عندما تتزاحم الأحداث بالشحن الطائفي, من الصعب التخلص حينها من تبعات سخونة الأجواء الطائفية, بحيث يصبح الإنسان محايداً, إذ ينشغل العقل كما النفس بالتوترات المحيطة فتنعكس على داخله, فيصعد ترمومتره الانتمائي وينزل حسب برودة تلك الأجواء وسخونتها. يمكن قياس الأمر على مجريات الأمور وتطورها يومياً في لبنان والعراق والسودان واليمن... ولا يقتصر الأمر على بلاد المسلمين والعرب, بل يتعداه إلى الدول الأخرى...
الحديث حول الطائفية يجبر الباحث على السعي للإحاطة بالمعاني والمدلولات المحيطة بموضوع الطائفية, وهي مفردة مشتقة من مادة طاف وطائفة. والأهم إدراك الاختلاف الحقيقي بين معانيها ومدلولاتها الواردة من مصادر التجربة المتراكمة عند المجتمعات المختلفة, إذ يكاد المعنى والمدلول في مجتمع ما الانفصال عن ما لدى مجتمعات أخرى, وهو ما يبرز في موضوع الطائفة والطائفة الدينية بين تجربة الغرب والتجربة الشرقية العربية والإسلامية.
وقد جاءت تعريفات الطائفة في بعض العلوم مختلطة مع تعريف الطائفة الدينية, وبخاصة التعريفات الاجتماعية لدى علماء الغرب, منها: كما جاء في علم الاجتماع: “يعني نسق الطائفة أحد أشكال التدرج الاجتماعي الذي تكون الطائفة فيه ممثلة تنظيمياً هيكلياً متميز الشكل ذا خصوصية منفصلة عن الطوائف الأخرى له قوانينه وطهارته المقدسة”. وقول آخر في علم الاجتماع “فإنها- الطائفة الدينية- غالباً ما تقترن مع نقاش الكنيسة في تصنيف الطوائف الدينية-Sect-. وتعد الطائفة جماعة صغيرة يتميز دينها بالفردية وذات معتقدات واحياناً معتقدات سرية خاصة وخفية”.
وفي استعمالات علم الإنسان(الانثروبولوجي) تعني الطائفة الدينية -Cult- “عبادة معتقدات وممارسات لجماعة معينة في علاقتها مع الرب أو الأرباب”. و”طائفة- Sect- جماعة دينية صغيرة طوعية تطلب التزاماً كاملاً من اتباعها أن يؤكدوا انفصالهم عن المجتمع ورفضهم له. هناك مجادلة بارزة حول صفات هؤلاء تمت دراستها من قبل علماء الاجتماع لكن تصنيف الطوائف الكنسية بقي أحد المواضيع المركزة في اهتمامات علم الاجتماع الديني وقد تم مناقشة هذا الموضوع عندما كانت الطائفة ناجحة في استجلابها للاعضاء ونموها حجماً وبناءً”.
ومن تعريفات الطائفة أيضاً: “المذهب- Denomination – جماعة دينية متآلفة ذات درجة من التقدم كجماعات الكويكرز Quakers والمعمدانيون Baptists والميتوديون Methodists”. و”الطائفة الدينية, الملة, Sect: طائفة دينية تتميز بانطوائها على نفسها وجمودها الفكري واعتناقها المتعصب لطقوس عقائدية”.
التباعد والتباين بين التعريفات السابقة يدفع للفصل والتفريق بين معنيين, المعنى المراد من كلمة “طائفة”, والمعنى المركب والمختلف الذي يأتي بإضافة كلمة أخرى لمفردة الطائفة, بحيث يتحول المعنى إلى مصطلح مركب, وهو ما تذهب إليه اللغة الانجليزية القائمة في معظم مفرداتها على التركيب، وبالتالي يصبح الأخذ بها محفوفاً بالمشكلات. فالإضافة تعطي المفهوم معنى محدداً آخر, كقولنا: الطائفة الدينية. والطائفة السنية والطائفة الشيعية عند المسلمين. أو كقولنا الطائفة الأرثوذوكسية والطائفة البروتستانتية والطائفة الكاثلوكية عند المسيحيين.
لذا نجد أن التعريفات الغربية تميل نحو إطلاق تعريف الطائفة والطائفية على نتاج المجتمعات الغربية من اجتهادات داخل الدائرة المسيحية, والتي تتحول إلى جماعات خاصة ومنعزلة عن الكيان الكلي للمتدينين والمجتمع فيطلقون عليها اسم “الطائفة الدينية”. هذا المصطلح: “يعني في المفهوم الغربي فرقة دينية تدين بالولاء لزعيم حي أو تعاليم جديدة أو ممارسة غير عادية. ويتراوح عدد أفراد الطائفة ما بين عدد قليل من الأنصار يدينون بالولاء لزعيم ما, وتنظيمات على نطاق العالم تديرها سلسلة معقدة من القيادات...وبما أنه ليس هناك تعريف واحد للطائفة الدينية في المفهوم الغربي, لذا يصعب حصر أعدادها وعضويتها على وجه الدقة. ومع ذلك يقدر الخبراء هذه الطوائف بثلاثة آلاف طائفة في مختلف بقاع العالم. وتبلغ عضوية هذه الطوائف مجتمعة ثلاثة ملايين شخص معظمهم من الشباب البالغين.
لعل أسوأ الطوائف الدينية سمعة بالولايات المتحدة الأمريكية في أواخر القرن العشرين هي جماعة المعبد التي قادها القس البروتستانتي جيم جونز, إذ أن مئات من أعضاء الطائفة انتقلوا إلى كوميونة ريفية تسمى جونز تاون في غايانا بأمريكا الجنوبية, وعاشوا هناك تحت حكم جونز المطلق. وفي عام 1978م اغتال قادة الطائفة أحد أعضاء الكونغرس وثلاثة من الصحفيين كانوا يحققون فيما كان يدور من نشاطات داخل جونز تاون. فما كان من جونز إلا أن أمر أتباعه بالانتحار فانتحر ما يزيد على 900 شخص... وهناك جماعات أخرى مثل هير كيرشنا التي تأسست في كلكتا بالهند عام 1954م وانتشرت في العالم الغربي, وكذلك المونيون التي انبعثت من الكنيسة التوحيدية ويُعرف أتباعها باسم المونيون”.
لذا لا يمكن الاعتماد على التعريفات الغربية لأنها تتأسس على واقع مغاير لما هو مقصود من معنى الطائفة أو الطائفة الدينية أو الطائفية في العالم العربي والإسلامي. والله من وراء القصد.
kshabib@hotmail.com
للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 141 مسافة ثم الرسالة
الحديث حول الطائفية يجبر الباحث على السعي للإحاطة بالمعاني والمدلولات المحيطة بموضوع الطائفية, وهي مفردة مشتقة من مادة طاف وطائفة. والأهم إدراك الاختلاف الحقيقي بين معانيها ومدلولاتها الواردة من مصادر التجربة المتراكمة عند المجتمعات المختلفة, إذ يكاد المعنى والمدلول في مجتمع ما الانفصال عن ما لدى مجتمعات أخرى, وهو ما يبرز في موضوع الطائفة والطائفة الدينية بين تجربة الغرب والتجربة الشرقية العربية والإسلامية.
وقد جاءت تعريفات الطائفة في بعض العلوم مختلطة مع تعريف الطائفة الدينية, وبخاصة التعريفات الاجتماعية لدى علماء الغرب, منها: كما جاء في علم الاجتماع: “يعني نسق الطائفة أحد أشكال التدرج الاجتماعي الذي تكون الطائفة فيه ممثلة تنظيمياً هيكلياً متميز الشكل ذا خصوصية منفصلة عن الطوائف الأخرى له قوانينه وطهارته المقدسة”. وقول آخر في علم الاجتماع “فإنها- الطائفة الدينية- غالباً ما تقترن مع نقاش الكنيسة في تصنيف الطوائف الدينية-Sect-. وتعد الطائفة جماعة صغيرة يتميز دينها بالفردية وذات معتقدات واحياناً معتقدات سرية خاصة وخفية”.
وفي استعمالات علم الإنسان(الانثروبولوجي) تعني الطائفة الدينية -Cult- “عبادة معتقدات وممارسات لجماعة معينة في علاقتها مع الرب أو الأرباب”. و”طائفة- Sect- جماعة دينية صغيرة طوعية تطلب التزاماً كاملاً من اتباعها أن يؤكدوا انفصالهم عن المجتمع ورفضهم له. هناك مجادلة بارزة حول صفات هؤلاء تمت دراستها من قبل علماء الاجتماع لكن تصنيف الطوائف الكنسية بقي أحد المواضيع المركزة في اهتمامات علم الاجتماع الديني وقد تم مناقشة هذا الموضوع عندما كانت الطائفة ناجحة في استجلابها للاعضاء ونموها حجماً وبناءً”.
ومن تعريفات الطائفة أيضاً: “المذهب- Denomination – جماعة دينية متآلفة ذات درجة من التقدم كجماعات الكويكرز Quakers والمعمدانيون Baptists والميتوديون Methodists”. و”الطائفة الدينية, الملة, Sect: طائفة دينية تتميز بانطوائها على نفسها وجمودها الفكري واعتناقها المتعصب لطقوس عقائدية”.
التباعد والتباين بين التعريفات السابقة يدفع للفصل والتفريق بين معنيين, المعنى المراد من كلمة “طائفة”, والمعنى المركب والمختلف الذي يأتي بإضافة كلمة أخرى لمفردة الطائفة, بحيث يتحول المعنى إلى مصطلح مركب, وهو ما تذهب إليه اللغة الانجليزية القائمة في معظم مفرداتها على التركيب، وبالتالي يصبح الأخذ بها محفوفاً بالمشكلات. فالإضافة تعطي المفهوم معنى محدداً آخر, كقولنا: الطائفة الدينية. والطائفة السنية والطائفة الشيعية عند المسلمين. أو كقولنا الطائفة الأرثوذوكسية والطائفة البروتستانتية والطائفة الكاثلوكية عند المسيحيين.
لذا نجد أن التعريفات الغربية تميل نحو إطلاق تعريف الطائفة والطائفية على نتاج المجتمعات الغربية من اجتهادات داخل الدائرة المسيحية, والتي تتحول إلى جماعات خاصة ومنعزلة عن الكيان الكلي للمتدينين والمجتمع فيطلقون عليها اسم “الطائفة الدينية”. هذا المصطلح: “يعني في المفهوم الغربي فرقة دينية تدين بالولاء لزعيم حي أو تعاليم جديدة أو ممارسة غير عادية. ويتراوح عدد أفراد الطائفة ما بين عدد قليل من الأنصار يدينون بالولاء لزعيم ما, وتنظيمات على نطاق العالم تديرها سلسلة معقدة من القيادات...وبما أنه ليس هناك تعريف واحد للطائفة الدينية في المفهوم الغربي, لذا يصعب حصر أعدادها وعضويتها على وجه الدقة. ومع ذلك يقدر الخبراء هذه الطوائف بثلاثة آلاف طائفة في مختلف بقاع العالم. وتبلغ عضوية هذه الطوائف مجتمعة ثلاثة ملايين شخص معظمهم من الشباب البالغين.
لعل أسوأ الطوائف الدينية سمعة بالولايات المتحدة الأمريكية في أواخر القرن العشرين هي جماعة المعبد التي قادها القس البروتستانتي جيم جونز, إذ أن مئات من أعضاء الطائفة انتقلوا إلى كوميونة ريفية تسمى جونز تاون في غايانا بأمريكا الجنوبية, وعاشوا هناك تحت حكم جونز المطلق. وفي عام 1978م اغتال قادة الطائفة أحد أعضاء الكونغرس وثلاثة من الصحفيين كانوا يحققون فيما كان يدور من نشاطات داخل جونز تاون. فما كان من جونز إلا أن أمر أتباعه بالانتحار فانتحر ما يزيد على 900 شخص... وهناك جماعات أخرى مثل هير كيرشنا التي تأسست في كلكتا بالهند عام 1954م وانتشرت في العالم الغربي, وكذلك المونيون التي انبعثت من الكنيسة التوحيدية ويُعرف أتباعها باسم المونيون”.
لذا لا يمكن الاعتماد على التعريفات الغربية لأنها تتأسس على واقع مغاير لما هو مقصود من معنى الطائفة أو الطائفة الدينية أو الطائفية في العالم العربي والإسلامي. والله من وراء القصد.
kshabib@hotmail.com
للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 141 مسافة ثم الرسالة