رغم أن الاقتصاد السعودي يعيش أزهى عصوره ، ويمر بمرحلة انتعاش كبيرة وبدرجة نمو عالية قد تمتد إلى عدة سنوات نتيجة النمو الاستثنائي في عائدات وحجم الإنفاق والسيولة المرتفع ، بالإضافة إلى توقعات بدخول استثمارات أجنبية خلال الفترة المقبلة. الا ان سوق الاسهم يأبى الا ان يسير عكس الاتجاه في مخالفة صريحة وواضحة لما هو متعارف عليه من قواعد. ترى ما اسباب تراجع السوق رغم ايجابية مؤشرات الاقتصاد وتحسن نتائج الشركات؟ وما مقترحات وتوصيات المختصين للنهوض بالسوق من جديد.؟
فضل بن سعد البوعينين الكاتب والمحلل الاقتصادي يرى: إنه عادة ما تكون السوق المالية انعكاسا حقيقيا لأداء الإقتصاد، فالإقتصادات الناضجة تقوم في الأساس على أداء قطاعات الإنتاج التي تحركها الشركات المدرجة في السوق المالية. لذا نجد أن هناك تناغما تاما بين أداء الشركات والسوق المالية من جهة وأداء الإقتصاد الكلي. بل أكثر من ذلك أصبحت الشركات العالمية المدرجة في الأسواق المالية العالمية مؤشرا لحركة الإقتصاد العالمي، تؤثر وتتأثر به سلبا وإيجابا. الأمر يمكن مشاهدته بوضوح في السوق الأمريكية والأسواق الأوربية، وبعض الأسواق الآسيوية وعلى رأسها اليابان. لا يمكن أن تشهد تلك الأسواق انهيارات، أو تراجعات حادة مالم تكن هناك مسببات مباشرة في أداء الإقتصاد الكلي وأداء الشركات المسيطرة على قطاعات الإنتاج. فقطاع المصارف على سبيل المثال لا الحصر يمكن أن يكشف عن العلاقة الوثيقة بين حركة الإقتصاد وانعكاساتها على أداء السوق المالية بشكل عام، إلى درجة صعوبة التنبؤ بالمتسبب الحقيقي في سلبية الأداء العام وإيجابيته؛ وعلى سبيل المثال، هل المصارف الغربية متسببة في خلق الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، أم أن تدهور الوضع الإقتصادي هو الذي أدى إلى انكشاف البنوك بعد إنخفاض قيمة الرهونات العقارية من جهة، وتعثر المقترضين عن السداد بسبب ارتفاع نسب الفائدة، وإنخفاض عوائد العقارات من جهة أخرى.
باختصار شديد فالاقتصاد المحلي ما هو إلا انعكاس حقيقي لأداء المنشآت الإنتاجية التي يفترض أن تتشكل منها سوق المال، لذا يفترض أن تكون العلاقة بين سوق المال والاقتصاد علاقة طردية متناغمة، وهي القاعدة الصحيحة للإقتصادات الناضجة التي تدار بحرفية متناهية. أما العلاقة العكسية المتنافرة فهي شذوذ عن القاعدة وعادة ما تعكس هذه العلاقة المتنافرة مستوى الإدارة الاقتصادية الموجهة للإقتصاد العام .
للأسف الشديد فالعلاقة بين النمو الإقتصادي المزدهر القائم على إرتفاع أسعار النفط، وزيادة معدلات الإنتاج، وتضخم الإيرادات النفطية وسوق الأسهم السعودية هي علاقة عكسية متنافرة وهو أمر محزن، ومثير للتساؤلات. وإذا ما أضفنا إلى هذا إرتفاع معدلات ربحية الشركات المساهمة مقارنة بالسنوات الماضية، فالأمر يصبح أكثر تعقيدا .
بل الأمر يوشك أن يصيب المختصين بالحيرة و بالجنون في حالة مقارنتهم بين حجم الازدهار الاقتصادي الخرافي المعتمد على زيادة الإيرادات النفطية، وزيادة الإنفاق الحكومي، وضعف القدرة المالية لدى المواطنين.
ويعتقد البوعينين أن الأمر على علاقة مباشرة بإدارة الإقتصاد، فالدولة تنفق بسخاء على المشروعات الخدمية، التنموية، والاجتماعية إلا أن هذا الإنفاق لا يظهر أثره في معيشة المواطنين، وهذا كما قلت يحدث بسبب الإدارة التي يفترض أن تستثمر أموال الدولة التي تنفقها من أجل رفاهية المواطنين على الوجه الأمثل. أجزم بأن جُل القرارات التنموية التي أصدرها الملك عبدالله، وولي عهده الأمير سلطان إتخذت من المواطن محورا رئيسا لها، ويبقى السؤال الأهم هل ترجمت فرق العمل التي تولت تنفيذ المشروعات رؤية الملك وولي عهده وتطلعاتهما في تنمية قطاعات الإنتاج وزيادة رفاهية المواطنين والتخفيف عنهم؟
للأسف الشديد هناك فصل تام بين ما يحدث في أسواق النفط من ارتفاعات حادة أثرت إيجابا في إيرادات الدولة وساعدتها في توجيه الكم الأكبر منها لتنمية البلاد، وإزدهار الاقتصاد رغبة في تحسين معيشة المواطنين، وما يحدث في سوق الأسهم.
الزلزال وتوابعه
سوق الأسهم تعرضت إلى انهيار مدمر في فبراير 2006 ساهم في تبخر ثروات المواطنين وأموالهم، وكان ذاك بسبب محدودية كفاءة إدارة السوق المالية، وسلبية الجهات المالية ذات العلاقة بالسوق والاقتصاد؛ ثم تعرضت السوق لانهيارات أخرى يمكن تسميتها (زلازل إرتدادية) حدثت بسبب الزلزال المدمر الأول الذي ما زالت (إرتداداته) تضرب السوق بين الفينة والأخرى، كما حدث يوم الثلاثاء الماضي. وشهدت السوق تدنيا في مستوى الأداء العامين 2006، 2007، و النصف الأول من العام 2008 في الوقت الذي شهدت فيه أسعار النفط، وإيرادات الدولة ارتفاعات حادة إنعكست إيجابا على أداء الإقتصاد. إذا يمكن القول أن مؤشر سوق الأسهم السعودية في حركة عكسية دائمة مع مؤشر أداء الإقتصاد، أسعار النفط، ارتفاع الإيرادات الحكومية، وزيادة الإنفاق الحكومي الذي يفترض أن يؤثر إيجابا على ربحية قطاع الإنتاج، وبالتالي سوق المال!!!.
المعادلة باتت مقلوبة، ولا يمكن تبريرها، فالعلة لا تكمن في الإقتصاد المزدهر وعدم تمكنه من فرض الازدهار على السوق المالية بالتبعية، بل العلة تكمن في سوق الأسهم التي لم تنجح حتى الآن في العثور على الأب الروحي الذي يمكن أن يقاتل من أجل إعادتها إلى جادة الصواب. الأسواق المالية تبحث دائما عن الأب الروحي المؤثر الذي يمكن أن يعيد لها توازنها بتصريح واحد كما كان يفعل «جرين سبان» قبل تقاعده، في السوق الأمريكية، أو كما يفعل الوزير علي النعيمي في أسواق النفط العالمية.
ماذا ينقص السوق ؟
من جهته قال رئيس لجنة الأوراق المالية بالغرفة التجارية بجدة محمد النفيعي انه في ظل توافر المقومات الاقتصادية الايجابية المحيطة بالسوق التي تعطي مؤشر الثقة في الاستثمار اتجاها ايجابيا إلا أن أسلوب التداولات وتذبذبه بل وأحيانا حدته يضعنا أمام تساؤلاً هاما ((ماذا ينقص سوق المال السعودي ليحقق التوازن المطلوب للاستثمار لدى المتداولين)).
هل تكمن المشكلة في أداء الشركات أم تتابع الاكتتابات بدون خطة زمنية كاملة واضحة للطرح أو التداول أم في الشفافية أم تكمن المشكلة في طبيعة قطاع كبير من المستثمرين الذين غلب عليهم حب المضاربة اليومية والتقلب المستمر بين قطاعات السوق وشركاته جريا وراء المكسب السريع.
إن طبيعة الاستثمار في سوق الأسهم حاليا اختلفت عما كانت عليه قبل تطور السوق والنظام الآلي فقد كانت نسبة المستثمرين «بدافع القناعة الاستثمارية ورغبة في توزيعات نقدية منتظمة» نسبة لا يستهان بها لذلك كان توازن السوق مبنيا على تلازم الطبيعة الاستثمارية مع المضاربة جنبا إلى جنب في السوق والهزات التي تعرضت لها السوق في الماضي إنما نشأت نتيجة عدم بروز دور قوي للصناديق الاستثمارية بالإضافة إلى بعض الأحداث العالمية التي انعكست سلبا عل كافة أسواق المال.
أما الآن فمع توفر دور اكبر للصناديق الاستثمارية في الأعوام القليلة الماضية «رغم انخفاض حجمها الآن» إلا أن نسبة المستثمرين الأفراد ذو الطابع الاستثماري طويل الأجل أصبحت هامشية مع سيطرة أسلوب المضاربة.
لذلك فان السوق في حاجة شديدة لتوازن حقيقي ويمكن تحقيقه بزيادة مستوى الشفافية في التعاملات من ناحية وفي أداء الشركات من ناحية أخرى بإلزام الشركات بالإعلان عن أي متغيرات قد تنعكس سلبا أو إيجابا على الربحية المتوقعة للشركات خلال فترة زمنية معينة.
مع الإعلان عن وجود خطة زمنية سنوية لشركات الطرح الجديد ومواعيد تداولها وأيضا عودة البنوك وصناديقها كمؤثر ايجابي لتوازن السوق بطبيعتها الاستثمارية طويلة الأجل، معا زيادة التوعية للمستثمرين إعلاميا لرفع القناعة الاستثمارية لديهم.
كل ذلك سوف يحقق لسوق الأسهم رؤية فنية جيدة ورغبة اكبر لدى المستثمرين في وضع خطط استثمارية طويلة الأجل مما يحقق الهدف الأساسي في توازن السوق.
وأشار بان الاستثمار في سوق المال عادة يخضع إلى قناعة بالاستثمار وعوامل الدعم والمقاومة للأسعار ومستوى الثقة في الاستثمار وطبيعته.
ولكننا نشهد طبيعة مختلفة نسبيا في سوق الأسهم السعودية فنجد سيطرة حالة من التفاؤل على التداولات واندفاع كبير في الشراء بدون تقييم القيمة العادلة لكثير من الشركات ودون الاهتمام بمستوى المخاطرة فيها وذلك تفاؤلا بالعوامل الاقتصادية الجيدة المحيطة بالسوق والرغبة في تحقيق اكبر قدر من المكاسب في اقصر مدة ممكنة.
وفي ظل نفس العوامل الاقتصادية نجد تحولاً كبيراً في التداولات واتجاه للبيع العشوائي أحيانا في كافة القطاعات وبفروق عالية تحت مسمى جني أرباح الذي يتجاوز الحدود المنطقية للهبوط وبدون تقييم القيمة العادلة للعديد من الشركات .
وعادة نجد أن الصعود في سوق المال السعودي مصحوبا بنمو بطيء وفي ظل تداولات كبيرة وان الهبوط يتم عادةً بسرعة كبيرة وبكميات قليلة نسبيا قد تأكل معها نسبة كبيرة مما حققته الأسعار في الصعود وفي فترة قصيرة جداً لا تتناسب مع ذات الفترة التي صعدت فيها السوق.
عوامل غير منطقية
من جهته يرى عصام مصطفى خليفة عضو جمعية الاقتصاد السعودي أن تراجع مؤشر سوق الأسهم بهذا الشكل المخيف يؤكد أن الضغوط التي يواجهها المؤشر حالياً ليست ضغوطا اقتصادية ، لكن يبدو أن السوق تتذبذب نتيجة عوامل غير منطقية أو اقتصادية، والهزة القوية التي تتعرض لها حالياً تعود لعوامل وأسباب مختلفة :
ـ من أهمها العامل النفسي والذي يعد سببا رئيسيا في فقدان الثقة في السوق وفي قرارات هيئة السوق المالية وتحميل الهيئة مسؤولية عدم نهوض سوق الأسهم حتى الآن مقارنة بالأسواق الأخرى، من خلال إغراق السوق باكتتابات متلاحقة سحبت جزءا من سيولة السوق لصالح المؤسسين للشركات المطروحة ، وزادت عمق المضاربات .
ـ ومن الأسباب المهمة هو أن سوق الأسهم السعودية ما زالت تعاني من عمليات مضاربات غير مشروعة وعمليات تدوير بين المحافظ تمكن المضاربين والمتحالفين المتلاعبين في السوق من رفع اسعار أسهم بعض الشركات الصغيرة بصورة مبالغ فيها، مستغلين محدودية عدد أسهمها ما يمكنهم من السيطرة على تداولاتها ورفعها إلى أي مستوى يرغبونه دون أدنى اكتراث لمدى منطقية ذلك مما يسبب انهيارها لاحقا ملحقا بالغ الضرر بمعظم المتعاملين في السوق.
ـ ومن ضمن هذه العوامل عدم وجود صناع حقيقيين في السوق قادرين على الوقوف أمام وجه التصحيح العنيف الذي يتعرض له السوق ، كما أن عدم خبرة الكثير من المتعاملين في السوق ساهمت في تعرضهم لخسائر كبيرة.
ـ ومن أسباب حالة عدم توازن السوق زخم التصريحات والتصريحات المضادة التي يدلي بها بعض مضاربي السوق من جهة ، ومسؤولو بعض الشركات من جهة أخرى على مدار اليوم الواحد ، مما يربك السوق ويشوش على غالبية المستثمرين وفي مقدمتهم صغار المستثمرين الذين غالباً ما سجلوا خسائر كبيرة خلال الفترات الماضية .
ـ ومن العوامل التي ساهمت في تراجع السوق قلقل المستثمرين من الأحداث والتوترات السياسية في المنطقة خاصة فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني ، يضاف إلى ذلك انسياق السوق المحلية وراء ما يحدث حاليا في أسواق المال العالمية ، بالإضافة إلى بيانات القوائم المالية لبعض الشركات التي انخفضت نسبة أرباحها في الربع الثاني من العام الجاري ، والتفاعل العكسي نحو توجه هيئة سوق المال في تطبيق وحدة جديدة لتذبذب السهم ، ودخول فصل الصيف الذي يشهد في العادة سحب بعض المضاربين والمستثمرين سيولتهم.
ولا يستطيع أحد أن يتوقع جازما إلى متى سيستمر هذا الهبوط أو إلى أي مدى سيصعد المؤشر وذلك بسبب أن السوق السعودي سوق ناشئة ويفتقد إلى بعض العوامل الأساسية التي تساهم في توازن واستقرار السوق.
ولهذا انصح المتعاملين في السوق باستيعاب الدرس القاسي المترتب على هذا التراجع والتراجعات السابقة وتحاشي الاستثمار في شركات المضاربة والتركيز على الشركات ذات العوائد والأداء الجيد ، وذلك لأن الاستثمار في شركات المضاربة عملية يكتنفها الكثير من المخاطر نظرا لأن أسعارها عرضة لتراجعات حادة خلال عمليات التصحيح التي عادة ما تشهدها السوق المالية.
كما أنصح صغار المساهمين في هذه الفترة الحرجة بأن لا تحركهم عواطفهم ومخاوفهم وعرض أسهمهم للبيع وهي خاسرة ، بل عليكم بالصبر والاهتمام بالاتجاه العام للسوق على المدى البعيد وعدم التركيز على صعود وهبوط الأسعار اليومي فالسنة بها 12 شهراً وليس شهرا أو شهرين فلا تجازفوا بعرض أسهمكم للبيع وهي خاسرة وانتظروا لحين عودة التوازن للسوق وعرض أسهمكم تدريجيا بالأسعار التي تحقق لكم عائدا ماديا مجديا.
كما أن على هيئة السوق المالية دور كبير في استعادة توازن السوق وإعادة الثقة فيها، وذلك بتشديد الرقابة على المضاربين والمتلاعبين الذين يقومون بأفعال غير مشروعة في السوق وتعزيز مستوى الشفافية من جميع أطراف السوق .
ختاماً : هناك إجماع على أن عوامل القوة لا زالت متوفرة في السوق سواء في الاقتصاد كلي أو اهتمام وحماية الدولة للسوق ، ومن المتوقع أن تنتهي موجات التصحيح المؤلمة وسيعود السوق لنشاطه وستسجل أسعار الأسهم خصوصاً القيادية ارتفاعات مقنعة.
ضغوط السوق غير اقتصادية
فيما يرى الخبير الاقتصادي سعيد بن علي البسامي ان الضغوط التي يواجهها سوق الأسهم حاليا ليست ضغوطا اقتصادية، وذلك بسبب ان هذه المرحلة يمر الاقتصاد السعودي بأفضل حالاته وبدرجة نمو عالية وذلك من خلال ارتفاع أسعار النفط وحجم الإنفاق المرتفع وتأثيره المباشر على رفاهية المواطنين وارتفاع حجم السيولة، بالإضافة إلى توقعات بدخول استثمارات اجنبية خلال الفترة المقبلة، وكل هذه المؤشرات هي التي أدت الى انتعاش السوق وهي لا تزال قائمة بالإضافة إلى اهتمام الدولة وقرارات هيئة سوق المال التي تدعم السوق من المفترض ان تعيد السوق لوضعه الطبيعي.
لكن السوق يتذبذب نتيجة عوامل غير اقتصادية، والهزة القوية التي يتعرض لها تعود لأسباب مختلفة من أهمها العامل النفسي والذي يعد سببا رئيسيا في فقدان الثقة في السوق وبالتالي نجد عروضا ولكن بدون طلبات حتى على الشركات ذات العوائد ومن الأسباب المهمة هي وقوع السوق في قبضة المضاربين وتحوله من سوق استثمار الى سوق مضاربة والتلاعب بأسعار الأسهم ، بالاضافة الى عدم وجود صناع حقيقيين في السوق يقفون في وجه التصحيح العنيف الذي يتعرض له السوق، كما ان محدودية الخبرة لدى الكثير من المتعاملين في السوق ساهم في تعرضهم لخسائر كبيرة.
فضل بن سعد البوعينين الكاتب والمحلل الاقتصادي يرى: إنه عادة ما تكون السوق المالية انعكاسا حقيقيا لأداء الإقتصاد، فالإقتصادات الناضجة تقوم في الأساس على أداء قطاعات الإنتاج التي تحركها الشركات المدرجة في السوق المالية. لذا نجد أن هناك تناغما تاما بين أداء الشركات والسوق المالية من جهة وأداء الإقتصاد الكلي. بل أكثر من ذلك أصبحت الشركات العالمية المدرجة في الأسواق المالية العالمية مؤشرا لحركة الإقتصاد العالمي، تؤثر وتتأثر به سلبا وإيجابا. الأمر يمكن مشاهدته بوضوح في السوق الأمريكية والأسواق الأوربية، وبعض الأسواق الآسيوية وعلى رأسها اليابان. لا يمكن أن تشهد تلك الأسواق انهيارات، أو تراجعات حادة مالم تكن هناك مسببات مباشرة في أداء الإقتصاد الكلي وأداء الشركات المسيطرة على قطاعات الإنتاج. فقطاع المصارف على سبيل المثال لا الحصر يمكن أن يكشف عن العلاقة الوثيقة بين حركة الإقتصاد وانعكاساتها على أداء السوق المالية بشكل عام، إلى درجة صعوبة التنبؤ بالمتسبب الحقيقي في سلبية الأداء العام وإيجابيته؛ وعلى سبيل المثال، هل المصارف الغربية متسببة في خلق الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، أم أن تدهور الوضع الإقتصادي هو الذي أدى إلى انكشاف البنوك بعد إنخفاض قيمة الرهونات العقارية من جهة، وتعثر المقترضين عن السداد بسبب ارتفاع نسب الفائدة، وإنخفاض عوائد العقارات من جهة أخرى.
باختصار شديد فالاقتصاد المحلي ما هو إلا انعكاس حقيقي لأداء المنشآت الإنتاجية التي يفترض أن تتشكل منها سوق المال، لذا يفترض أن تكون العلاقة بين سوق المال والاقتصاد علاقة طردية متناغمة، وهي القاعدة الصحيحة للإقتصادات الناضجة التي تدار بحرفية متناهية. أما العلاقة العكسية المتنافرة فهي شذوذ عن القاعدة وعادة ما تعكس هذه العلاقة المتنافرة مستوى الإدارة الاقتصادية الموجهة للإقتصاد العام .
للأسف الشديد فالعلاقة بين النمو الإقتصادي المزدهر القائم على إرتفاع أسعار النفط، وزيادة معدلات الإنتاج، وتضخم الإيرادات النفطية وسوق الأسهم السعودية هي علاقة عكسية متنافرة وهو أمر محزن، ومثير للتساؤلات. وإذا ما أضفنا إلى هذا إرتفاع معدلات ربحية الشركات المساهمة مقارنة بالسنوات الماضية، فالأمر يصبح أكثر تعقيدا .
بل الأمر يوشك أن يصيب المختصين بالحيرة و بالجنون في حالة مقارنتهم بين حجم الازدهار الاقتصادي الخرافي المعتمد على زيادة الإيرادات النفطية، وزيادة الإنفاق الحكومي، وضعف القدرة المالية لدى المواطنين.
ويعتقد البوعينين أن الأمر على علاقة مباشرة بإدارة الإقتصاد، فالدولة تنفق بسخاء على المشروعات الخدمية، التنموية، والاجتماعية إلا أن هذا الإنفاق لا يظهر أثره في معيشة المواطنين، وهذا كما قلت يحدث بسبب الإدارة التي يفترض أن تستثمر أموال الدولة التي تنفقها من أجل رفاهية المواطنين على الوجه الأمثل. أجزم بأن جُل القرارات التنموية التي أصدرها الملك عبدالله، وولي عهده الأمير سلطان إتخذت من المواطن محورا رئيسا لها، ويبقى السؤال الأهم هل ترجمت فرق العمل التي تولت تنفيذ المشروعات رؤية الملك وولي عهده وتطلعاتهما في تنمية قطاعات الإنتاج وزيادة رفاهية المواطنين والتخفيف عنهم؟
للأسف الشديد هناك فصل تام بين ما يحدث في أسواق النفط من ارتفاعات حادة أثرت إيجابا في إيرادات الدولة وساعدتها في توجيه الكم الأكبر منها لتنمية البلاد، وإزدهار الاقتصاد رغبة في تحسين معيشة المواطنين، وما يحدث في سوق الأسهم.
الزلزال وتوابعه
سوق الأسهم تعرضت إلى انهيار مدمر في فبراير 2006 ساهم في تبخر ثروات المواطنين وأموالهم، وكان ذاك بسبب محدودية كفاءة إدارة السوق المالية، وسلبية الجهات المالية ذات العلاقة بالسوق والاقتصاد؛ ثم تعرضت السوق لانهيارات أخرى يمكن تسميتها (زلازل إرتدادية) حدثت بسبب الزلزال المدمر الأول الذي ما زالت (إرتداداته) تضرب السوق بين الفينة والأخرى، كما حدث يوم الثلاثاء الماضي. وشهدت السوق تدنيا في مستوى الأداء العامين 2006، 2007، و النصف الأول من العام 2008 في الوقت الذي شهدت فيه أسعار النفط، وإيرادات الدولة ارتفاعات حادة إنعكست إيجابا على أداء الإقتصاد. إذا يمكن القول أن مؤشر سوق الأسهم السعودية في حركة عكسية دائمة مع مؤشر أداء الإقتصاد، أسعار النفط، ارتفاع الإيرادات الحكومية، وزيادة الإنفاق الحكومي الذي يفترض أن يؤثر إيجابا على ربحية قطاع الإنتاج، وبالتالي سوق المال!!!.
المعادلة باتت مقلوبة، ولا يمكن تبريرها، فالعلة لا تكمن في الإقتصاد المزدهر وعدم تمكنه من فرض الازدهار على السوق المالية بالتبعية، بل العلة تكمن في سوق الأسهم التي لم تنجح حتى الآن في العثور على الأب الروحي الذي يمكن أن يقاتل من أجل إعادتها إلى جادة الصواب. الأسواق المالية تبحث دائما عن الأب الروحي المؤثر الذي يمكن أن يعيد لها توازنها بتصريح واحد كما كان يفعل «جرين سبان» قبل تقاعده، في السوق الأمريكية، أو كما يفعل الوزير علي النعيمي في أسواق النفط العالمية.
ماذا ينقص السوق ؟
من جهته قال رئيس لجنة الأوراق المالية بالغرفة التجارية بجدة محمد النفيعي انه في ظل توافر المقومات الاقتصادية الايجابية المحيطة بالسوق التي تعطي مؤشر الثقة في الاستثمار اتجاها ايجابيا إلا أن أسلوب التداولات وتذبذبه بل وأحيانا حدته يضعنا أمام تساؤلاً هاما ((ماذا ينقص سوق المال السعودي ليحقق التوازن المطلوب للاستثمار لدى المتداولين)).
هل تكمن المشكلة في أداء الشركات أم تتابع الاكتتابات بدون خطة زمنية كاملة واضحة للطرح أو التداول أم في الشفافية أم تكمن المشكلة في طبيعة قطاع كبير من المستثمرين الذين غلب عليهم حب المضاربة اليومية والتقلب المستمر بين قطاعات السوق وشركاته جريا وراء المكسب السريع.
إن طبيعة الاستثمار في سوق الأسهم حاليا اختلفت عما كانت عليه قبل تطور السوق والنظام الآلي فقد كانت نسبة المستثمرين «بدافع القناعة الاستثمارية ورغبة في توزيعات نقدية منتظمة» نسبة لا يستهان بها لذلك كان توازن السوق مبنيا على تلازم الطبيعة الاستثمارية مع المضاربة جنبا إلى جنب في السوق والهزات التي تعرضت لها السوق في الماضي إنما نشأت نتيجة عدم بروز دور قوي للصناديق الاستثمارية بالإضافة إلى بعض الأحداث العالمية التي انعكست سلبا عل كافة أسواق المال.
أما الآن فمع توفر دور اكبر للصناديق الاستثمارية في الأعوام القليلة الماضية «رغم انخفاض حجمها الآن» إلا أن نسبة المستثمرين الأفراد ذو الطابع الاستثماري طويل الأجل أصبحت هامشية مع سيطرة أسلوب المضاربة.
لذلك فان السوق في حاجة شديدة لتوازن حقيقي ويمكن تحقيقه بزيادة مستوى الشفافية في التعاملات من ناحية وفي أداء الشركات من ناحية أخرى بإلزام الشركات بالإعلان عن أي متغيرات قد تنعكس سلبا أو إيجابا على الربحية المتوقعة للشركات خلال فترة زمنية معينة.
مع الإعلان عن وجود خطة زمنية سنوية لشركات الطرح الجديد ومواعيد تداولها وأيضا عودة البنوك وصناديقها كمؤثر ايجابي لتوازن السوق بطبيعتها الاستثمارية طويلة الأجل، معا زيادة التوعية للمستثمرين إعلاميا لرفع القناعة الاستثمارية لديهم.
كل ذلك سوف يحقق لسوق الأسهم رؤية فنية جيدة ورغبة اكبر لدى المستثمرين في وضع خطط استثمارية طويلة الأجل مما يحقق الهدف الأساسي في توازن السوق.
وأشار بان الاستثمار في سوق المال عادة يخضع إلى قناعة بالاستثمار وعوامل الدعم والمقاومة للأسعار ومستوى الثقة في الاستثمار وطبيعته.
ولكننا نشهد طبيعة مختلفة نسبيا في سوق الأسهم السعودية فنجد سيطرة حالة من التفاؤل على التداولات واندفاع كبير في الشراء بدون تقييم القيمة العادلة لكثير من الشركات ودون الاهتمام بمستوى المخاطرة فيها وذلك تفاؤلا بالعوامل الاقتصادية الجيدة المحيطة بالسوق والرغبة في تحقيق اكبر قدر من المكاسب في اقصر مدة ممكنة.
وفي ظل نفس العوامل الاقتصادية نجد تحولاً كبيراً في التداولات واتجاه للبيع العشوائي أحيانا في كافة القطاعات وبفروق عالية تحت مسمى جني أرباح الذي يتجاوز الحدود المنطقية للهبوط وبدون تقييم القيمة العادلة للعديد من الشركات .
وعادة نجد أن الصعود في سوق المال السعودي مصحوبا بنمو بطيء وفي ظل تداولات كبيرة وان الهبوط يتم عادةً بسرعة كبيرة وبكميات قليلة نسبيا قد تأكل معها نسبة كبيرة مما حققته الأسعار في الصعود وفي فترة قصيرة جداً لا تتناسب مع ذات الفترة التي صعدت فيها السوق.
عوامل غير منطقية
من جهته يرى عصام مصطفى خليفة عضو جمعية الاقتصاد السعودي أن تراجع مؤشر سوق الأسهم بهذا الشكل المخيف يؤكد أن الضغوط التي يواجهها المؤشر حالياً ليست ضغوطا اقتصادية ، لكن يبدو أن السوق تتذبذب نتيجة عوامل غير منطقية أو اقتصادية، والهزة القوية التي تتعرض لها حالياً تعود لعوامل وأسباب مختلفة :
ـ من أهمها العامل النفسي والذي يعد سببا رئيسيا في فقدان الثقة في السوق وفي قرارات هيئة السوق المالية وتحميل الهيئة مسؤولية عدم نهوض سوق الأسهم حتى الآن مقارنة بالأسواق الأخرى، من خلال إغراق السوق باكتتابات متلاحقة سحبت جزءا من سيولة السوق لصالح المؤسسين للشركات المطروحة ، وزادت عمق المضاربات .
ـ ومن الأسباب المهمة هو أن سوق الأسهم السعودية ما زالت تعاني من عمليات مضاربات غير مشروعة وعمليات تدوير بين المحافظ تمكن المضاربين والمتحالفين المتلاعبين في السوق من رفع اسعار أسهم بعض الشركات الصغيرة بصورة مبالغ فيها، مستغلين محدودية عدد أسهمها ما يمكنهم من السيطرة على تداولاتها ورفعها إلى أي مستوى يرغبونه دون أدنى اكتراث لمدى منطقية ذلك مما يسبب انهيارها لاحقا ملحقا بالغ الضرر بمعظم المتعاملين في السوق.
ـ ومن ضمن هذه العوامل عدم وجود صناع حقيقيين في السوق قادرين على الوقوف أمام وجه التصحيح العنيف الذي يتعرض له السوق ، كما أن عدم خبرة الكثير من المتعاملين في السوق ساهمت في تعرضهم لخسائر كبيرة.
ـ ومن أسباب حالة عدم توازن السوق زخم التصريحات والتصريحات المضادة التي يدلي بها بعض مضاربي السوق من جهة ، ومسؤولو بعض الشركات من جهة أخرى على مدار اليوم الواحد ، مما يربك السوق ويشوش على غالبية المستثمرين وفي مقدمتهم صغار المستثمرين الذين غالباً ما سجلوا خسائر كبيرة خلال الفترات الماضية .
ـ ومن العوامل التي ساهمت في تراجع السوق قلقل المستثمرين من الأحداث والتوترات السياسية في المنطقة خاصة فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني ، يضاف إلى ذلك انسياق السوق المحلية وراء ما يحدث حاليا في أسواق المال العالمية ، بالإضافة إلى بيانات القوائم المالية لبعض الشركات التي انخفضت نسبة أرباحها في الربع الثاني من العام الجاري ، والتفاعل العكسي نحو توجه هيئة سوق المال في تطبيق وحدة جديدة لتذبذب السهم ، ودخول فصل الصيف الذي يشهد في العادة سحب بعض المضاربين والمستثمرين سيولتهم.
ولا يستطيع أحد أن يتوقع جازما إلى متى سيستمر هذا الهبوط أو إلى أي مدى سيصعد المؤشر وذلك بسبب أن السوق السعودي سوق ناشئة ويفتقد إلى بعض العوامل الأساسية التي تساهم في توازن واستقرار السوق.
ولهذا انصح المتعاملين في السوق باستيعاب الدرس القاسي المترتب على هذا التراجع والتراجعات السابقة وتحاشي الاستثمار في شركات المضاربة والتركيز على الشركات ذات العوائد والأداء الجيد ، وذلك لأن الاستثمار في شركات المضاربة عملية يكتنفها الكثير من المخاطر نظرا لأن أسعارها عرضة لتراجعات حادة خلال عمليات التصحيح التي عادة ما تشهدها السوق المالية.
كما أنصح صغار المساهمين في هذه الفترة الحرجة بأن لا تحركهم عواطفهم ومخاوفهم وعرض أسهمهم للبيع وهي خاسرة ، بل عليكم بالصبر والاهتمام بالاتجاه العام للسوق على المدى البعيد وعدم التركيز على صعود وهبوط الأسعار اليومي فالسنة بها 12 شهراً وليس شهرا أو شهرين فلا تجازفوا بعرض أسهمكم للبيع وهي خاسرة وانتظروا لحين عودة التوازن للسوق وعرض أسهمكم تدريجيا بالأسعار التي تحقق لكم عائدا ماديا مجديا.
كما أن على هيئة السوق المالية دور كبير في استعادة توازن السوق وإعادة الثقة فيها، وذلك بتشديد الرقابة على المضاربين والمتلاعبين الذين يقومون بأفعال غير مشروعة في السوق وتعزيز مستوى الشفافية من جميع أطراف السوق .
ختاماً : هناك إجماع على أن عوامل القوة لا زالت متوفرة في السوق سواء في الاقتصاد كلي أو اهتمام وحماية الدولة للسوق ، ومن المتوقع أن تنتهي موجات التصحيح المؤلمة وسيعود السوق لنشاطه وستسجل أسعار الأسهم خصوصاً القيادية ارتفاعات مقنعة.
ضغوط السوق غير اقتصادية
فيما يرى الخبير الاقتصادي سعيد بن علي البسامي ان الضغوط التي يواجهها سوق الأسهم حاليا ليست ضغوطا اقتصادية، وذلك بسبب ان هذه المرحلة يمر الاقتصاد السعودي بأفضل حالاته وبدرجة نمو عالية وذلك من خلال ارتفاع أسعار النفط وحجم الإنفاق المرتفع وتأثيره المباشر على رفاهية المواطنين وارتفاع حجم السيولة، بالإضافة إلى توقعات بدخول استثمارات اجنبية خلال الفترة المقبلة، وكل هذه المؤشرات هي التي أدت الى انتعاش السوق وهي لا تزال قائمة بالإضافة إلى اهتمام الدولة وقرارات هيئة سوق المال التي تدعم السوق من المفترض ان تعيد السوق لوضعه الطبيعي.
لكن السوق يتذبذب نتيجة عوامل غير اقتصادية، والهزة القوية التي يتعرض لها تعود لأسباب مختلفة من أهمها العامل النفسي والذي يعد سببا رئيسيا في فقدان الثقة في السوق وبالتالي نجد عروضا ولكن بدون طلبات حتى على الشركات ذات العوائد ومن الأسباب المهمة هي وقوع السوق في قبضة المضاربين وتحوله من سوق استثمار الى سوق مضاربة والتلاعب بأسعار الأسهم ، بالاضافة الى عدم وجود صناع حقيقيين في السوق يقفون في وجه التصحيح العنيف الذي يتعرض له السوق، كما ان محدودية الخبرة لدى الكثير من المتعاملين في السوق ساهم في تعرضهم لخسائر كبيرة.