كيف تحولت إسطنبول إلى عاصمة للجرمية وملتقى لأجهزة الاستخبارات العالمية، لقد أخذت هذه المكانة بين عواصم العالم بسبب نفعية السياسة التركية التي احتضنت في أراضيها كل المنظمات الإرهابية ومكنت جواسيس العالم من القدوم والعمل.
اليوم تبدو إسطنبول وكأنها بيروت الستينات والسبعينات والثمانينات التي اشتهرت كمدينة ومحطة للمخابرات والمؤامرات وحاضنة للمنظمات والجواسيس، والمشهد في تركيا يؤكد أنها أكثر هشاشة بسبب تردي أوضاعها الأمنية وضعف أجهزتها الرقابية، وسهولة اختراقها واستهداف من يقيم على أراضيها.
قبل أسابيع ظهرت على السطح قصة اغتيال معارض إيراني، لتسارع أنقرة من فورها بمحاولة وأد الجريمة والتغطية عليها، بدأت القصة كالتالي: قام مسعود مولوي وردنجاني، أحد العاملين في الأمن الإلكتروني بوزارة الدفاع الإيرانية بانتقاد قادة عسكريين في الحرس الثوري الإيراني وسياسيين إيرانيين علنا، ومهددا عبر رسالة له على وسائل التواصل الاجتماعي بتكشف فساد قاده الكبار، قال فيها: «سوف أجتثّ قادة المافيا الفاسدين، وأدعو الله ألا يقتلوني». لينتهي الأمر بتورط ضابطَي مخابرات في القنصلية الإيرانية في تركيا، بالتحريض وتنفيذ عملية القتل.
ما يثير الشكوك بل اليقين من تورط النظامين التركي والإيراني في عملية الاغتيال، أنها جاءت بعد 3 أشهر فقط من نشر المعارض الإيراني رسالته، فالنظام التركي لم يتكتم فقط على جريمة اغتيال المعارض الإيراني التي نفذت تحت سمعه وبصره، بل هناك ما يؤكد تورطه وتسهيله لأجهزة المخابرات الإيرانية والحرس الثوري للتخطيط وتنفيذ الجريمة.
لقد أضحت تركيا دولة غير آمنة، خاصة أمام المستثمرين والسياح، لقد تغيرت إسطنبول -تحت إدارة أردوغان- من ملتقى للشرق والغرب وعاصمة الموضة والأضواء، إلى بقايا مدينة تعيش تحت روائح الدم ودخان الرصاص ورحمة المافيات وأجهزة المخابرات العالمية.
لا شك أن النظام التركي الهش متورط إلى أذنيه في أعمال الجريمة المنظمة والتهريب والاغتيالات، وكل شيء في تركيا له ثمن، فقط ما على أي جهاز مخابرات في العالم إلا أن يخرج الدولارات الخضراء ليجد المسؤولين ورجال المخابرات والشرطة التركية مجرد مرتشين يقودون بأنفسهم أعمال الجريمة والتصفيات الجسدية ويتسابقون لينفذوا مشيئته.
هل تتذكرون جريمة مطعم البيسفور، في رأس سنة 2018، التي لم تعلن نتائج التحقيق فيها إلى الآن، هل تتذكرون تفاصيل الجريمة وتخبط الروايات حولها، لقد كانت عملية تصفية لأحد المعارضين لنظام أردوغان، ولم يتم قتل بقية الموجودين الأبرياء إلا للتغطية على الجريمة الأساسية، 35 روحا بلا ذنب من أجل إزاحة أحد المعارضين من أمام أردوغان.
ما يثير الدهشة هي الجرأة الإيرانية على تنفيذ الجريمة في مكان عام في إسطنبول وأمام مرأى جهات الأمن التركية، ما يؤكد على اخترق الإيرانيين للأجهزة التركية وتغولهم فيها، على الرغم من أن المعلومات التي رشحت تؤكد أن منفذي جريمة الاغتيال بينهم أتراك وإيرانيون يحملون جوازات سفر دبلوماسية، وأبلغوا السلطات التركية بأنهم تصرفوا بأوامر من ضابطي مخابرات في القنصلية الإيرانية.
المثير في الأمر هو تفريط النظام التركي في سيادته وخشيته الواضحة من الإيرانيين، بل ومن كل المنظمات الإرهابية الأخرى التي اتخذت من إسطنبول وأنقرة وباقي المدن التركية منطلقا لها للتخطيط لجرائمها وتلقي التمويل والدعم.
تردد أنقرة في توجيه الاتهام لإيران بجريمة الاغتيال رغم مرور أسابيع من الجريمة يأتي انعكاسا لما يحصل على الأرض في سوريا، وتورطهما في المذبحة السورية، فهي أعلنت أنها ستقدم لطهران ردا رسميا بخصوص مقتل «وردنجاني»، والدور الذي قام به منفذو الجريمة الحاملون لجوازات سفر دبلوماسية، لكنها لا تزال تراوح مكانها.
المثير أيضا ليس الغطاء الأمني الذي منحته حكومة أردوغان لإيران، بل منع التغطية الإعلامية وتحذير الصحافة التركية من تناول الجريمة، وعدم تصعيدها في الإعلام الدولي، لقد تحولت تركيا من منفذة لاغتيال معارضيها إلى مقاول من الباطن لأجهزة المخابرات القطرية والإيرانية تسهل عملياتهم التجسسية والأمنية على أراضيها.
* كاتب سعودي
massaaed@
اليوم تبدو إسطنبول وكأنها بيروت الستينات والسبعينات والثمانينات التي اشتهرت كمدينة ومحطة للمخابرات والمؤامرات وحاضنة للمنظمات والجواسيس، والمشهد في تركيا يؤكد أنها أكثر هشاشة بسبب تردي أوضاعها الأمنية وضعف أجهزتها الرقابية، وسهولة اختراقها واستهداف من يقيم على أراضيها.
قبل أسابيع ظهرت على السطح قصة اغتيال معارض إيراني، لتسارع أنقرة من فورها بمحاولة وأد الجريمة والتغطية عليها، بدأت القصة كالتالي: قام مسعود مولوي وردنجاني، أحد العاملين في الأمن الإلكتروني بوزارة الدفاع الإيرانية بانتقاد قادة عسكريين في الحرس الثوري الإيراني وسياسيين إيرانيين علنا، ومهددا عبر رسالة له على وسائل التواصل الاجتماعي بتكشف فساد قاده الكبار، قال فيها: «سوف أجتثّ قادة المافيا الفاسدين، وأدعو الله ألا يقتلوني». لينتهي الأمر بتورط ضابطَي مخابرات في القنصلية الإيرانية في تركيا، بالتحريض وتنفيذ عملية القتل.
ما يثير الشكوك بل اليقين من تورط النظامين التركي والإيراني في عملية الاغتيال، أنها جاءت بعد 3 أشهر فقط من نشر المعارض الإيراني رسالته، فالنظام التركي لم يتكتم فقط على جريمة اغتيال المعارض الإيراني التي نفذت تحت سمعه وبصره، بل هناك ما يؤكد تورطه وتسهيله لأجهزة المخابرات الإيرانية والحرس الثوري للتخطيط وتنفيذ الجريمة.
لقد أضحت تركيا دولة غير آمنة، خاصة أمام المستثمرين والسياح، لقد تغيرت إسطنبول -تحت إدارة أردوغان- من ملتقى للشرق والغرب وعاصمة الموضة والأضواء، إلى بقايا مدينة تعيش تحت روائح الدم ودخان الرصاص ورحمة المافيات وأجهزة المخابرات العالمية.
لا شك أن النظام التركي الهش متورط إلى أذنيه في أعمال الجريمة المنظمة والتهريب والاغتيالات، وكل شيء في تركيا له ثمن، فقط ما على أي جهاز مخابرات في العالم إلا أن يخرج الدولارات الخضراء ليجد المسؤولين ورجال المخابرات والشرطة التركية مجرد مرتشين يقودون بأنفسهم أعمال الجريمة والتصفيات الجسدية ويتسابقون لينفذوا مشيئته.
هل تتذكرون جريمة مطعم البيسفور، في رأس سنة 2018، التي لم تعلن نتائج التحقيق فيها إلى الآن، هل تتذكرون تفاصيل الجريمة وتخبط الروايات حولها، لقد كانت عملية تصفية لأحد المعارضين لنظام أردوغان، ولم يتم قتل بقية الموجودين الأبرياء إلا للتغطية على الجريمة الأساسية، 35 روحا بلا ذنب من أجل إزاحة أحد المعارضين من أمام أردوغان.
ما يثير الدهشة هي الجرأة الإيرانية على تنفيذ الجريمة في مكان عام في إسطنبول وأمام مرأى جهات الأمن التركية، ما يؤكد على اخترق الإيرانيين للأجهزة التركية وتغولهم فيها، على الرغم من أن المعلومات التي رشحت تؤكد أن منفذي جريمة الاغتيال بينهم أتراك وإيرانيون يحملون جوازات سفر دبلوماسية، وأبلغوا السلطات التركية بأنهم تصرفوا بأوامر من ضابطي مخابرات في القنصلية الإيرانية.
المثير في الأمر هو تفريط النظام التركي في سيادته وخشيته الواضحة من الإيرانيين، بل ومن كل المنظمات الإرهابية الأخرى التي اتخذت من إسطنبول وأنقرة وباقي المدن التركية منطلقا لها للتخطيط لجرائمها وتلقي التمويل والدعم.
تردد أنقرة في توجيه الاتهام لإيران بجريمة الاغتيال رغم مرور أسابيع من الجريمة يأتي انعكاسا لما يحصل على الأرض في سوريا، وتورطهما في المذبحة السورية، فهي أعلنت أنها ستقدم لطهران ردا رسميا بخصوص مقتل «وردنجاني»، والدور الذي قام به منفذو الجريمة الحاملون لجوازات سفر دبلوماسية، لكنها لا تزال تراوح مكانها.
المثير أيضا ليس الغطاء الأمني الذي منحته حكومة أردوغان لإيران، بل منع التغطية الإعلامية وتحذير الصحافة التركية من تناول الجريمة، وعدم تصعيدها في الإعلام الدولي، لقد تحولت تركيا من منفذة لاغتيال معارضيها إلى مقاول من الباطن لأجهزة المخابرات القطرية والإيرانية تسهل عملياتهم التجسسية والأمنية على أراضيها.
* كاتب سعودي
massaaed@