في مقال لها في العدد الأخير من مجلة الشؤون الخارجية, تحدثت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس عن المصلحة القومية الأمريكية محاولةً إعادة تحديد أولويات السياسة الخارجية الأمريكية من خلال تصورها لمحتوى مفهوم المصلحة الوطنية/ القومية.
كما هو معروف يمثل مفهوم المصلحة الوطنية عاملاً رئيسياً في توجيه السياسة الخارجية للدول, بل هي الإطار الذي يحدد أهداف الدولة وأولوياتها, التي تعكس في مجملها مجموعة من القيم والأهداف والتصورات حيال الوضع الداخلي والخارجي للدولة وعلاقتها مع مكوناتها الداخلية والعالم الخارجي على حد سواء. وقد حاولت وزيرة الخارجية الأمريكية تحديد أولويات السياسة الخارجية الأمريكية من خلال تصور معين لموازين القوى في العالم وطبيعة العلاقات بين أمريكا والقوى العالمية الناشئة مثل روسيا والصين والهند والبرازيل من ناحية, وعلاقتها ومصالحها في أماكن أخرى من العالم خاصةً في الشرق الأوسط.
خلال فترات طويلة من تاريخها, خاصةً إبان مرحلة الحرب الباردة, سيطرت المدرسة الواقعية على السياسة الخارجية الأمريكية, حيث كان التركيز على القوة وتوازن القوى العالمي, وذلك على عكس ما كانت عليه الحال في فترة ما بين الحربين (الحرب العالمية الأولى والثانية) عندما تنامى تأثير المدرسة المثالية في الفكر التنظيري الأمريكي, حيث كان التركيز على التعاون الدولي والتبادل التجاري الحر ودور أكبر للمنظمات الدولية والقانون الدولي.
ما حاولت الوزيرة التأكيد عليه هو أن مفهوم المصلحة الوطنية في الوقت الراهن يعكس مزيجا من المبادئ الواقعية والمثالية, بحيث لا تتخلى أمريكا عن أهمية القوة في العلاقات الدولية وضرورة استخدام القوة أحياناً لإحداث التغيير المطلوب والضروري في أماكن مختلفة من العالم, جنباً إلى جنب مع سعيها لتعزيز المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية والسياسية في العديد من الدول بما فيها دول الشرق الأوسط. السبب في ذلك يكمن في اعتقاد الوزيرة بأن التحول الديمقراطي يؤدي إلى تعزيز السلام في العالم, في نفس الوقت الذي يساهم التطور والتنمية الاقتصاديان في بناء السلام الديمقراطي. وتتزايد أهمية تعزيز التحول الديمقراطي للقضاء على التطرف والصراعات العرقية, بما يساعد في المحصلة النهائية على محاربة الإرهاب والتطرف في العالم.
من هذا المنطلق أشارت كوندليزا رايس إلى ثلاثة تحديات رئيسية تواجه أمريكا في الشرق الأوسط: التحدي الأول ينبع من أيديولوجية التطرف والعنف لدى بعض الجماعات الإسلامية. وهذا التحدي يمكن مواجهته من خلال تعزيز التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي في المجتمعات الشرق أوسطية, لأنه من خلال تحديث هذه المجتمعات نفسها يمكن محاربة التطرف والعنف, على حد زعم الوزيرة. أما التحدي الثاني فينبع من طبيعة البيئة الإقليمية, حيث توجد دول شريرة تحاول تغيير النظام الإقليمي وفق تصورها المصلحي. وهذه الدول على وجه التحديد هي ايران وسوريا, اللتان يجب معرفة مدى تأثيرهما وكيفيته وبأي طريقة يستخدم: سلبية أم ايجابية؟
أما التحدي الثالث فهو يتعلق بضرورة حل الصراع العربي الإسرائيلي من خلال مبدأ الدولتين.
من خلال قراءة المقال الموسع فإن الوزيرة لم تأت بجديد, بل إنها لم تطرح حلولاً جدية لما أسمتها بالتحديات الرئيسية. في الحقيقة حاولت الوزيرة تبرير سياستها الخارجية التي لم تؤد إلى حل الملفات والقضايا الإقليمية, إن لم تكن هذه السياسة عززت من ميل المنطقة للنزاع وعدم الاستقرار. لكن الجديد هو محاولة تأكيد شرعية استخدام القوة الأمريكية لإحداث التغيير السياسي في المجتمعات المختلفة وجعلها تتبنى المبادئ والقيم الليبرالية سياسياً واقتصاديا وهو النهج الذي دأبت عليه إدارة بوش خلال السنوات القليلية الماضية, رغم أن التدخل في الشؤون الداخلية للدول وتغيير أنظمتها يتنافى مع سيادة هذه الدول واستقرارها. لكن الوزيرة ترى بذلك لأن "وجود مجتمع دولي يعكس القيم والمبادئ الأمريكية هو أفضل ضمان للمصلحة الوطنية الأمريكية", على حد قولها.
knhabbas@hotmail.com
للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 145 مسافة ثم الرسالة
كما هو معروف يمثل مفهوم المصلحة الوطنية عاملاً رئيسياً في توجيه السياسة الخارجية للدول, بل هي الإطار الذي يحدد أهداف الدولة وأولوياتها, التي تعكس في مجملها مجموعة من القيم والأهداف والتصورات حيال الوضع الداخلي والخارجي للدولة وعلاقتها مع مكوناتها الداخلية والعالم الخارجي على حد سواء. وقد حاولت وزيرة الخارجية الأمريكية تحديد أولويات السياسة الخارجية الأمريكية من خلال تصور معين لموازين القوى في العالم وطبيعة العلاقات بين أمريكا والقوى العالمية الناشئة مثل روسيا والصين والهند والبرازيل من ناحية, وعلاقتها ومصالحها في أماكن أخرى من العالم خاصةً في الشرق الأوسط.
خلال فترات طويلة من تاريخها, خاصةً إبان مرحلة الحرب الباردة, سيطرت المدرسة الواقعية على السياسة الخارجية الأمريكية, حيث كان التركيز على القوة وتوازن القوى العالمي, وذلك على عكس ما كانت عليه الحال في فترة ما بين الحربين (الحرب العالمية الأولى والثانية) عندما تنامى تأثير المدرسة المثالية في الفكر التنظيري الأمريكي, حيث كان التركيز على التعاون الدولي والتبادل التجاري الحر ودور أكبر للمنظمات الدولية والقانون الدولي.
ما حاولت الوزيرة التأكيد عليه هو أن مفهوم المصلحة الوطنية في الوقت الراهن يعكس مزيجا من المبادئ الواقعية والمثالية, بحيث لا تتخلى أمريكا عن أهمية القوة في العلاقات الدولية وضرورة استخدام القوة أحياناً لإحداث التغيير المطلوب والضروري في أماكن مختلفة من العالم, جنباً إلى جنب مع سعيها لتعزيز المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية والسياسية في العديد من الدول بما فيها دول الشرق الأوسط. السبب في ذلك يكمن في اعتقاد الوزيرة بأن التحول الديمقراطي يؤدي إلى تعزيز السلام في العالم, في نفس الوقت الذي يساهم التطور والتنمية الاقتصاديان في بناء السلام الديمقراطي. وتتزايد أهمية تعزيز التحول الديمقراطي للقضاء على التطرف والصراعات العرقية, بما يساعد في المحصلة النهائية على محاربة الإرهاب والتطرف في العالم.
من هذا المنطلق أشارت كوندليزا رايس إلى ثلاثة تحديات رئيسية تواجه أمريكا في الشرق الأوسط: التحدي الأول ينبع من أيديولوجية التطرف والعنف لدى بعض الجماعات الإسلامية. وهذا التحدي يمكن مواجهته من خلال تعزيز التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي في المجتمعات الشرق أوسطية, لأنه من خلال تحديث هذه المجتمعات نفسها يمكن محاربة التطرف والعنف, على حد زعم الوزيرة. أما التحدي الثاني فينبع من طبيعة البيئة الإقليمية, حيث توجد دول شريرة تحاول تغيير النظام الإقليمي وفق تصورها المصلحي. وهذه الدول على وجه التحديد هي ايران وسوريا, اللتان يجب معرفة مدى تأثيرهما وكيفيته وبأي طريقة يستخدم: سلبية أم ايجابية؟
أما التحدي الثالث فهو يتعلق بضرورة حل الصراع العربي الإسرائيلي من خلال مبدأ الدولتين.
من خلال قراءة المقال الموسع فإن الوزيرة لم تأت بجديد, بل إنها لم تطرح حلولاً جدية لما أسمتها بالتحديات الرئيسية. في الحقيقة حاولت الوزيرة تبرير سياستها الخارجية التي لم تؤد إلى حل الملفات والقضايا الإقليمية, إن لم تكن هذه السياسة عززت من ميل المنطقة للنزاع وعدم الاستقرار. لكن الجديد هو محاولة تأكيد شرعية استخدام القوة الأمريكية لإحداث التغيير السياسي في المجتمعات المختلفة وجعلها تتبنى المبادئ والقيم الليبرالية سياسياً واقتصاديا وهو النهج الذي دأبت عليه إدارة بوش خلال السنوات القليلية الماضية, رغم أن التدخل في الشؤون الداخلية للدول وتغيير أنظمتها يتنافى مع سيادة هذه الدول واستقرارها. لكن الوزيرة ترى بذلك لأن "وجود مجتمع دولي يعكس القيم والمبادئ الأمريكية هو أفضل ضمان للمصلحة الوطنية الأمريكية", على حد قولها.
knhabbas@hotmail.com
للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 145 مسافة ثم الرسالة