-A +A
جولة: سمر مشخوج
على بعد 7 كيلو مترات شرق العاصمة الأردنية عمان يقع كهف الرقيم أو ما سمي بالعامية (الرجيب) الذي اكتشف عام 1963م على يد عالم الآثار الأردني رفيق وفا الدجاني. وقد تراوحت الحقائق بين التأكيد والنفي في صحة أن يكون هذا الموقع هو موقع أهل الكهف كما ورد في القرآن الكريم، حيث يؤكد البعض وجود أكثر من موقع في الشرق الأوسط يعتقد أنه لأهل الكهف. ويعتقد أن مغارة الكهف هي التي اتخذها أصحاب الكهف مرقداً لهم حين دخلوها هاربين بأنفسهم، وفارين بدينهم من طغيان الملك آنذاك، ويرجح أن الحادثة المذكورة قد حدثت أثناء حكم الامبراطور ثيودسيوس الثاني 408-450م. أي في العصر البيزنطي، بعدما انتشرت المسيحية في المنطقة وأصبحت الدين الرسمي للدولة. تفاوتت الآراء بين المؤيد والمعارض لحقيقة أن يكون كهف الرقيم هو نفسه الموجود في عمان، ونظراً إلى ما لقيه القول بالرجيب، موضعا لكهف أهل الكهف، من الاهتمام والترويج الإعلامي، فقد أبطل البعض هذه المعلومة ودحضوها مستندين في ذلك إلى ما تناقلته بعض التفاسير في عهد الخلفاء الراشدين أن في “الرجيب” قرب عمان عاصمة الأردن غاراً ظنه بعض المسلمين كهف “أهل الكهف” واحتمالية ان يكون كهف أفسوس في تركيا هو المقصود أو الكهف الموجود في سوريا.
“عكاظ” قامت بجولتها في المنطقة والتقت ببعض المختصين وأهل الدين للحديث عن هذا الموضوع بالاستناد إلى وقائع علمية ودينية ستثبت أو تنفي صحة ذلك.

وبداية كان اللقاء مع استاذ الشريعة والمختص في علوم القرآن والتفسير الدكتور أحمد نوفل حيث قال: سميت سورة “الكهف” بهذا الاسم لأنها تضمنت قصة أهل الكهف وهي في قلب القرآن وهي في قلب سور الحمد، وللقرآن منهجه وطريقته في عرض القصة ولا يحدد أماكن ولا أزمنة، وعلى الناس أن يبحثوا عن الأمكنة ويحددوا الأزمنة وهذا جهد البشر.
والأمكنة المطروحة أن تكون موقع الكهف الوارد في القرآن الكريم، الكهف في منطقة الرجيب في عمان وسوريا وأفسوس في تركيا، ولا أحد يجزم بأن هنا مكان أهل الكهف لأن القرآن والسنة قالوا، ويبقى البحث العلمي والتاريخي من يحدد ذلك، ومن هنا نحاول أن نصل إلى قرار أو بينة في أي زمان كانوا، فالقرآن لم يدخل في التفاصيل، ولم يوضح ما هو هذا الامبراطور ولكن المعلومة التي أعطانا إياها القرآن فقط هو أن هؤلاء الفتية كانوا على التوحيد وأنهم فروا بدينهم من وجه الملك أو الامبراطور دون تفاصيل، والقرآن يسوق القصة للعبرة لا للتاريخ ولا للامتاع الفني ولا لمجرد الحكاية والسرد وإنما يقتصر على مواطن الاعتبار.
احتمالات مفتوحة
والآن هل هم في المكان الموجود في عمان هذا احتمال كبير أيضاً، ويبقى الاحتمال مفتوحا أن يكون في سوريا أو في تركيا، على كلٍ نحن نريد أن ندرس جغرافية هذه الأمكنة لنتمكن من تحديد المكان الصحيح ومدى انطباقه على الآية القرآنية (وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين)، يعني أن شروق الشمس يأخذ يمين الكهف (وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال)، هذا يعني أن بوابة الكهف قبلية، بحيث انه في الشروق تكون ذات اليمين وفي الغروب تكون على يسار الكهف ومعروف ان منطقتنا من الاتجاه الجنوبي تتمتع بالشمس بمقدار كبير وغالبا يكون صيف عمان حاراً، ولذلك رب العالمين حماهم من الحرارة في الكهف وجعل الكهف في وضعية بحيث ان النائم فيه لا يتعرض لأشعة الشمس المباشرة، وهذا بحث خارج عن القصة القرآنية، وهو يعمل من أفيائها وظلالها ونورها، ولكن بعيداً عن أن نقول أن القرآن أثبته إنما نقول ما توصلنا إليه جغرافيا ودراسة للأثر الموجود الذي يدل على انطباق المواصفات في القرآن على مواصفات الواقع، لكن لا يوجد جزم قطعي فيما أرى.
روايات مغلوطة
وعن الروايات التي قيلت عند الأديان الأخرى، فالبعض قال انها قصة منتقصة والأصل أنهم لم يفهموا معنى القصة ولم يفهموا منهجية القرآن ولو أراد القرآن أن يتتبع التفاصيل لكان هناك (5) مجلدات في ذلك، ولكن منهجية القرآن تحتاج إلى استيعاب وإلى تأمل، ولم يأت القرآن على ذكر أسماء كما ورد في قصة توفيق الحكيم ورواية التوراة عنهم حيث نفاها بالقول: “رجما بالغيب” وهذا كله من ذاكرة البشر ورجما بالغيب أي خلط الحقيقة بالباطل، والحقيقة التي في القرآن مصفاة ولا يوجد بها شوائب.. فهل القرآن أعطانا أسماء وأزمنة وحولها إلى سيناريو وقصص؟ طبعا لا.
وموضع العبرة في سورة “الكهف” أن الله سبحانه وتعالى قادر على إحياء البشر بعد الموت وهذا هو بيت القصيد بغض النظر عن الزمان والمكان وما يهمنا أنهم سبعة وثامنهم كلبهم وناموا (309) سنوات والعبرة وصلت، ولكن لم نأخذ التفاصيل فالعبرة لم تنتقص أصلا.
ومشكلتنا في الدراسات المتعسفة يعني من الممكن ان يجعلها الباحث في عمان أو في سوريا أو في تركيا.. فالمشكلة أنه يتكلم بتعسف ليثبت رؤية لديه.
وفي الحقيقة الباحث العلمي والموضوعي لا يأتي إلى ساحة التاريخ القرآني وإنما يأتي للموقع والواقع فيدرسهما بعقل مفتوح متجرد ولا يريد ان يوظف الحقيقة في خدمة مكان معين.. فنحن يشرفنا أن يكون في عمان لكن دون أن نلوي أعناق الحقيقة وندع الحقيقة هي التي تتكلم عن نفسها فإن ثبت أنه هذا المكان فمرحبا، وإن لم يثبت فلا أتحيز إلى أحكامي أنا ومقرراتي، أنا أتحيز للحقيقة حيث كانت.
ونعود لنسأل: هل هم بعمان؟ هذا يقتضي استحضارا منهجيا مرات متعددة، فأهل الكتاب ليس لديهم هذه الفكرة عن موضوع المنهجية وأنا لا أقص للناس قصة ولست شاعرا فالقرآن أعطانا قانوناً عاماً والواقع صدقه، فمثلا القرآن قال: (واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف) والاحقاف مكان محدد ولو جاء القرآن فيها مفصلا لكتبت في هذه الآية مجلدات، حيث يمكن للدارس في هذه السطور المحدودة أن يكتب مجلدات، فنحن لا نجيز لأنفسنا أن نعطي قصة جديدة بدعوة أننا نقص قصة قرآنية، وهذا مرفوض، فعلينا أن نعمل دراسات مقارنة وفي موضع أهل الكهف وعلينا أن نعاين المكان في سوريا وفي تركيا ونعمل مقارنات ولا نستطيع القول انه فعلا بعمان وهذا استئناس، ولكن منطقتنا تمتد أصلا من هنا حتى سوريا ولا أستطيع أن أجزم دون أن أعمل مقارنات، ولكن وجوده في أكثر من مكان هذه دعوة صدقية للقصة ووجودها عند أهل التوراة والإنجيل والقرآن يعطي صدقية أيضاً للقصة، والقصة مجمع عليها من الأديان وهذا يجزم أن القصة لها واقع جغرافي وتاريخي وهذا مؤشر لصالحنا.
والآن نأتي على طريقة العرض في التوراة والإنجيل والكتب السابقة سنجد أنها ليست كلام الله بسبب الدخول في التفاصيل فالله سبحانه وتعالى لم يأت في تفاصيل أسماء، ولا يمكن أن يسمي الله عز وجل أسماء، اسم محافظ أو متصرف منطقة في القرآن الكريم.. إذن هل ينبني على أسماء الفتية أي فائدة؟ لا ولا لتحديد المكان أي فائدة ويجب علينا أن ندرس وأن نستخدم أساليب البحث العلمي ونحاول أن نتوصل إلى يقين أو شبه يقين عن هذه المسائل من حيث المكان، أما القصة فهي فوق البحث العلمي أصلا ويبقى البحث في المكان والزمان.
فعلينا أن نبحث في التاريخ الروماني ومن دخل منهم في الدين اليهودي وأساء للمسيحية وتبقى القصة متعلقة بأصحاب اليهود أو النصارى والأقرب هو المسيحية لأن من اضطهدوا على عقيدتهم هم المسيحيون.