-A +A
أحمد عجب
يبدو أن الشحاذة التقليدية التي كان يظهر فيها المتسول بقارعة الطريق متسخ الثياب، راسماً معالم البؤس والعوز على وجهه، ماداً يده للمارة، وهو يستعطفهم بصوته المتهدج (لله يا محسنين)، لم تعد الطريقة الأنسب لاستدرار عواطف الناس، مما اضطر رؤساء مجموعات الشحاذة القابضة إلى التحول الرقمي لأنشطتهم لتجنب الخسائر التي لحقتهم نهاية السنة المالية، والاستفادة من التقنيات الحديثة للقدرة على التنبؤ والتخطيط للمستقبل!

بعد اختفاء الشحاذة نوعاً ما أمام الإشارة وأبواب المساجد والكورنيش، تفشت الظاهرة في (تويتر) فأصبح الكثيرون يريقون كرامتهم بالرغم من قدرتهم البدنية على العمل والكسب، مما يهدد بوجود (سوق سوداء) تقف وراءهم، ولهذا يجب إقرار (نظام مكافحة التسول) لمساءلتهم ومصادرة (إيراداتهم)!


لقد تحولت أغلب مواقع التواصل لأوكار شحاذة، تصدر الكسل وامتهان الكرامة بدلا من التحفيز والمعرفة، بل إن الشحاذة الإلكترونية اكتسبت طابع (التهريج)، فالكل يتسابق على دعم (الشحاذ) بالأموال الطائلة والهدايا القيّمة ومن ثم التقاط الصور التسويقية معه!، وكل ما أخشاه أن يتأخر استئصال ورم الشحاذة فيتعايش جسد المجتمع معها كمرض مزمن، فيأتي اليوم الذي نرى فيه مسابقة تلفزيونية لاكتشاف المواهب الصاعدة يقودها لجنة تحكيم من مشاهير السوشال ميديا لتنهال أصوات الجماهير عبر الرقم 700 لاختيار الفائز الأول ببرنامج (نجوم الشحاذة)!

لا يمكنني التبرير ولا التعاطف مع الشحاذ قوي العين، ولا مع بعض المرائين الذين ينشرون عطاياهم من باب (شوفوني قاعد أتصدق)، لهذا لا أتفق مع ملاحظات بعض أعضاء مجلس الشورى التي عطلت صدور (نظام مكافحة التسول)، لأنني لا أجد هناك أي تناقض بين مسودة النظام والشريعة الإسلامية، فمشروع النظام لم يجرم المتسول الذي يقبض عليه أول مرة بل حث على دراسة حالته ومساعدته من قبل وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، أما من يقبض عليه مرة ثانية فقد امتهن الشحاذة وبذلك يستحق العقوبة التي تصل للسجن سنة وغرامة مائة ألف مع مصادرة الأموال النقدية والعينية المكتسبة (وترحيل المتسول إن كان أجنبيا).

وأخيرا، تذكر أيها المرائي أنك حين تغدق الأموال على المتسول بدلا من توفير فرصة عمل يأكل من ورائها بعرق جبينه، فإنك تسهم في تغذية المشكلات الاجتماعية، كتفاقم البطالة، وتفشي تغيب وهروب الفتيات، وانتشار جرائم الاتجار بالبشر، التأثير على السياحة، لذا عليك أن تلعب دور المواطن الحريص على مصالح وطنه، بدلا من تقمص دور وحيد سيف في فيلم “المتسول” وهو يبتكر لعادل إمام طريقة الشحاذة رقم 1112 بارتداء ملابس شيك ونظارة سوداء، قبل أن يغمز بعينيه منتشيا وهو يقول (ارحموا عزيز قوم ذل)!.