وقف ينتظر، بدأت عيناه تدور يمنى ويسرى، والقلق يسري في عروقه، تنفس بغضب، وظل ينتظر، كان خلفه الوفد المرافق له، الذين اعتادوا على «الإهانات الدولية» حين مرافقته، منذ قام الرئيس ترمب، في قمة العشرين، بإهانتهم ووصفهم بالمهرجين، يومها عبّر تشاويش أوغلو عن غضبه، بإطلاق ضحكة صامتة، كان يريد أن يخفي بأي شكل أن «الإحراج سيد الموقف».
صُدم أردوغان منذ وصوله موسكو ولغاية دخوله الكرملين، ليس من التعامل غير البروتوكولي فحسب، إنما أيضاً حين لم يسمحوا له مقابلة بوتين على الفور، فبدا أن موافقة روسيا لاستقبالهم كانت على مضض، فانتظر طويلاً، وراح يتخيل السلاطين العثمانيين، وتساءل والألم يعتصره: «هل حدث مع أي منهم ما يحدث معي الآن؟، حسرة، لم أجد شخصاً يحترمني في هذه المعمورة إلا تميم، الذي يشعرني بأنني سلطان عثماني وأمير للمؤمنين، يا للبؤس، كيف سيكتب التاريخ ذلك؟!»
تململ الوفد وراح كل واحد منهم ينشغل بأمور ثانوية، شعر أردوغان بتحركاتهم وصدرت همسات غير مفهومة، كان قد سقط في وحل الإحراج خاصة أمام الصحافة الغربية، التي راحت تلتقط الصور دون شفقة أو رحمة، وقف تشاويش يبحث في جيوبه، ولم يكن يدري عن ماذا يبحث أو ماذا يريد، كانت فقط حركات لا إرادية، كي يشغل نفسه ويهرب من حالة الإحراج الشديد، راح يراجع ما حدث قبل قليل في المطار هو وأردوغانه حين أوقفتهم حواجز روسية، وانتظروا طويلاً كأنهم معتقلون، ظنوا بأن حضور أردوغان لموسكو سيعفيهم من تلك الحواجز، لكن بوتين أراد أن يلقن تركيا درساً، رسالة تقول بوضوح إن الأتراك سينتظرون طويلاً في سوريا وليبيا، إذا استمر التلاعب والابتزاز العثماني.
شعر أردوغان بالانهيار الكامل قبل إجراء المفاوضات، ففهم رسالة بوتين قبل أن يلتقيه، علم أنه قد خسر إدلب، التي لا تعنيه ولا تخصه، وأنه قد خسر المعركة برمتها، فألقى بنفسه أمام كرسي على بوابة بوتين، وتحت نظر ومراقبة العالم أجمع.
أخيراً، سُمح لأردوغان بلقاء بوتين وكانت هناك صدمة أخرى، لا يوجد سوى كرسيين لبوتين وللرئيس المُحرج، فوقف وفده صفاً واحداً بأمر من إدارة الكرملين تحت تمثال لسيدة لم يعرفوا لمن ذلك التمثال، لكنهم بعد وصولهم أنقرة، علموا من خلال وكالات الأنباء، بأن التمثال يعود لـ«كاترين الثانية» التي تعتبر إحدى أشهر أباطرة الروس والتي سحقت الدولة العثمانية.
بعد مفاوضات هشة، توسل أردوغان بوتين لإخراجه من عنق الزجاجة ومنحه فرصة أخيرة لإنهاء الحرب في إدلب وحفظ ماء الوجه أمام شعبه ومعارضيه، فهز رأسه بوتين بإجابة غير مفهومة أنها نعم أم لا، لكنه أمره بأن يغلق المنافذ التركية وكذلك الحد من الهجرة إلى أوروبا، فهزّ رأسه موافقاً.
في النهاية، وبسبب الإحراج الشديد، والتشويش الذي لم يحدث لرئيس سابق، سوى تميم، وقف أردوغان بين لافروف وأوغلو يستمع إلى حديثهما وكأنه هو وزير الخارجية أو مرافق وأوغلو هو الرئيس، وبدل أن يمد يده لمصافحة لافروف، مد يده يصافح أوغلو! ومع ذلك ظلت يده ممدودة ببلاهة، في مشهد يستحق الاستقالة، أو احتجاج الشعب التركي المسكين، الذين أصابتهم جميعاً الإهانات المتتالية التي تطالهم بسبب أردوغان..
* روائية وباحثة سياسية
Noura_almoteari@yahoo.com
صُدم أردوغان منذ وصوله موسكو ولغاية دخوله الكرملين، ليس من التعامل غير البروتوكولي فحسب، إنما أيضاً حين لم يسمحوا له مقابلة بوتين على الفور، فبدا أن موافقة روسيا لاستقبالهم كانت على مضض، فانتظر طويلاً، وراح يتخيل السلاطين العثمانيين، وتساءل والألم يعتصره: «هل حدث مع أي منهم ما يحدث معي الآن؟، حسرة، لم أجد شخصاً يحترمني في هذه المعمورة إلا تميم، الذي يشعرني بأنني سلطان عثماني وأمير للمؤمنين، يا للبؤس، كيف سيكتب التاريخ ذلك؟!»
تململ الوفد وراح كل واحد منهم ينشغل بأمور ثانوية، شعر أردوغان بتحركاتهم وصدرت همسات غير مفهومة، كان قد سقط في وحل الإحراج خاصة أمام الصحافة الغربية، التي راحت تلتقط الصور دون شفقة أو رحمة، وقف تشاويش يبحث في جيوبه، ولم يكن يدري عن ماذا يبحث أو ماذا يريد، كانت فقط حركات لا إرادية، كي يشغل نفسه ويهرب من حالة الإحراج الشديد، راح يراجع ما حدث قبل قليل في المطار هو وأردوغانه حين أوقفتهم حواجز روسية، وانتظروا طويلاً كأنهم معتقلون، ظنوا بأن حضور أردوغان لموسكو سيعفيهم من تلك الحواجز، لكن بوتين أراد أن يلقن تركيا درساً، رسالة تقول بوضوح إن الأتراك سينتظرون طويلاً في سوريا وليبيا، إذا استمر التلاعب والابتزاز العثماني.
شعر أردوغان بالانهيار الكامل قبل إجراء المفاوضات، ففهم رسالة بوتين قبل أن يلتقيه، علم أنه قد خسر إدلب، التي لا تعنيه ولا تخصه، وأنه قد خسر المعركة برمتها، فألقى بنفسه أمام كرسي على بوابة بوتين، وتحت نظر ومراقبة العالم أجمع.
أخيراً، سُمح لأردوغان بلقاء بوتين وكانت هناك صدمة أخرى، لا يوجد سوى كرسيين لبوتين وللرئيس المُحرج، فوقف وفده صفاً واحداً بأمر من إدارة الكرملين تحت تمثال لسيدة لم يعرفوا لمن ذلك التمثال، لكنهم بعد وصولهم أنقرة، علموا من خلال وكالات الأنباء، بأن التمثال يعود لـ«كاترين الثانية» التي تعتبر إحدى أشهر أباطرة الروس والتي سحقت الدولة العثمانية.
بعد مفاوضات هشة، توسل أردوغان بوتين لإخراجه من عنق الزجاجة ومنحه فرصة أخيرة لإنهاء الحرب في إدلب وحفظ ماء الوجه أمام شعبه ومعارضيه، فهز رأسه بوتين بإجابة غير مفهومة أنها نعم أم لا، لكنه أمره بأن يغلق المنافذ التركية وكذلك الحد من الهجرة إلى أوروبا، فهزّ رأسه موافقاً.
في النهاية، وبسبب الإحراج الشديد، والتشويش الذي لم يحدث لرئيس سابق، سوى تميم، وقف أردوغان بين لافروف وأوغلو يستمع إلى حديثهما وكأنه هو وزير الخارجية أو مرافق وأوغلو هو الرئيس، وبدل أن يمد يده لمصافحة لافروف، مد يده يصافح أوغلو! ومع ذلك ظلت يده ممدودة ببلاهة، في مشهد يستحق الاستقالة، أو احتجاج الشعب التركي المسكين، الذين أصابتهم جميعاً الإهانات المتتالية التي تطالهم بسبب أردوغان..
* روائية وباحثة سياسية
Noura_almoteari@yahoo.com