منذ أن أصبح العالم قرية واحدة، قصرت المسافات وتوحدت مفاهيم الإنسانية، أصبحت المجتمعات البشرية في حالة تأثر وتأثير على كل المستويات العلمية والثقافية والاقتصادية، فباتت كل الدول منفتحة على بعضها في تجسيد فعلي لمفهوم العولمة، ومن تجلياتها جائجة كورونا التي تجتاح العالم في ظرف أيام فقط، الفيروس الذي ضرب مدينة أوهان الصينية معقل ظهوره، انتقل إلى العالم بشكل سريع ليصل إلى كل قارات العالم، ليتعولم هذا الوباء في كل أصقاع المعمورة ويشكل حالة من الهلع والخوف من موت الكثيرين بسبب هذا الفيروس المتنقل.
عولمة كورونا تهدد البشرية
إن تاريخ البشرية شهد الكثير من الأوبئة التي أنهت حياة الملايين، بسبب الظروف البيئية غير المساعدة وانعدام الطرق الوقائية، وصعوبة اكتشاف العلاج السريع لها، ما أدى إلى خسائر فادحة في الأرواح في ذات المنطقة، فما بالنا اليوم الذي أصبح العالم كله كدولة واحدة تنتقل بين ولايتها، وهنا تكمن المخاوف من وباء كورونا الذي بات يشكل خطرا داهما على حياة البشر، لم يعد يعني شعبا دون غيره ودولة دون أخرى، بل هي حالة طوارئ عالمية تستدعي تحرك الجميع يدا بيد لمواجهته دون حساسيات وعنصرية وإلقاء اللوم على دولة وأخرى نتيجة تزايد عدد الحالات المصابة وموت بعض منها، فالوضع الراهن يستلزم ضبط النفس واتخاذ إجراءات تقوم بها الدول للحد من انتشاره والبحث عن علاج للحالات المصابة.
ضرورة التعامل مع ضحايا كورونا بحس إنساني
لابد أن ندرك جميعا أننا في سفينة واحدة على هذه الأرض منذ خلقنا المولى عزوجل من نفس واحدة، فالأب آدم والأم حواء كما يقول تعالى: «ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة»، فلا فرق بين مصاب في هذه المنطقة وأخرى فالجميع سواسية في المرض وكما يقول الإمام علي: «الناسُ من جهة الأباء أكفاء.. أبوهم آدم والأمّ حواء».
كما يجب معرفة أن هذا الفيروس هو مهدد لحياة الإنسان واستقراره ومستقبل وجوده، ولا يجب الاستهانة بذلك، بل ينبغي أخذ الأمور بمحمل الجد والتعامل معه بمسؤولية وحس إنساني دون حسابات ذاتية ومصالح خارج دائرة المصلحة البشرية المشتركة.
التمييز العنصري ضد بلدان الوباء يضرب الجامع المشترك للأخوة الإنسانية
إن ظهور هذا الوباء ليس خطأ أي إنسان، فرب ضارة نافعة، وإنما الخطأ التعامل بسلوك غير إنساني مع المصابين بهذا الفيروس والبقاء في حالة ذهول وصدمة وعزلة دون بذل الجهود الطبية وتحريك الكوادر العلمية لتقديم المساعدة لكشف اللقاح المناسب لهذا الفيروس وإنقاذ البشرية، فكافحة هذا الوباء رهين بمستوى الوعي الإنساني الذي سينجح في وضع حد له.
كورونا فرصة لبناء جسور الأخوة الإنسانية
إن وباء كورونا لابد أن يزيد في تكاتفنا جميعا أخوة في الإنسانية، دون تمييز بين الشعوب والأديان، بل هي لحظة حاسمة للعودة إلى المنطق الإنساني والروح الواحدة، لذلك ندعو إلى إحياء هذه النفس لعمارة الأرض وإحلال السلام، واستشعار الخطر الواحد الذي يهدد الجميع على قدم وساق دون تمييز بين امرأة أو رجل أو طفل أو عجوز أو من دين دون الآخر، فنحن مدعوون جميعا أن نبقى متحدين لأن هذه الوحدة الإنسانية وحدها من سيهزم هذا الوباء الذي يشكل امتحانا صعبا لإنسانيتنا وأخوتنا.
*أمين عام المجلس الإسلامي العربي في لبنان