اليوم منهم بني المنتشر أما قوله من بارق فلا غرابة فيه فإن قبيلة بارق أزدية وبارق لقب لسعد بن عمرو بن عدي بن إمرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الازد أذن فالازرقي حدد الموقع لسوق حباشة بصدر قنوني وحدد في نصه الازد أهل سوق حباشة بديارها ولعله قصد بذلك التخصيص حتى يكون هناك وضوح وتفريق بين أزد بن عبد الله وأزد بارق من جهة وأزد بني نصر الذين منهم غامد وزهران من جهة أخرى والازرقي في نصه أوضح أن المسافة بين سوق حباشة ومكة ست ليال وهذه المسافة تنطبق تماما على بعد قنونا موضع السوق عن مكة بالكيلو متر نحو 400 كلم بينما تبعد بارق وحلي باكثر من ست ليال عن مكة كما أشار بذلك المؤرخون لذا يتبين لنا قصد الازرقي من ذكر الاوصام وبارق وهو تحديد قبائل الازد أهل السوق سوق حباشة من جهة والمحيطين به من جهة أخرى. وأورد ياقوت الحمودي في معجمه مانصه: (حباشة بالضم والشين معجمة وأصل الحباشة الجماعة من الناس ليسو من قبيلة واحدة وحبشت له حباشة أي جمعت له شئا وحباشة سوق من أسواق العرب في الجاهلية ذكرت في حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: لما استوى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ أشده وليس له كثير مال إستأجرته خديجة إلى سوق حباشة وهو سوق بتهامة واستأجرت معه رجلا من قريش, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عنها ما رأيت من صاحبة أجير خيرا من خديجة ما كنا نرجع وصاحبي إلا وجدنا عندها تحفة من طعام تخبئه لنا قال فلما رجعنا من سوق حباشة ….إلخ ,,,, وتتجلى حقيقة في نص الحمودي تبين أهمية هذه السوق واستحقاقها لمزيد من إلقاء الضوء عليها بصرف النظر عن كونها لم تقم في أشهر الحج فذلك لا يتنافى مع أهميتها ولا ينقص من شأنها البته.
وأورد أبو عبيد البكري في معجمة عن سوق حباشة مانصه “الحباشة بضم أوله وبالشين المعجمة أيضا على وزن فعالة ويقال حباشة دون ألف ولام سوق للعرب بناحية مكة وهي أكبر أسواق تهامة كانت تقوم ثمانية أيام في السنة”.
قال حكيم بن حزام: “وقد رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يحضرها واشتريت بزا من بز تهامة وهي من صدر قنونا أرضها لبارق”.. أنتهى نص الازرقي حيث أشار لشهرة السوق بقوله “معروفة بالكبر” وقوله “وهي أكبر أسواق تهامة والمدة الزمنية لأقامتها” ورأى المؤرخون أن الازرقي خلط بين قنونا وبارق في قوله: “وهي من صدر قنونا أرضها لبارق” سيقت ألاشارة الى أن بارقي ازدية هذا من ناحية وأنها مع الازد التي حدد الازرقي ديارها مع أزدقنونا أما قوله أرضها لبارق فليس القصد موقع السوق من بارق حيث أجمع واتفق مع البكري أن السوق في صدر قنونا.
كانت بارق وجبل يقال له شن وقنونا وتبالة وبني واس أو يوس وما والاها في العصر الجاهلي تمثل إقليما واحدا وكيانا واحدا إبان إقامة خثعم بها ثم الازد فيما بعد فلا يستغرب أن بارق بما كان فيه من الخيرات والخصب كانت أهم مؤسسة لسوق حباشة بصدر قنونا مع قبائل الأسواق الأخرى التى تلتقي معها نسبة في الازد وأرضها في الإقليمية والجغرافية وكون الإقليم واحداً فإن معنى أرضها لبارق يقصد منه التبعية الإقليمية الصغرى أما التبعية الكبرى بعد عصر الإسلام فكانت من إمارة مكة.
تعدين الذهب
سوق حباشة الذي اشار إلى موقعة المؤرخون ، وخاصة الأزرقي والبكري، يقع في بداية تكوّن وادي قنونا بعد اجتماع الأودية الأربعة المذكورة في بحث قنونا، شرق المحلة المعروفة بالحوائر في بلاد بلقرن ، وبلحارث منهم خاصة. كما نعتقد أن أهمية موقعه بين عدد من الاودية (وادي رحمان، ووادي الخيطان، ووادي الحفيان، ووادي بيان) جنوب غربي قرية الفائجة بحوالى (4) أكيال أكسبه شهرة وميزة، ذلك لأنه محطة ارتكاز بين الاودية والذي كان سكانه مشهورين بالاشتغال بالتعدين، وبخاصة تعدين الذهب، مع قربه من موقع معدن عشم أحد أشهر مواقع المعادن في الجزيرة العربية، ولجودة ذهبه وغزارة معدنه، ولذلك قامت على وجوده قرية عشم عاصمة المخلاف المسمى بها. اضافة الى قربه من أقصر الطرق التجارية الرابطة بين اليمن والحجاز الذي نحسبه طريق رحلة الشتاء للقوافل التجارية القرشية، وهو المعروف بطريق المخاليف لكثرة القرى الواقعة على امتداده.
زراعة وادي قنونا
ويزرع في وادي قنونا الدخن والذرة بكثرة ومن كثرة الحبوب به تباع بثمن زهيد جدا فكل خمسة عشرمدا من الحب تساوي من الثمن بعملتهم (ريال بطيرة) وقيمته عشرة قروش مصرية والمد اليمني يبلغ وزنه ثلاثة أقق على الأقل فيصير كل خمس واربعين اقة من الحب بعشرة قروش مصرية . والمحل المسمى بأم الجرم ملك الأشراف ذوي زيد القاطنين بمكة والمتولي اعمالها وزراعتها عبيد لهم ومواليد عتقائهم. ومن المراجع المعتبرة التي تضمنت ذكر وصول الرسول عليه الصلاة والسلام إلى هذه السوق قبل البعثة – تاريخ الطبري المعروف بتاريخ الأمم والملوك لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري في الجزء الأول مانصه:
“حدثنا الحارث – قال حدثنا محمد بن سعد قال حدثنا محمد بن عمر قال حدثنا معمر وغيره عن ابن شهاب الزهري وقد قال ذلك غيره من أهل البلد–أن خديجة إنما كانت استأجرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلا آخر من قريش إلى سوق حباشة بتهامة- الخ........”, هذا من جهة ومن أخرى أورد صاحب كتاب أسواق العرب في الجاهلية والإسلام – سعيد الافغاني ما يؤكد وقوع السوق بقنونا, مبينا بقوله عن الاهمية الجغرافية لموقع السوق اذ يقول: “فهي المتجر المتوسط المشترك بين الحجاز واليمن” ثم أورد حديث يفيد باتجار الرسول في سوق حباشة وقد ورد في النصوص السابقة – كما ورد الحديث في كتب شتى قد لاتسمح المساحة هنا باستعراضها لكن الشيء الذي يؤسف أن سوق حباشه لم تحظ بعناية كافية وشامله من يا قوت الحموي لاسيما أن سوق حباشه من أهم بواعث ودواعي تأليف معجمه الشهير معجم البلدان وقد ذكر ذلك في مقدمة معجمه.
كانت عناية إبراهيم بن علي الفقيه مدير التربية والتعليم بمحافظة القنفذة سابقا بآثار المحافظة حيث دعم البحث الأثري بالمنطقة وشجعه وتابع بنفسه مجريات الكشوف الأثرية بالرغم من الصعوبات في البدايات من أجل إقناع العامة والخاصة أن للعرضيتين آثارها في ظل عدم قناعتهم بوجود آثار في منطقتهم مرجعين الى العزلة التي ظلت في المنطقة عن الدراسات اضافة الى غيابها عن الكشف الأثري.
وأفرز ذلك شعورا لدى الكثيرين باستحالة وجود آثار بالمنطقة . إلا أنه وكما سلف القول فإن الفقيه جند من الجهود ما أسفر عن وجود عدد من النقوش والرسوم الأثرية التي يعود الكثير منها إلى عهود العرب البائدة, كما أسفر البحث الأثري كذلك عن وجود المقابر الأثرية السطحية قديمة المنشأ مثل مقبرة الرسوس في عمارة, والتي تم تسويرها من قبل وكالة الآثار بوزارة التربية والتعليم فضلا عن وجود وكشف العديد من القرى والحصون الأثرية المتناثرة في الجبال وعلى ضفاف بعض الأودية، وماتم كشفه من آثار بالعرضيتين هو النقوش الأثرية في العرضية الجنوبية. يقول ابراهيم الفقيه: لقد تم العثور على نقوش ومخربشات ثمودية وصفوية بجبل الكتب بكروان اضافة الى نقوش مكسر سارة, وهي نقوش مابين نبطية وأخرى نقوش مسندية تقع إلى جنوب شعب مكسر سارة بشعب بلحارث ضمن نطاق جبال ثميدة الأثرية .وربما تعود هذه الرسوم لفترات عهود العرب البائدة في مخصر العض وهي رسوم لوعول لم يسبق كشفها حتى من أهل المنطقة لعدم المبالاة بها، رسوم لغزلان ووعول تعود للفترة المشار لها بوادي شعب بلحارث حياد السهبة، رسوم ثيران وحشية تعود لعصور الصيادين الأوائل بكهف خليلة الأثري ببلاد آل كثير بالعرضية الجنوبية, كما أن هناك عدداً من الرسوم التي قيد البحث والدراسة.
اكتشف فريق البحث والاستكشاف في العرضية عدداً من المقابر التي تم الرفع عنها لوكالة الآثار وتسويرها ومنها مقابر الرسوس وهي مقابر أثرية سطحية تم الرفع عنها لوكالة الآثار وتم تسويرها وأطلع عليها الباحث والمؤرخ أستاذ التاريخ بجامعة الملك خالد بابها الدكتور غيثان جريس الشهري.
العرضية الشمالية
كمثيلتها لم تخل العرضية الشمالية من بقايا التاريخ وآثاره فقد احتوت على عدد من النقوش والمقابر, اضافة الى القصور والاحصنة القديمة, كان من ابرز الاكتشافات نقش ورسم النمر بمحلة الحسك على ضفاف صدر وادي قنونا الشهير حيث أطلع عليها المؤرخ غيثان الشهري أستاذ التاريخ بجامعة الملك خالد فأشار الى أن النقش قد يمتد إلى 500 سنة. اضافة الى نقش الضريبية ووفقا لخصائص الخط فإنه يعود إلى نقش أوائل القرن الثاني الهجري وهو نقش نصه: “بسم الله الرحمن الرحيم” اللهم نور السموات والأرض، وقد أطلع عليه الباحث والمؤرخ حسن الفقيه.
ومن المقابر: مقابر منار الأثرية وهي قيد البحث ضمن (القرى الأثرية في العرضية الشمالية).
اما القصور والحصون التي شهدها تاريخ العرضية والتي تعود الى ابناء المنطقة آنذاك منها: قصر بن قصاص - قصر آل شاكر ثريبان العوامر- قصر آل بن جاري بالطبق . قصر آل محفوظ بآل حذيفة.