-A +A
سمير عابد شيخ
ليس هذا الكاتب طالب علم شرعي , ولهذا فلن أفيض في تفسير عبارة يأجوج ومأجوج , بل سأكتفي بذكر نتائج بحث جاد قام به الأستاذ حمدي بن حمزة أبو زيد بعنوان “فك أسرار ذي القرنين ويأجوج ومأجوج” . اختتم المؤلف الكريم بحثه قائلا: ان كل القرائن والمؤشرات والدلالات التاريخية تشير الى أنّ المقصود بيأجوج هم بصفة خاصّة الصين واليابان وكوريا . وبما أنّ أخاكم صاحب هذه السطور يهوى الاقتصاد , سأطرح في هذا المقال جانبا اقتصاديا لدولة الصين العظمى يتلّخص في لهفة هذه الدولة بالحصول على أكبر قدر من المصادر الأولية الموجودة بسائر دول العالم .
وبما أنّ الدول النّامية هي أكثر البلدان تصديرا لمصادرها الطبيعية لعجزها عن تصنيعها وتطويرها , فلا غرابة أن نرى الصين تتجه بقوة الى القارّة السمراء لوفرة هذه المصادر بشروط مغرية ! فإذا ساقك سوء حظّك هذا الصيف لزيارة الكونغو مثلا , ولا أظنّك ستفعل, فستشعر أنّ الصين قامت بغزو حقيقي لتلك الدولة الأفريقية. سوف تجد في اقليم “كاتنغا” الغني بالنحاس عشرات السماسرة الصينيين يتعاقدون لشراء حقوق التنقيب لصالح المصانع الصينية . كما سترى بأم عينيك التأثير الصيني على النهضة العقارية هناك ممثّلة في الفيلات العصرية التي يمتلكها المستثمرون الصينيون.
ولكنّ الصين تعلّمت من الاستعمار الغربي الاّ يسبق أخذها عطاءها ! فهاهي الكونغو تعلن أن الصين وافقت على بناء شبكة السكة الحديد هناك باستثمارات تبلغ اثني عشر مليار دولار , مقابل حقوق التنقيب عن المعادن بتلك الدولة . وهذا المبلغ بالمناسبة يفوق بثلاثة أضعاف حجم ميزانية تلك الدولة , كما يفوق بعشرة أضعاف حجم المعونات التي تتلقاها من مجموعة الدول الغربية وعلى رأسها “الكاوبوي” المتعالي .
ولقد تعدّى النهم الصيني أفريقا ليصل الى كندا وأندونيسيا وكازاخستان وحتى أستراليا . فاذا زرت أستراليا مثلا , ستجد نحو ثمانين سفينة صينية عملاقة تنتظر دورها في ميناء “نيو كاسل” لتحميل المواد الأولية الى الصين . وستجد أيّها القارئ الكريم أنّ شهية التنين الصيني مفتوحة بشكل خاص للنفط والغاز والفحم والمعادن بأنواعها . ولذا فستجد الصين تشتري حقوق التنقيب لهذه المصادر الأولية الهامّة أو تشتري حتى الشركات العملاقة التي تنتجها . وحتى الاقتصاد الأمريكي الأكبر عالميا لم يسلم من جوع ونهم الصين! فلقد حاولت شركة صينية شراء احدى شركات النفط الأمريكية “يونيكول” لولا تدخّل الكونغرس الأمريكي .
ولإعطاء القارئ الكريم فكرة عن مدى حاجة التنين الصيني الى المواد الأولية , دعوني أسوق معلومة طريفة وردت في تقرير خاص نشرته مجلّة الايكونومست بمنتصف مارس 2008م القريب. فلقد أورد ذلك التقرير أن الصين التي تحمل بين جنباتها خمس سكّان الكرة الأرضية تستهلك ربع انتاج الكرة الأرضية كلّها من الألومنيوم , وثلث انتاج العالم من الفولاذ, ونصف انتاج العالم بأكمله من الاسمنت!
يجب ملاحظة أنّ الصين تستمد قوتها الشرائية الهائلة من انخفاض عملتها الذي يسهّل بيع منتجاتها حيثما تطلع شمس أو تغيب! وبديهي أنّ تفوّق النسخة “المقلّدة” من الرأسمالية الصينية على النسخة الأصلية الأمريكية يزعج الأخيرة بشكل كبير . فمنذ أعوام وبوش يضغط على الصين لرفع عملتها لإضعاف مقدرتها التنافسية .. تماما كما أدّى ارتفاع اليورو والين لإضعاف منافسة أوروبا واليابان. وازاء رفض التّنين الصيني لهذه الضغوط, لجأت الادارة الأمريكية مؤخرا لتشويه سمعة البضائع الصينية ومقاطعة بعضها. ومع ذلك فمازال المواطن الأمريكي يغرق في كل شيء صيني, حتى أنّ أحد الكتاب الأمريكيين قال: “لولا الفضيحة لظننت أن أولادي صنعوا في الصين كذلك”
Samirabid@Yahoo.com


للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 117 مسافة ثم الرسالة