جامعاتنا الحكومية التي بلغت الثلاثين، ناهيك عن الكليات النظرية، تمثل النسبة الأكبر من خارطة التعليم العالي، بحكم الأعداد الهائلة لكلياتها وتخصصاتها ومخرجاتها السنوية، لذا الحديث عن تطوير الجامعات بعد إقرار نظامها الجديد، ومن ذلك ترشيد التخصصات النظرية لا إلغاؤها، بات أمرا حتميا في ضوء التحول التنموي، وهو ما أشرت إليه في مقال سابق.
في بدايات نهضة التعليم كان يتم توظيف الجميع حتى بـ«ابتدائية زمان» بل كانوا يدفعون البعض للعمل دفعا، حتى جاء زمن ضاقت فيه المكاتب بموظفيها وتضخمت ميزانيات الرواتب، ثم تغيرت المعادلة بتطور الخدمات الإلكترونية، ويستمر التحدي القديم في الفجوة بين المخرجات وسوق العمل.
أذكر قبل نحو عقدين من الزمن كنت مشرفا على إدارة شؤون يوم المهنة بجامعة الملك عبدالعزيز، وحظيت فعالياتها السنوية برعاية وتشريف سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله، ومشاركة وزراء وشخصيات قيادية مجتمعية ومن القطاع الخاص، وركزت تلك الفعاليات لسنوات طويلة على مد الجسور بين خريجي الجامعة وسوق العمل، وكان عدد جامعاتنا حينذاك سبعا فقط ومجمل خريجيها أقل كثيرا قياسا بالحاضر، لكننا ما زلنا في نفس الدائرة وربما بدرجة أكبر رغم جهود التوظيف الحالية نظرا للتوسع الأفقي في عدد الجامعات وذات الكليات والتخصصات.
اليوم يتوسع القطاع الخاص ويطور أنشطته وتستجد تخصصات تبعا لتطور الاقتصاد العالمي، بالتوازي مع نشوء قطاعات تنموية حديثة ومشروعات وصناعات ضخمة تحتاج إلى تخصصات علمية وحتى نظرية لكن أكثر تخصصا ومنها علوم السياحة والفندقة والآثار وغير ذلك.
القول إن الجامعات مسؤوليتها العلم فقط، بينما سوق العمل عليه التدريب، في تصوري رأي يجانبه الصواب لأنه تفكير بطريقة (الجزر المنعزلة) والاتجاه العالمي هو التأهيل المسبق خلال التعليم وليس فقط اللاحق في العمل، لذا استشراف المستقبل وتحدياته العلمية أمر ضروري لخوض غماره بقدرة وثقة، وها نحن نرى تخصصات مستجدة باتت عماد اقتصاد الحاضر ووظائفه، وهذا سبب الدعوة إلى (ترشيد) بعض التخصصات النظرية والتوسع في أخرى، ولعلي هنا أشير إلى تخصص الهندسة النووية الذي تفردت به جامعة الملك عبدالعزيز منذ التسعينيات الهجرية ولا تزال، وعايشت تجربته بحكم تخصصي ومشواري الأكاديمي بها، ولم يكن يتعدى خريجوه أصابع اليد، ورب سائل حينها: وما جدوى هذا التخصص؟!
الواقع الحاضر والمستقبل القريب يجيبان على ذلك تباعا، حيث اهتمام المملكة بالطاقة النووية السلمية ضمن استثماراتها الضخمة في الطاقة المتجددة، وهذا القسم لديه مخزون تراكمي علمي ويقدم رصيدا بشريا من الدارسين والباحثين السعوديين، كذلك نحتاج إلى علوم الفضاء وقد أطلقت بلادنا عدة أقمار اصطناعية لخدمة التنمية، ولدينا الهيئة السعودية للفضاء وقاعدة بحثية محترمة، ويتم ابتعاث العديد من أبنائنا في مثل هذه التخصصات.
أخلص من ذلك إلى أن استراتيجية وزارة التعليم أخذت الطريق الصواب بتطوير المنظومة كاملة وفي مقدمتها التعليم الجامعي، والهدف هو استثمار الخريجين والخريجات وفق استراتيجية هادفة تستشرف متغيرات التقدم ما استطعنا إلى ذلك سبيلا. لذلك أعيد التأكيد على أن جامعاتنا وهي تستشرف دورها الحقيقي تجاه الثروة البشرية والبحث العلمي، لابد أن تخطط كل منها لتخصصاتها التي تلبي احتياجات التنمية في كل منطقة، خاصة أنها ستدبر وتدير مواردها إلى جانب الدعم الحكومي، ولابد أن تسهم في تطوير خارطة التخصصات المطلوبة ولا تأجيل ولا تهاون في ذلك وإلا سنظل في المربع الأول وفي نفس الصندوق.
iikutbi@gmail.com
في بدايات نهضة التعليم كان يتم توظيف الجميع حتى بـ«ابتدائية زمان» بل كانوا يدفعون البعض للعمل دفعا، حتى جاء زمن ضاقت فيه المكاتب بموظفيها وتضخمت ميزانيات الرواتب، ثم تغيرت المعادلة بتطور الخدمات الإلكترونية، ويستمر التحدي القديم في الفجوة بين المخرجات وسوق العمل.
أذكر قبل نحو عقدين من الزمن كنت مشرفا على إدارة شؤون يوم المهنة بجامعة الملك عبدالعزيز، وحظيت فعالياتها السنوية برعاية وتشريف سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله، ومشاركة وزراء وشخصيات قيادية مجتمعية ومن القطاع الخاص، وركزت تلك الفعاليات لسنوات طويلة على مد الجسور بين خريجي الجامعة وسوق العمل، وكان عدد جامعاتنا حينذاك سبعا فقط ومجمل خريجيها أقل كثيرا قياسا بالحاضر، لكننا ما زلنا في نفس الدائرة وربما بدرجة أكبر رغم جهود التوظيف الحالية نظرا للتوسع الأفقي في عدد الجامعات وذات الكليات والتخصصات.
اليوم يتوسع القطاع الخاص ويطور أنشطته وتستجد تخصصات تبعا لتطور الاقتصاد العالمي، بالتوازي مع نشوء قطاعات تنموية حديثة ومشروعات وصناعات ضخمة تحتاج إلى تخصصات علمية وحتى نظرية لكن أكثر تخصصا ومنها علوم السياحة والفندقة والآثار وغير ذلك.
القول إن الجامعات مسؤوليتها العلم فقط، بينما سوق العمل عليه التدريب، في تصوري رأي يجانبه الصواب لأنه تفكير بطريقة (الجزر المنعزلة) والاتجاه العالمي هو التأهيل المسبق خلال التعليم وليس فقط اللاحق في العمل، لذا استشراف المستقبل وتحدياته العلمية أمر ضروري لخوض غماره بقدرة وثقة، وها نحن نرى تخصصات مستجدة باتت عماد اقتصاد الحاضر ووظائفه، وهذا سبب الدعوة إلى (ترشيد) بعض التخصصات النظرية والتوسع في أخرى، ولعلي هنا أشير إلى تخصص الهندسة النووية الذي تفردت به جامعة الملك عبدالعزيز منذ التسعينيات الهجرية ولا تزال، وعايشت تجربته بحكم تخصصي ومشواري الأكاديمي بها، ولم يكن يتعدى خريجوه أصابع اليد، ورب سائل حينها: وما جدوى هذا التخصص؟!
الواقع الحاضر والمستقبل القريب يجيبان على ذلك تباعا، حيث اهتمام المملكة بالطاقة النووية السلمية ضمن استثماراتها الضخمة في الطاقة المتجددة، وهذا القسم لديه مخزون تراكمي علمي ويقدم رصيدا بشريا من الدارسين والباحثين السعوديين، كذلك نحتاج إلى علوم الفضاء وقد أطلقت بلادنا عدة أقمار اصطناعية لخدمة التنمية، ولدينا الهيئة السعودية للفضاء وقاعدة بحثية محترمة، ويتم ابتعاث العديد من أبنائنا في مثل هذه التخصصات.
أخلص من ذلك إلى أن استراتيجية وزارة التعليم أخذت الطريق الصواب بتطوير المنظومة كاملة وفي مقدمتها التعليم الجامعي، والهدف هو استثمار الخريجين والخريجات وفق استراتيجية هادفة تستشرف متغيرات التقدم ما استطعنا إلى ذلك سبيلا. لذلك أعيد التأكيد على أن جامعاتنا وهي تستشرف دورها الحقيقي تجاه الثروة البشرية والبحث العلمي، لابد أن تخطط كل منها لتخصصاتها التي تلبي احتياجات التنمية في كل منطقة، خاصة أنها ستدبر وتدير مواردها إلى جانب الدعم الحكومي، ولابد أن تسهم في تطوير خارطة التخصصات المطلوبة ولا تأجيل ولا تهاون في ذلك وإلا سنظل في المربع الأول وفي نفس الصندوق.
iikutbi@gmail.com